المعتقلون السوريون… ومراحل الموت البطيء

ضمن مجلة VICE الإلكترونية نشر الصحفي السوري علي الإبراهيم تحقيقاً استقصائياً بعنوان ("تزوير الموت" في السجون العسكرية السورية.. القتل مرتين)، رصد فيه علي مجموعة من الدلائل خلال عمله الصحفي عن حالات التزوير التي تجريها أجهزة النظام السوري بحق المعتقلين في السجون العسكرية.

فخلال عملية بحثه بين عدة مدن عربية وعالمية، وضمن ما يسمى “مجموعة ملفات قيصر” وهي مجموعة حقوقية ناشطة في مجال متابعة ملف المعتقلين المتوفيين تحت التعذيب في سجون الأسد، وجد الصحفي علي الإبراهيم كثيراً من الأدلة المدينة لأجهزة النظام السوري في عمليات التعذيب أثناء الاعتقال وصولاً لتزوير سبب الوفاة، حيث جرى إعلام أهالي المتوفى بخبر وفاة ابنهم بسبب جلطة قلبية او سكتة دماغية. وهو ما دحضه التحقيق انطلاقاً من مئات الصور المسربة عبر المصور العسكري المنشق “قيصر” توثق لعشرات الجثث المكدسة على الأرض، تم التعرف عليها من قبل عائلات المعتقلين عن طريق الوجوه والعلامات للأجساد، بحسب شهادات الأهالي.

تحدث التحقيق عن الفرع 215 وهو جهاز أمني يتبع للمخابرات العسكريّة وهو معروف أيضاً باسم (سرية المداهمة والاقتحام)، ويقع في حي كفرسوسة بالعاصمة دمشق. وأفادت عدة شهادات لناجين من الاعتقال في الفرع 215 بحوادث يومية للموت بسبب التعذيب، تصل في بعض الأحيان إلى 25 حالة وفاة، ما يجعله الفرع رقم واحد في حالات الموت بسبب التعذيب بين جميع الأفرع الأمنية في سوريا.

اقرأ أيضاً: الوجود السوري في لبنان… نعمة وليس نقمة

أما محور التحقيق الأساسي فانطلق من حادثة بدأت في العام الفائت منذ حزيران الماضي، حيث بدأت دوائر الشؤون المدنية في المحافظات خارج دمشق بتقييد المعتقلين الذين توفوا في سجون النظام على أنهم موتى في شهادات وفاة رسمية، وطُلب من ذويهم القدوم لتسلم هذه الشهادات. في الغوطة الغربية بمدينة المعضمية (قرب العاصمة دمشق)، تلقت دائرة الشؤون المدنية في 25 من حزيران الماضي، قوائماً تضم أسماء 165 مدنياً معتقلاً في سجون النظام، من مجمل 700 معتقل من أبناء المدينة. وفي مدينة حماة وسط سوريا، تسلمت دائرة الشؤون المدنية مطلع شهر تموز الحالي، قوائم بـ 120 معتقلاً، توفوا في سجون النظام، في حين أرفقت مخابرات النظام بجانب قوائم أسماء الضحايا، عبارة تفيد بأن سبب الوفاة “أزمات قلبية حادة.” وفي الحسكة شرقي سوريا، وصلت قوائم إلى دائرة الشؤون المدنية أيضاً تضم أسماء نحو 500 معتقل، ماتوا في سجون العاصمة دمشق، في أعقاب نقلهم إليها. كما تم توثيق أسماء 68 شخصاً تسلم ذويهم وثائقاً تؤكد وفاتهم في سجون النظام من مدينة داريا.

واعتمد التحقيق على إحصائية للشبكة السورية لحقوق الإنسان حول أعداد المعتقلين والمختفين إضافة للمتوفيين في السجون السورية، حيث وثق تقرير للشبكة مقتل 13.197 من المدنيين في سوريا بسبب التعذيب، منذ آذار 2011 وحتى حزيران 2018. ووفقًا للتقرير فإن من بين الضحايا هناك 167 طفلاً و59 سيدة، في حين لا يزال ما لا يقل عن 121،829 شخصاً قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري منذ آذار 2011، قرابة 87% منهم لدى النظام، ويُرجح حقوقين أن “يكون مصير الآلاف من الموثقين على أنهم قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري قد قتلوا تحت التعذيب و في السجون والفروع الأمنية.”

بدوره أشار التحقيق مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، وهي مجموعة مقرها في العاصمة البريطانية لندن وتعمل على توثيق أوضاع لاجئي فلسطيني سوريا، والتي أكدّت أن 3،825 فلسطينياً قتلوا في سجون النظام – بينهم نساء – على مدى سنوات الثورة السورية، وأن هناك نحو 1،680 معتقل محتجز في سجون النظام السوري لليوم، إضافة الى مئات المفقودين.

مصير الجثث المجهولة استغرق من فريق التحقيق وقتاً وجهداً في البحث عن الدلائل فتوصلوا إلى عدد من الشهادات المتطابقة لكوادر طبية عملت في المستشفيات العسكرية إلى أن الجثث التي تصل إلى المشفى من كافة الأفرع الأمنية في دمشق، يتم تجميعها وتكديسها في حافلات تقع داخل مستشفى تشرين العسكري أو مستشفى 601 إلى أن يقوم الطبيب الشرعي بالكشف عليها وتسجيل تقرير طبي، يؤكد بموجبه أن صاحب الجثة قد فارق الحياة نتيجة جلطة دماغية، أو سكتة قلبية، ويقوم الطبيب بعد ذلك بكتابة رقم الجثة على جبين المتوفي أو صدره، وتحته رقم الفرع.

اقرأ أيضاً: يوميات معتقل 8: عن الشعور بالإذلال عند نتف اللحى

لكن ماذا عن محاسبة النظام. استشار معد التحقيق خبراء قانويين أكدّوا أنه لا يمكن اللجوء حالياً إلى الملاحقة القضائية أمام المحاكم السورية وذلك بسبب قصور التشريعات السورية، فهي لا تتضمن أي نص قانوني يتحدث عن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، ناهيك عن أن الكوادر القضائية ليس لديها الخبرة الكافي في هذا النوع من الجرائم. من المستبعد كلياً أن يقوم مرتكب الانتهاكات الأكبر –حكومة النظام السوري- بمحاسبة نفسه، وهو الذي حصّن نفسه بالدستور السوري والعديد من التشريعات والقوانين التي تضمن الإفلات من العقاب، لرأس النظام وأفراد المخابرات والأمن ومن يتعاون معهم.

كما لا يمكن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية ، لأن سوريا غير منضمة لنظام روما الأساسي الخاص بهذه المحكمة، وبالتالي يجب أن تتم إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن الدولي، وهذا لن يتم على الأقل حالياً بسبب الفيتو الروسي والصيني، اللذين سيكونان أيضاً العائق الأساسي في حال تم الحديث عن إحداث محكمة دولية خاصة بسوريا.

السابق
ظريف: ترامب صنف الحرس الثوري الإيراني إرهابياً بطلب من نتنياهو
التالي
 تحالف أزرق ابيض يتقدم على الليكود ..وغانتس ونتنياهو يعلنان الفوز