الوزير بطيش يجاهر بحقيقة حال الاقتصاد اللبناني

منصور بطيش

غرّد وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش خارج سرب وزراء الحكومة الحالية، وربما الحكومات المتعاقبة، ووضع إصبعه على جرح الاقتصاد، من الأزمات إلى التهويل إلى سوء الإدارة، وأكثر من ذلك. تناول بطيش في مؤتمر صحافي السياسة النقدية المعتمدة في لبنان، وتناول بشكل مباشر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، منتقداً الهندسات المالية التي يعتمدها مصرف لبنان.
انتقد بطيش المسؤولين، بسبب تعميم أجواء عن واقع اقتصادي صعب، إلا أنه لم ينكر وجود حلول وقال: “إننا امام تحديات وطنية صعبة. وهذه المرة لها طابع اقتصادي. لكنني واثق بقدرتنا على تجاوزها”، فالبلد يضج بالكلام عن الوضع الاقتصادي الصعب. والناس يتناقلون كلاماً عن انهيار مرتقب. ويتساءلون فقط عن توقيته! وبعض المسؤولين يسهمون بتعميم مثل هذه الأجواء (…) صحيح أن واقعنا الاقتصادي صعب، وإجمالي الدين العام يقارب 87 مليار دولار، وخدمة الدين وحدها قد تتجاوز الـ 6.5 مليارات. ولن أستفيض بالكلام عن عجزنا المالي أو التجاري، أو العجز في الحساب الجاري وميزان المدفوعات. وكلها أرقام غير مطمئنة لكنني، وبصدق وشفافية، واستنادا إلى الأرقام نفسها، وإلى المعرفة بإمكانيات البلد، أؤكد أن الحلول ممكنة، وليس هناك ما يستدعي هذا التهويل وبث السلبية بين الناس”.

اقرأ أيضاً: التسنيد في مواجهة المجهول بفعل «التشريع» الوزاري

توجهات خاطئة
ولم يخفِ بطيش سبب الأزمة الاقتصادية، معتبراً أن واقع الاقتصاد اللبناني ناتج عن اختلالات بنيوية وتوجهات خاطئة، تراكمت منذ أكثر من ربع قرن. بالتالي، ثبت فشل النموذج المعتمد طوال هذه السنوات، بتفاقم عجز الخزينة وتزايد الدين العام، وتراكم الصافي السلبي في الحسابات الخارجية. لذا، ما عاد يكفي الاقتراض من الخارج، ولا ينفع الترقيع ولا التذاكي بخلاص فردي أو حزبي أو ثنائيات من هنا وهناك، على حساب مصالح الناس والبلد. تماماً كما ما عادت تنفع محاولات تسجيل النقاط، أو تطويب انتصارات لفريق أو جهة أو حزب. جميعنا في مركب واحد، كما ورد في البيان الوزاري. لا يشفع لبعضنا وجودهم للمرة الأولى في السلطة، طالما الحكم استمرارية: “كلن يعني كلن”! هكذا يعمم الناس مواقفهم. وإنني وإن كنت أتحفظ على التعميم في المطلق، إلا أنني أتفهم تماما مواقف الناس الناقمة والقلقة على مستقبلها ومستقبل أبنائها.

انتقاد سلامة
وتوقف بطيش عند هواجس حاكم مصرف لبنان، مذكّراً بأن القانون حدد كيفية التعبير عن هذه الهواجس والتعامل معها، وقال: لقد اعتبر حاكم مصرف لبنان إن العجز المالي هو مصدر كل العلل، ودعا إلى تقليص حجم القطاع العام، كشرط وحيد لضبط هذا العجز، مشيراً إلى أن “حجم القطاع العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 17 في المئة قبل الحرب إلى 35 في المئة اليوم. لذا طالبت أن يقدم لنا حاكم مصرف لبنان دراسة تبين الواقع. وأعتقد أنه التبس عليه بين مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الإجمالي، وبين نسبة الإنفاق العام إلى هذا الناتج. وهما أمران مختلفان، إذ أن مدفوعات الفائدة وحدها استأثرت بأكثر من ثلث الإنفاق العام بين عامي 1993 و2018 (أكثر من ربع قرن). وبالتالي، لا يعبر الإنفاق العام عن مساهمة القطاع العام أو حصته في الاقتصاد. ولكن، على الرغم من هذه الملاحظة الأساسية، التي تتعلق بفهمنا للقطاع العام، ودوره وحجمه والحاجة إليه، فإننا لا نختلف على أن “نسبة العجز المالي مرتفعة قياساً إلى حجم الاقتصاد اللبناني”، ولا بد من إجراءات سريعة لتخفيض هذه النسبة والحد من تنامي العجز والمديونية.

