مساران للتعامل مع تسونامي «صفقة القرن»

سؤالان مهمان يفرضان نفسيهما الآن على العالم العربى (النظام العربى وجماهيره) بعد انفضاض القمة الدورية العربية الثلاثين التى عقدت فى تونس يوم الأحد (31 مارس الفائت)، وما صدر عنها من قرارات وتوصيات تؤكد الرفض العربى لقرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الخاصة بالاعتراف بالقدس موحدة «عاصمة أبدية» للكيان الصهيوني، والاعتراف بقرار فرض السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة. السؤال الأول هو هل سيلتزم بنيامين نيتانياهو بعد فوزه المتوقع والمدعوم أمريكياً فى الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المقبلة بالتوصية الواردة على قمة أجندة ائتلافه الانتخابى اليمينى الداعية إلى «إقامة دولة إسرائيل داخل الحدود التوراتية» أما السؤال الثانى فهو: كيف سيكون رد الفعل العربى على ذلك، هل الشجب والإدانة، أما أن العرب مازال فى مقدورهم امتلاك مشروع مضاد للمشروع الصهيونى قادر على صون وحماية الأرض والسيادة العربية والحفاظ على كرامتها؟

اقرأ أيضاً: «إتفاق إهدن» كافٍ لترسيم الحدود البرّية مع سوريا؟

قد يعتقد البعض أن وضع التكتل الانتخابي اليمينى الذى يقوده نيتانياهو دعوة إقامة «إسرائيل التوراتية» على رأس أولوياته، والتحول من «إستراتيجية الإخفاء» إلى «إستراتيجية المجاهرة» بحقيقة وجوهر المشروع الصهيونى كمشروع توسعى استيطاني، هو محض مزايدة انتخابية فرضتها المنافسة الانتخابية الشديدة بين نيتانياهو الذى تطارده فضائحه واحتمالات تقديمه للمحاكمة بسبب العديد من القضايا المتهم فيها هو وزوجته، وبين منافسيه الأقوياء. لكن إذا كان هذا صحيحاً فإنه يؤكد، أن مشروع إقامة «إسرائيل الكبري» التى يعتقدون أنها «فريضة توراتية» أضحى عامل الترجيح عند الناخب الإسرائيلي، ما يعنى أن هذا المشروع يمثل أولوية شعبية، يعطى نيتانياهو الأولوية الآن لثلاثة ملفات، يؤدى نجاحه فى تحقيقها، إلى تحويل مشروع «إسرائيل التوراتية» من كونه مشروعاً افتراضياً إلى مشروع أمر واقع. هذه الملفات تلتقى فى مضمونها مع مشروع «صفقة القرن» لفرض السلام الذى يريده الرئيس الأمريكي. أول هذه الملفات هو التوسع فى ضم الأراضى التى كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني، أى كل فلسطين وربما يكون قرار الضم الرسمى للمنطقة (جـ) من الضفة الغربية خطوة أولى فى هذا الاتجاه الذى يتكامل مع قرار واشنطن تأييد فرض السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية. أما الملف الثانى فهو ملف توسيع وتعميق تطبيع العلاقات مع الدول العربية وتأسيس منظومة علاقات إسرائيلية- عربية جديدة تقوم على المصالح المشتركة ومواجهة التهديدات والأهم هو إخراج القضية الفلسطينية من أجندة هذه المنظومة نهائياً، وترسيخ الفهم الذى يقول «إن هذه القضية أضحت عبئاً يجب التخلص منه لصالح دعم مصالح الدول العربية مع إسرائيل». الملف الثالث هو «تأسيس تحالف إستراتيجى عربي- إسرائيلي» هدفه المحورى هو مواجهة الخطر الإيراني، وفرض هذا الملف كأولوية مشتركة عربية إسرائيلية.

