عن زيارة عون لموسكو…وحلف اﻷقليات

عون وبوتين
لعل أكثر ما علق بذهن الناس من نتائج زيارة الرئيس عون لموسكو ، والتي طبَّل لها وزمَّر أنصار العهد " القوي " أمران ، الأول هو ما قيل عن أن الرئيس فاتح بوتين بمسألة دعم روسيا للوزير باسيل في معركة الرئاسة اللبنانية المقبلة ، وهو الأمر الذي لم تنفه لا أوساط العهد ولا أوساط التيار الوطني الحر حتى الآن على الأقل ، الأمر الثاني والذي أثار الإنتباه فعلا هو ما نسب إلى الرئيس عون من شكره للرئيس الروسي على حمايته للأقليات في المنطقة عبر تدخله في الحرب السورية .

في البداية نقول أن الكلام عن الأقليات وحمايتها لا يتلاءم أبدا مع تسمية العهد ” القوي ” بل ويتناقض معها إذ أن المفروض أن العهد القوي يكون قويا بجميع مكونات شعبه ولا سيما الأكثرية منها سواء كان داخل بلده أو على مستوى الإقليم ” المشرقي ” كما يحلو لهذا الفريق تسميته، هذا في الشكل أما في المضمون فإن هذا الكلام عن حماية الأقليات يتناقض مع الواقع إذ أن الأمر لم يكن حماية بقدر ما هو دعم لهذه الأقليات في حربها ضد الأكثرية.

اقأ أيضا: بوتين وعون: لا بديل لحل أزمة سوريا سياسيا وندعم جهود حكومتها لمحاربة الإرهاب

فالأقليات لم تكن في موقع الدفاع بل في موقع الهجوم على الأكثرية الشعبية التي قامت بالثورة السلمية لتدافع عن حقوقها بالحرية والكرامة الإنسانية التي إستباحها النظام الأقلوي في سوريا ، وجرها – أي الأكثرية – إلى عسكرة أدت إلى حرب إستنزاف مدمرة إستعمل فيها كل الأسلحة التدميرية ميدانيا ، والأسلحة الإيديولوجية عندما أطلق كذبة حماية الأقليات بالمنطقة معطوفة على شعارات وطنية زائفة كالحديث عن مؤامرة كونية لتقسيم سوريا، مع ” رشة ” بهار محاربة الإرهاب ليستجلب دعمها ونجح بالإستعانة بالبعض من الأقلية الشيعية في المنطقة من لبنان إلى العراق إلى باكستان وأفغانستان وهو البعض المرتبط عضويا بالمصالح الإيرانية، وللأسف نجحت خطته بإستجلاب كل المتطرفين من الطرف الآخر وتغييب السبب الحقيقي للثورة التي ضاعت وضاعت معها مطالب ومصلحة الشعب السوري في دهاليز السياسة الدولية ومصالح الدول المتصارعة.

هذا في الشق المتعلق بزيارة الرئيس عون لموسكو، أما بالنسبة لمقولة حلف الأقليات فالواقع ان من اسوأ ما سمعت من شعارات ونظريات سياسية هو شعار تحالف اﻷقليات في منطقتنا العربية واﻷسوأ من الشعار هم طارحوه والمروجين له هذه اﻷيام ومن سخرية القدر ان هؤﻻء المروجون هم من أهل الممانعة أو الدائرين في فلكها، وهم الذين لطالما حذرونا وصدعوا دماغنا بأن الصهيونية العالمية واﻹمبريالية ﻻ هدف لهما في العالم سوى تقسيمنا الى دول ومجتمعات طائفية وعرقية كي يسهل عليهم إبتلاعنا وكانوا وربما البعض ﻻ يزال يستخدم تعبير تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في تفذلك لفظي لمحاولة إقناع الناس بارائهم، فما عدا مما بدا اﻵن ليطلع علينا نفس اﻷشخاص تقريبا ليبشرونا ويسوقون لنا نظرية حلف اﻷقليات التي هي من وجهة نظري – وأقولها بكل فجاجة ولا قفازات – نوع من نظرية الصهيونية الموسعة ، إذ أن الصهيونية فكرة قائمة على حق العنصر اليهودي في إقامة دولة له على أراضي الغير تحت مسمى إسرائيل وتحت ذرائع دينية متعصبة وبالتالي حمايته ممن تعتبره خطر عليه ضمن محيط عربي إسلامي واسع ، وهذا ما ينادي به اليوم أنصار نظرية حلف الأقليات بغض النظر عما يطرحونه بالمقابل من شعارات وطنية وقومية زائفة.

إقرأ أيضاً: زيارة عون لروسيا.. آمال بفوائد اقتصادية وبحلّ أزمة النازحين

فمجرد الحديث عن حلف أقليات يعني أن يكون ضد الأكثرية وهذا لن يكون جديا وفعالا إلا بإنضمام إسرائيل إليه وتزعمه بإعتبارها أقوى الأقليات إذ لا يمكن أن يكون حلف أقليات إسلامية مسيحية ضد الأقلية اليهودية فهذا ضد المنطق ، من هنا نقول أن الأمر لا يعدو كونه صهيونية موسعة فالفرق هنا هو فقط في الدين ولكن المضمون واحد ، وهذا ربما ما يفسر إعادة إنتاج نغمة حلف اﻷقليات بعد إندلاع الثورة السورية ومن هنا يتبين لنا ما الهدف من طرحها اﻻ وهو الترويج والدفاع عن النظام اﻷقلوي في سوريا وتعويمه بالقول ان هذا النظام إنما هو نظام يحمي اﻷقليات الدينية والمذهبية والعرقية .

ومن هنا ينتابنا بعض الشك في كيفية ظهور بعض الحركات المتطرفة التي ساعدت بتصرفاتها واعطت دافعا ﻷكثرية الناس من اﻷقليات للترويج واﻹقتناع بهذا الطرح الذي أقل ما يقال فيه أنه طرح تصادمي وعدواني ويؤسس لحروب اين منها حرب داحس والغبراء . ولعل أفضل رد على هذه النظرية وهذا الحلف المشؤوم ومنظريه هو المطالبة بإقامة حلف اﻹعتدال وهو طرح معقول خاصة أن اﻹعتدال المقصود هو اﻹعتدال السياسي الوطني والقومي وليس الديني أو المذهبي ﻷننا شبعنا وكفانا أحﻻفا طائفية ومذهبية وﻷن التحالف الطائفي والمذهبي سواءً كان أكثريا أو أقلويا هو بنظرنا الوجه اﻵخر لتحالف اﻷقليات وهو وجهان لعملة رديئة واحدة هي عملة التخلف والتقوقع والحروب المستمرة .

السابق
عون: الربيع العربي هو أقرب إلى جهنم
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاثنين في 8 نيسان 2019