الإنتخابات الفرعية في طرابلس: ديما جمالي مجرد واجهة هشّة!

السباق الانتخابي في طرابلس.. والمرشحون!

إنه زمن السباق الانتخابي الذي انطلق في طرابلس باتجاه ملءالمقعد النيابي الذي شغر بإبطال المجلس الدستوري لنيابة “ديما جمالي” التي اجتهد الرئيس سعد الحريري – عبر صوغه تحالفات واتفاقات ، وإجرائه مصالحات صدمت الرأي العام الطرابلسي، وشقّقت الصفوف أكثر مما رمّمتها –  في سبيل تأمين الاحتضان السياسي لها ، من جانب أغلبية القيادات والقوى السياسية الطرابلسية ، وعلى رأسها منافسه الأبرز وخصمه اللدود في الانتخابات الماضية، الرئيس نجيب ميقاتي، وذلك في مسعى منه ، لإعادتها الى المجلس النيابي، في معركة هادئة وغير مكلفة مالياً ، يعتقد اصحابها انهم قادرون على حسم نتيجتها قبل حدوثها ، تحت شعار مستهلك وممجوج وبات مدعاةً للسخرية وفاقداً لأيّ مصداقية في صفوف الناس، هو “وحدة الصفّ السُنّي” في مواجهة المشروع السياسي لحزب الله ، الذي يتهدد أهل طرابلس الذين يتمّ التعاطي معهم للأسف ، إنطلاقاً من محدداتٍ طائفية : إنهم  “سُنّة” يقطنون في “عاصمة السُنّة” . مع تجاهلٍ مقصود لواقعِ أن هذا التوصيف الذي التصق بالمدينة، قد اصبح مرادفاً لمعنى “كتلة بشرية من المسحوقين والمهمّشين” .

والغريب أن وجود هذا المشروع الخطير قد أصبح نعمةً أو مكسباً في زمن الإفلاس ، أو تجارة لا تكسد بضاعتها ابداً ، في زمن الانتخابات . إذ كان يكفي التذكير بمخاطره على المدينة المنهكة على كافة المستويات ، لتعبئة الجماهير واستنفارهم وتجنيدهم طائعين لتحقيق مصالح الزعيم المستهدف .

وبما انها معركة فرعية ،  فهي لا تستوجب دفع أموال انتخابية طائلة، نتيجة حشد تأييد سياسي واسع لمرشَّحة السلطة ، بغرض قطع أمل أيّ مرشحٍ منافس بالفوز ، والإيحاء ان المعركة قد انتهت قبل ان تبدأ . ولكن رغم إتمام تركيب دواليب “المحدلة” من خصوم الأمس الذين مزقت مهاتراتهم وخلافاتهم على السلطة، جسدَ المدينة ، إلا انه ما زال هناك تحدٍ كبير يواجههم ، وهاجس وحيد يقلقهم ، وهو نسبة الاقتراع الشعبي التي تشير التوقعات الى أنها ستكون متدنية جداً . ما يعني ان تعبئة الشارع البارد وتسخينه بحاجة الى عناوين برّاقة تستنهضه . وهنا يأتي دور الشعارات الإنتخابية المُعلّبة والمستهلكة ومنتهية مدة الصلاحية، التي اعتاد اهل طرابلس سماعها في كل إنتخابات ؛ شعاراتٍ لا وظيفة حقيقية لها ، سوى دغدغة مشاعر الناس، وتجييش مخاوفهم عبر الضرب على الوتر الطائفي ، بغية صرف نظرهم عن واقعهم المهين ونكباتهم اليومية المستفحلة ، وإيهامهم بأن القضية الكبرى لا تكمن كما يتوهمون ، في الأزمات الاجتماعية التي تنهش المدينة وتستنزف ما تبقّى لها من إمكاناتٍ وموارد بشرية واقتصادية وتراثية ، بل تكمن في وجود عدو خارجي يتربص بهم ، ويريد الفتك بهم، ولذلك فهو يحيك لهم المكائد والمؤامرات في الغرف المظلمة ، تمهيداً للإجهاز عليهم . ولذلك فإن المطلوب منهم في هذه اللحظة المفصلية في حاضرهم ومستقبلهم ، هو ان يمتّنوا صفّهم الداخلي في وجه هذا العدو الغاشم، وان يضعوا بين قوسين ، بؤسهم ومأساتهم وإحباطهم وتهميشهم وضياع حقوقهم امام أعينهم ، لمصلحة قريةٍ صغيرة مجاورة يطمح نائبها في ان يكون رئيساً للجمهورية ، وان ينتخبوا هذا المرشح او ذاك ، هذه اللائحة او تلك ، كي يفوّتوا على هذا العدو اللئيم فرصة النيل منهم .

