الوجود السوري في لبنان… نعمة وليس نقمة

اللاجئين السوريين
عند بدء الأحداث في سورية دار نقاش واسع في الوسط السياسي اللبناني عن كيفية التعاطي مع موجات اللجوء السوري إلى لبنان، اختلف الفرقاء اللبنانيون ولم يضعوا خطة وطنية سياسية لاستقبال الأخوة السوريين، والآن يختلفون أيضاً على كيفية "التخلص" منهم!!

يلعب النزاع بين أطراف المحاصصة اللبنانية داخلياً دوراً في تحديد مواقفهم من اللاجئين السوريين من دون الأخذ بعين الاعتبار أنهم بشر لهم حقوق أهمها الحق بالحياة والأمن والسلام.

أنا مواطن لبناني تشكل لبنانيتي عنصراً أساسياً من تكون هويتي، لكن قبل أن أكون لبنانياً وقبل حصول أسرتي على الهوية اللبنانية وقف إحصاء 1932، كنت إنساناً وسأبقى، ومواقفي من الآخرين تنطلق من موقفي الإنساني أولاً.

أنا ضد وجود أي لاجئ على الأراضي اللبنانية، أنا مع عودتهم إلى أوطانهم ليعيشوا مع عائلاتهم على أرضهم ولكن يعيشوا وفق شرعة حقوق الإنسان، يعيشوا بأمن وأمان وبكرامة. أنا مع عودة كل المغتربين واللاجئين اللبنانيين إلى بلاد الله الواسعة.

اقرأ أيضاً: في محنة اللاجئين السوريين

ولكن أن يؤمن لهم نظامنا الطائفي القائم على المحاصصة العيش بكرامة. لا ينكر أحد أن لجوء نحو مليون ونصف مليون إنسان سوري أثر على البنى التحتية للبلد وأثر على الخدمات العامة في البلد واستهلك كميات من المياه والكهرباء وغيرها. لكن السؤال لكل السياسيين: هل هم أسباب الأزمة في لبنان؟ هل كانت البنى التحتية ممتازة قبل مجيئهم، لم تكن لدينا أزمة نقابات؟ هل كانت الكهرباء 24/24 والمياه تصل إلى جميع المنازل نظيفة صالحة للشرب والاستخدام؟ هل كانت فرص العمل مؤمنة للبنانيين وأتوا لسحبها من بين أيديهم؟ هل كان التعليم العام من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية مؤمناً للجميع وأتى السوريون لتدمير التعليم العام؟

لا أحد ينكر أننا كنا نعيش في أزمة بنوية عميقة، تطال مختلف نواحي الحياة، أتى اللجوء السوري ليفاقم الأزمة، ليس إلا. والسياسيون اللبنانيون يرغبون بمعالجة النتائج وليس الأسباب التي أدت إلى الأزمة البنوية العميقة، أزمة النظام الطائفي القائم على أساس المحاصصة.

دعونا نحلم، لو نمت الليلة واستيقظت غداً ولم أجد سورياً واحداً في لبنان، ماذا سأجد؟ سأجد القطاع الزراعي وقد توقف تماماً. الكلام ليس نظرياً، في زراعة الأفوكادو في الجنوب 98% من العمال سوريون الزراعة اللوزية في منطقة الوزاني تعتمد على العائلات السورية اللاجئة، زراعة الحمضيات والموز أيضاً. الزيتون بات اللبناني يؤجره للسوريين كذلك معظم الأراضي المعدة لزراعة التبغ هذا في الجنوب. أما في البقاع وفي جولة بين سهوله لم أجد سوى نساء سوريات تعمل في الأراضي الزراعية.

إذا رحل السوريون ماذا يبقى في قطاع البناء، من سيبني العقارات في اقتصاد بلد يقوم على الربع والعقار؟ وفي القطاع البيئي؟ من يعمل في مجال التنظيف؟ لم يجب أن مسؤولي معمل يعالج النفايات عن عدد اللبنانيين وعدد السوريين العاملين في العمل. لكن في برالياس أجاب المسؤول عن معمل فرز النفايات أن عدد العمال 44 عاملاً. فسألته كم عدد السوريين بينهم أجاب: كلهم. فسألته ومن سيعمل بعد إبعادهم عن العمل؟ لم يجب.

في قرية سرعين سألت صاحب أحد مناشر الصخور عن عدد العمال اللبنانيين الذين يعملون في المناشر، أجاب: لا أحد كلهم سوريين، ويتشدق المسؤولون اللبنانيون بأهمية التعليم، ويغضون الطرف عن أن التعليم الرسمي العام في لبنان يتعيش على الطلاب السوريين التي تدفع المفوضية العليا للاجئين مبالغ طائلة لوزارة التعليم لقاء استقبالهم في المدارس.

في جولة على عدد من المدارس أفادنا المدراء أن التحسينات التي أدخلت عليها بسبب وجود تلامذة سوريين، وذلك في مناطق مختلفة. لا أعرف عدد الأساتذة المتعاقدين مع وزارة التربية لقاء تدريس التلامذة السوريين.

هل يمكن أن يساعدني أحد عن عدد اللبنانيين واللبنانيات الذين يعملون في جمعيات ومؤسسات تقدم خدمات للاجئين السوريين في لبنان بأموال ممنوحون المجتمع الدولي؟

هل يمكن أن يشكف مسؤولو البلد عن المبالغ المقدمة لعدد من وزارات البلد لقاء الخدمات المقدمة للسوريين من دون التدقيق بجودة الخدمة وبحقيقتها.

أستيقظ صباحاً لأرى أراض واسعة وقد خلع عنها آلاف الخيم البلاستيكية التي كان يسكنها لاجئون سوريون وأسأل عن أصحاب هذه الأراضي الذين وجدوا بالسوريين خير توظيف لأراضيهم بتقاضيهم أجور الأرض غير الصالحة للزراعة، أو الصالحة لكنها لا ترد التكاليف بسبب سياسة السلطة.

اقرأ أيضاً: لاجئون لن يعودوا ولكن… ماذا عن الذين بقوا في سوريا؟

ماذا سيحصل لعدد كبير من البلديات التي استفادت من وجود اللاجئين في أراضيها للحصول على مساعدات دولية أو لفرض رسوم على اللاجئين أنفسهم مثل رسوم جمع ونقل النفايات؟

هل أذكر أكثر من ذلك؟ سألت عدداً من اللاجئين: لماذا ما زلتم هنا ولم تعودوا إلى بلدكم؟ سؤالي من موقع الإنسان وليس المعادي أجابوني: بعضنا لا يستطيع العودة بسبب النظام السوري الذي لا يريد استقبالنا. البعض قال: “نريد العودة ولكن بأمان وسلام”! آخرون قالوا: “وماذا نأكل ونشرب هناك ولا أشغال واعمال لدينا؟ أننا بشر ولنا الحق بالغذاء”.

ضحكت لاجئة وقالت: أنا من القصير، كيف أعود إلى بلدي وأرضي وبيتي مسكون من آخرين؟ فضّلت أن أعود إلى سريري وأنام. ربما أحلم أن بلدنا صارت بلد.

السابق
كامل مهنا ممثلاً لبنان على لائحة المرشحين لجائزة نوبل للسلام 2019
التالي
أخطاء «الموركس دور»: البث المباشر يكشف المستور!