وسأل: هل هي مشكلة قطاع عام فقط؟ ألا يفترض إعادة النظر بالإدارة المالية والنقدية للدولة وتوضيح سياستها؟ وقال: “تنص المادة 117 من قانون النقد والتسليف على أن “حاكم المصرف يقدم لوزير المالية قبل 30 حزيران من كل سنة الميزانية، وحساب الأرباح والخسائر على السنة المنتهية، وتقريرا عن عمليات المصرف خلالها. وينشر الميزانية والتقرير في الجريدة الرسمية خلال الشهر الذي يلي تقديمها لوزير المالية”. إن الهدف من هذه المادة هو مراقبة عمليات مصرف لبنان واعتماد الشفافية في الإفصاح عنها. ولكننا إلى الآن لم نطلع على تقرير شامل، يوضح العمليات التي يقوم بها مصرف لبنان، تحت عنوان “الهندسة المالية”. ما هي هذه العمليات؟ ولماذا تجري؟ وكم تبلغ كلفتها؟ وهل نجحت بتحقيق أهدافها؟ وما هو أثرها على الاقتصاد والمالية العامة؟ إن سياسة رفع أسعار الفائدة والهندسات المالية هي من الأسباب البارزة لرفع كلفة تمويل الدولة والاقتصاد، وبالتالي لا يمكن تصور إصلاح جدي للمالية العامة، لا يتضمن إصلاحا موازياً للسياسة النقدية، وكذلك إصلاحاً لسياسات الدعم والحوافز، لجعلها أكثر استجابة للنهوض بالإنتاج والخدمات ذات القيمة المضافة العالية”.

مقترحات عاجلة
وقدّم بطيش مقترحات لإجراءات عاجلة أبرزها:
– مكافحة التهرب الضريبي وتحسين الجباية، سواء لجهة من يصرحون جزئيا أو المكتومين. وهناك اقتراحات عملية في هذا المجال، فحجم التهرب الضريبي في لبنان يوازي تقريبا عجز الكهرباء، ويطال ضرائب على الدخل والأملاك المبنية والرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة”.

– إحداث صدمة إيجابية بما يمكن أن نسميه “تحسين إدارة الدين العام” ترمي إلى تخفيض كلفته، بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان، استنادا إلى المواد 70، 71 و72 من قانون النقد والتسليف، مع الإشارة إلى أن تخفيض 1 في المئة من معدل الفائدة، يؤدي إلى خفض الإنفاق العام بحوالى 900 مليون دولار للعام الحالي. وهناك أفكار عدة لإجراء مثل هذا التخفيض، سبق وتداولنا بها مع وزير المالية وحاكم مصرف لبنان ووافقا عليها. وفي هذا السياق، علينا إعادة النظر بالسياسات والأدوات التي يستعملها مصرف لبنان، مع الالتزام التام بسياسة استقرار أسعار الصرف ولجم التضخم”.

– إعادة النظر بالقروض المدعومة وبآلياتها المعتمدة. فليس مقبولا أن يتم استغلال بعض هذه القروض بعيداً عن “روحيتها” من جهة، وبعيداً عن أهدافها الاقتصادية المحددة من جهة ثانية. فقيمة القروض المدعومة تبلغ 15 مليار دولار للسكن ولقطاعات الانتاج، ناهيك عن حوافز إيدال. وبالتالي يجب أن تذهب القروض لمستحقيها فقط من ذوي الدخل المحدود، كما للنشاطات الإنتاجية المولدة لفرص العمل للبنانيين، والتي تخلق قيمة مضافة عالية في الاقتصاد. لا يجوز أن يبقى الدعم مشتتاً واستنسابياً، ولا يجوز أيضا أن يبقى من الأسرار، خلافا للأصول التي ينص عليها قانون المحاسبة العمومية.

– التركيز على زيادة الإنتاج والتصدير والتخفيف من الإستيراد. هذا يتطلب قرارات جريئة وتشريعات مسؤولة. والتنسيق قائم بيني وبين وزير الصناعة في هذا المجال”.

مشاريع قوانين
ولكي نضع المالية العامة على مسار إصلاحي مستدام، اقترح بطيش دراسة ثلاثة مشاريع قوانين هي:

– مشروع قانون لإصلاح النظام الضريبي، لجعله أكثر كفاءة وعدالة. وفي هذا الإطار، يجب درس إمكانية اعتماد وعاء ضريبي موحد.

– مشروع قانون يعيد النظر بهيكلية الدولة، بعد دراسة الحاجات، فيتم إلغاء المؤسسات والمجالس والصناديق والهيئات التي لا حاجة إليها.

– مشروع قانون حديث، ينظم الإعفاءات والحوافز والرعاية المطلوبة للقطاعات الإنتاجية، ويساهم في تنمية المناطق، وزيادة الإنتاج والتصدير. ويتشدد في تغريم كل ضرر يطال البيئة أو تعد على الأملاك العامة والموارد الطبيعية والتاريخية.

السابق
وزارة الأشغال باشرت صيانة وتأهيل طريق عام حبوش
التالي
هل السقف المالي هو المسؤول عن سوء إدارة مستشفى صيدا الحكومي؟