إقرأ أيضاً: من هم المرشحون للانتخابات الفرعية في طرابلس 2019؟

والواقع أنه بعد عدة إستحقاقاتٍ نيابية اجترّت نفس الشعارات والوعود التنموية والنهضوية والتوظيفية التي لم يتحقق منها أي شيء على الاطلاق ، اكتشف أهل طرابلس أن عدوهم الحقيقي المتربص بهم ، والذي يستحق المقاومة الفعلية ، ليس محوراً أو حزباً  يتوحدون في كل استحقاق ، ليتغدّوا به قبل ان يتعشى بهم ، أو ليقطعوا الطريق على مؤامراته الدنيئة التي تهدف الى ابتلاعهم ، بل هو عدو سكن بين ظهرانيهم منذ عقود ، عدو فتك بهم وأذلّهم واستباحهم وأهان كراماتهم بالفعل ، إنه الفقر والحرمان الذي وصلت نسبته الى 80% في بعض الأحياء . اكتشفوا ان الشعارات الانتخابية الزائفة القائمة على التهويل وشدّ العصب ، لم تطعمهم خبزاً ، ولم تفتح لهم مصنعاً ، ولم تسترد لهم حقاً ، ولم توجد لهم فرصة عمل ، بل كل ما فعلته ، هي انها رمت أبناءهم في السجون ، واعادت مطلقيها الى مواقعهم مع لقب ” مرجعية” و “سعادة” و ” معالي” ، وأعطتهم رخصة شرعية للتمادي في قهر المدينة .

أجل لقد سمعوا الكثير من الجعجعة عن تنميةٍ ونهوض ومشاريع قادمة ، ولكنهم لم يروا طحيناً ، لأن نار الخطابات الانتخابية الحماسية كانت تنطفىء بعد لحظات من إعلان نتائج الصناديق الانتخابية . والدليل على هذا المنهجية المتّبعة في العمل السياسي والانتخابي ، معرفتهم بعد سنوات من الإنتظار ، أنّ المنطقه الاقتصادية الموعودة ، هي مجرد كومةٍ من التراب محاطة بجبلين من النفايات ومسلخ ومحطةٍ لتكرير المياه الآسنة ، ما يجعل تشغيلها ضرباً من الوهم ؛ وأنّ معرض رشيد كرامي الدولي الخاوي على منشآت آيلة للسقوط ، قد سُلبت حصريتُه دون أدنى مقاومة ؛ وانّ الشركات الصينية التي كان من المفترض ان تنعش اقتصاد المدينة ، قد هاجرت في غفلة من رقدة ساسة طرابلس ، كي تستوطن في منطقة البقاع حيث تمّ تأمين ظروف مناسِبة لعملها ؛ وأنّ المشاريع القليلة التي تُرصد للمدينة ، لا تُنفذ وتظل حبراً على ورق ، وهي إن نُفذّت بعد مرورها بقنوات المحاصصات والسمسرات ، فهي تُنفذ بأسوأ المعايير والشروط ، ولا من حسيب ولا من رقيب .