كيف سيواجه العرب هذا التوجه؟

السؤال هذه المرة يتجاوز كل حدود الإدانات والشجب مهما تكن درجة سخونتها، حتى ولو كانت إدانات دولية صادرة عن المجتمع الدولي، ولنا فى تجربة إدانة المجتمع الدولى للقرار الأمريكى الذى اعترف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للكيان الصهيونى عظة. فعندما رفض مجلس الأمن هذا القرار الأمريكى بالإجماع (باستثناء الولايات المتحدة) لم يتغير شىء، وكان رد الفعل الأمريكي، كما أعلنته نيكى هايلى المندوبة الأمريكية السابقة فى مجلس الأمن هو إدانة المجتمع الدولى وتهديده بالمعاقبة، وقالت عن قرار مجلس الأمن «هذه إهانة لن ننساها»، لذلك لم يعد أمام العرب غير مسارين؛ إما مسار الخضوع دون مناكفة لما تعتبره واشنطن مشروعاً أمريكياً للسلام.

مسار الخضوع هو بلا شك مسار تدميري، لكل شىء، ومن يعتقد أنه سيكون بمنأى عن الخطر ودفع الأثمان فإنه واهم، لأن الأثمان هذه المرة تمس مباشرة الأرض، أى الأوطان نفسها، حتى لو كانت أوطان هؤلاء خارج دائرة تلك الدولة التوراتية المزعومة، لكن مسار المواجهة هو مسار التحدي، وإن كان سيفرض هو الآخر دفع أثمان لإنجاحه، فإن مردوده هو كسب الحقوق والحفاظ عليها، فى حين أن الأثمان التى ستدفع نتيجة الانخراط فى مسار الخضوع ستكون توقيعاً على صك التفريط فى هذه الحقوق ونضرب هنا مثالاً واحداً للمقارنة بين محصلة الأثمان التى ستدفع فى مسار الخضوع بمحصلة الأثمان التى ستدفع فى مسار المواجهة والتحدى بقضية فرض السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية.

فالاستسلام والخضوع لقرار ترامب بفرض السيادة الإسرائيلية على الجولان له أثمان إستراتيجية وأخرى اقتصادية فادحة. فإستراتيجياً سيتيح هذا الاستسلام الفرصة لإسرائيل بجعل العاصمة السورية دمشق مهددة دائماً وتحت رحمة إسرائيل. واقتصادياً سيمكن قرار الخضوع لفرض السيادة الإسرائيلية على الجولان إسرائيل من امتلاك بحرين من الثروات الهائلة بحر الثروات الأول هو بحيرة طبريا التى تسقى إسرائيل، أما بحر الثروات الثانى فهو البحر الهائل من النفط المكتشف الذى يقال إنه يكفى حاجة الدولة الصهيونية إلى أكثر من 400 سنة قادمة، كما تؤكد الشركات التى تتولى التنقيب عن هذا النفط فى الجولان.

بهذا المعنى نستطيع وصف مسار الخضوع بأنه مسار المكاسب المطلقة للكيان الصهيونى ومسار الخسائر المطلقة للعالم العربي، فى حين أن مسار المواجهة نتائجه عكسية تماماً، فخيار استعادة الجولان، مهما تكن أثمانه وصعوباته سيجعل إسرائيل مهددة أمنياً من سوريا، سيجعلها تحت رحمة سوريا دائماً، وسيحرمها من أهم مصادر الحياة: الماء والنفط. والقياس صحيح فى كل قضايا ومناطق المواجهة العربية الأخرى مع إسرائيل، وهذا ما يؤكد صحة مقولة أن ثمن الصمود والمقاومة أقل كثيراً من أثمان الاستسلام ولنا أن نختار بين المسارين فى التعامل مع تسونامى صفقة ترامب الذى سيجتاح عالمنا العربى عقب تشكيل نيتانياهو حكومته الجديدة والذى بدأت معالمه فى إعلان نيتانياهو يوم الأحد الماضى قبل 48 ساعة فقط من الانتخابات التشريعية التى تجرى اليوم داخل الكيان الصهيونى عزمه على ضم كل المستوطنات المقامة فى الضفة الغربية، وإبلاغه الرئيس الأمريكى بأنه «لن يطرد مستوطناً واحداً كجزء من أى خطة سلام مقبلة»، وإعلان الرئيس الأمريكى دعمه الكامل لخيارات نيتانياهو.

السابق
قرى الجنوب والبقاع تحولت إلى منطقة عسكرية
التالي
أمين المقاومة ووعوده الانتخابية الأخيرة