أمين المقاومة والشيطان الأكبر

تكرر في رد أمين المقاومة على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي البيروتية .. تكرر ورود عبارة: "الشيطان الأكبر" في توصيفه للولايات المتحدة الأمريكية التي قامت في حساباتها الخاصة بتصفية القضية الفلسطينية بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة وقامت بتصفية القضية السورية باعترافها بسيادة العدو الإسرائيلي على هضبة الجولان المحتلة!

مجموعة من القضايا الجدلية التي أثارها الوزير الاميركي مايك بومبيو في تصريحاته أثناء لقاءاته بالمسؤولين اللبنانيين، ما دفع أمين المقاومة وبقوة ليؤكد توصيف الولايات المتحدة الأمريكية بالشيطان الأكبر في الرد الأخير..

وبغض النظر عن دقة هذا الوصف ذلك أن الصهيونية العالمية هي المؤثر الأول في القرار السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي الأمريكي وحتى هي المؤثر الأكبر في الثقافة والاجتماع في أمريكا والكثير من دول العالم..

فلو أردنا تحرِّي الدقة فمن باب أولى أن نوصِّف الصهيونية العالمية بالشيطان الأكبر وليس الولايات المتحدة الأمريكية وكما كان يقول المفكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين: “الصهيونية عدوة اليهودية والمسيحية والإسلام”.. وبغض النظر عن عدم دقة التعبير في خطاب أمين المقاومة فإننا نلحظ وبوضوح التناقض الأيديولوجي في كلامه بين النظرية والتطبيق. فهو اليوم يقول: “أمريكا الشيطان الأكبر” مكرراً العبارة في خطابه أكثر من مرة، وبالأمس في دعوته وخطابه لجمع التبرعات لهيئة دعم المقاومة يقوم بتقريش ما جمعه من التبرعات في إحدى المناطق في أيام معدودة بالدولار الأمريكي!

اقرأ أيضاً: بين تقوى أمين المقاومة وتقوى فريقه السياسي

فهل يمكن الاستغناء عن الاقتصاد الأمريكي في العالم في المرحلة الراهنة؟ وهل يمكن ترك كل الصناعات الأمريكية من دوائية وعلاجية وما شاكل.. وكل الزراعات الأمريكية من قمح وما شاكل؟ وهل يمكن الاستغناء عن كل التقنيات الأمريكية من انترنيت ووسائل تواصل وما شاكل؟ وهل يجوز نعت كل الأمريكيين بالشيطان الأكبر وفيهم العلماء والمخترعون والمكتشفون الذين رفدوا الإنسانية بعطاءات ساهمت في تخفيف آلآم البشر وتسهيل نُظُم الحياة؟ وهل يجوز تجاهل شريحة كبيرة من أفراد وجماعات من الشعب الأمريكي تتسم بالتعاطف الجيَّاش مع القضايا العربية والإسلامية المحقة؟ ألا يؤذي تعميم توصيف أمريكا بالشيطان الأكبر مشاعر هذه الفئة من الأمريكيين الذين ينبغي إظهار الحب لهم لكسب تعاطفهم مع القضايا الإسلامية أكثر بما لهم من تأثير على السياسات الداخلية والخارجية في أمريكا في إطار جماعات الضغط المتنوعة التي لها ما لها من التأثير على قرارات الإدارة الأمريكية مستفيدة من الديمقراطية المعتمدة في سياسة الولايات والمحترمة لرأي الشعب الأمريكي حيث أن القانون والدستور الأمريكي يعتبر الشعب هو المصدر للسلطات…

هذا النهج في الطرح الفكري والدبلوماسي والسياسي والإستراتيجي في التعاطي مع الأمريكيين هو تماماً ما كان يفعله الرئيس الإيراني الأسبق الدكتور السيد محمد خاتمي عندما فتح حواراً مباشراً مع الشعب الأمريكي في إطار حوار الحضارات والثقافات الأمر الذي استغلته واستفادت منه إيران لصالح قضاياها المحقة وانتهى برفع بعض العقوبات الاقتصادية في مرحلة ما تمهيداً لرفعها بالكلية تزامناً مع الاتفاق النووي في مرحلة لاحقة؟ ونحن لا ننسى كيل الاتهامات الذي وجهه قاصرو النظر للخاتمية السياسية وإن كانوا قد جنوا ثماره فيما بعد..

اقرأ أيضاً: ماذا وراء تَفَاقُر أمين المقاومة في المرحلة الراهنة ؟

فلماذا لا يكون طرح أمين المقاومة منسجماً مع الواقع وبهذا المستوى من بُعد النظر؟ وهل تضر التهدئة في الطرح مع الشعب الأمريكي وجماعات الضغط هناك بمصالح الأمة ومستقبل شعب المقاومة أم لا بد أن يبقى الغليان هو سيد الموقف؟ ولماذا لا نُٰحسن اللعبة السياسية تماماً كما نُحسن القتال وحمل السلاح؟ ألا يمكن لذلك أن يزيد مشروعنا قوة في مواجهة أهداف إسرائيل التوسعية وأطماعها في أرض لبنان ومياهه ونفطه وغازه وثرواته الطبيعية؟ لماذا لا يتصرف مفكرو فريق أمين المقاومة السياسي بحكمة في خطابهم السياسي مع الأمريكيين ويقلعوا عن لغة الشيطان الأكبر الرجعية؟ لماذا لا يتحلُّون بالحنكة في الرد تماماً كما فعلت الدبلوماسية الرسمية اللبنانية في ردها على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي؟

السابق
«الثنائي الشيعي والشيعي الثالث».. أعيش مأساة وغربة في بلادي
التالي
اللبناني وإعلان كارلوس غصن