الرأي العام خارج طرابلس، يعتقد انّ موجة الإعتراض العارمة على إعادة إنتخاب “ديما جمالي” ، هي بسبب سوء أدائها وعفويتها وكثرة اخطائها وزلاتها وضعف إمكاناتها التواصلية واللغوية وإفتقادها أدوات العمل السياسي ، ولكن الحقيقة ليست كذلك ، لأن “جمالي” ليست أسوأ من غيرها من النواب الذين سرقوا اصوات الناس ، وغابوا عن السمع والبصر بعد فوزهم ، رغم ان صورهم ما زالت معلقة وتشوّه جدران المدينة واعمدتها . وكل مَن يسأل ماذا فعلت “جمالي” على مدى تسعة أشهر من نيابتها ، يعرف في قرارة نفسه ، أنّ نوّاب المدينة وقياداتها وشخصياتها السياسية لم يفعلوا شيئاً على مدى تسع سنين ، وهم لن يفعلوا شيئاً بعد تسعين سنة . ما يعني أن “جمالي” التي كُتب عليها ان تخوض معركتين إنتخابيتين في أقلّ من سنة واحدة ، تتلقى الاتهامات والصفعات وسهام الإنتقادات بالنيابة عن ساسة المدينة مجتمعين . فهي ليست مجرد مرشّحة لملء مقعد نيابي ، إنها تجسيد لكل الفشل والعجز وسياسة التطنيش التي مارسها التيار الازرق والبنفسجي وكل الألوان السياسيه الأخرى تجاه طرابلس .
النقمة على مرشّحة السلطة، هي نقمة عليهم . رجمها هو رجم لهم . الإعتراض على إعادة ترشيحها ، هو إعتراض على تخاذلهم وتقاعسهم . إنها مجرد “واجهة” هشّة يستسهل البعض قذفها بالحجارة ، أو مجرد “صندوق بريد” يرسل من خلاله أبناء المدينة الغاضبون الذين يشعرون بالنفي والإغتراب داخل وطنهم ، رسالةً الى القيمين على المدينة ورؤوساء الكتل النيابية فيها ، مفادها أننا قرفنا من فشلكم وعجزكم وشعاراتكم وبازاراتكم السياسية وتجارتكم بهواجسنا وضعفنا ؛ وسئمنا من تعاملكم معنا على أننا مجرد ارقام في صناديق الإقتراع . إنّ كذبة خصوماتكم الظرفية وتحالفاتكم البراغماتية ووحدة صفّكم المكيافيللية ، ما عادت تنطلي علينا . فأنتم تحددون حجم ضراوة معارككم الإنتخابية أو سلميّتها ، بالإستناد الى الوضع الراهن لمصالحكم الخاصة : هل هي مهددة أو محفوظة . وهكذا ، تارةً تكون المعركة مصيريةً تفصل بين الحق والباطل ، الخير والشرّ ، وتهدف الى تكريس “مرجعية” استولى عليها الآخرون الآتون من خارج المدينة ، وعلى نتائجها  يتحدد مستقبل المدينة : عماراً أو خراباً ، نهوضاً أو ركوداً ، إستقلالاً او استتباعاً . وطوراً تكون المعركة هامشيةً ولا يؤثر فيها ” نائب بالزائد أو نائب بالناقص” ، ولا تستأهل الخصومة والشرذمة وشقّ الصف الواحد ، وبالتالي ما على “الصغار” سوى الإحتكام الى “الوعي” بالأوضاع الخطيرة والقبول بالتسويات والاتفاقات الفوقية التي أجراها “الكبار” دون إستشارتهم أو الرجوع اليهم .

إقرأ أيضاً: ذات الرداء الأحمر.. مرشحة لبنان عن «طرابلس الغرب»!

مع بدء العدّ العكسي لموعد حصول المعركة الانتخابية في طرابلس ، فإن أهل المدينة يقولون لكل القوى السياسية المتحالفة : إختلفوا واتفقوا ، تخاصموا وتصالحوا ، شقّوا الصفوف أو وحِّدوها ، أعلنوها معركةً أو هدنةً، إفعلوا ما شئتم لتأبيد مواقعكم وتكريس مرجعياتكم على مدينةٍ أنتم لا تمثلون ، بكل عدٌتكم وعتادكم وأموالكم ونفوذكم وإعلامكم وكراتين إعاشاتكم ، أكثر من 30 في المئة من أبنائها ، ولكن إياكم ان تحاولوا استغباءنا أو استحمارنا أو التهويل علينا بوجود عدو خارجي طامع فينا أو هاجم علينا ، لأن جرائمكم المرتكبة بحق المدينة، قد قطعت الطريق أمام أي عدو طامع فينا . فأيّ عدو غبي ذلك الذي يطمع بمدينةٍ تنازع وتُحتضر وتقاوم الفقر والتهميش باللحم الحي ؟! وأيّ عدو خارجي غبي ذلك الذي يضع الخطط ويحيك المؤامرات لإسقاط مدينة قد سقطت بالفعل ، بأيدي أعدائها المحليين الذين يهتمون دوماً بنسبة الإقتراع ، ولكنهم لم يهتموا يوماً بنسبة الفقر والحرمان ؟!
كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟! الجواب : حوّلناهم الى أرقام في صناديق الإقتراع، وبنينا عليها أمجاداً باطلة وزعاماتٍ ورقيّة ومرجعياتٍ صنميّة من أبرز صفاتها أنها لا ترى ، لا تسمع، ولا تشعر بوجع وقهر مَن صنعها .

السابق
ذات الرداء الأحمر.. مرشحة لبنان عن «طرابلس الغرب»!
التالي
لا للسطو على «taxi» المطار