عندما أطفأ ظريف ابتسامته

منى فياض

عندما وضعت “ابتسامة ظريف” على محرك غوغل، ظهرت على الفور مئات آلاف النتائج؛ مع صور لا تحصى تلتقط العشرات، وربما المئات، من تنويعات ابتساماته وضحكاته المتنوعة حتى القهقهة. ربما هو الدبلوماسي الذي يملك أكبر عدد من الصور لوجهه الضاحك. لم يسبقه على محرك البحث سوى ترامب.

ظريف لا يبتسم أو يضحك بسبب طبيعته الضاحكةـ وهي ربما تكون كذلك. بل لأنه على الأرجح، يستخدم الابتسامة كسلاح من ضمن الأسلحة المتنوعة التي اشتهر بها الإيرانيون… وقد يكون هذا أحد منطلقات المثل الشعبي الذي يقول إن “الإيرانيين يذبحون بالقطن”.

ففي كتاب ظريف “السيد السفير” الصادر عام 2013 يكتب حرفيا: “في الدبلوماسية عليك أن تبتسم دائما، ولكن عليك أن لا تنسى أبدا أنك تتحدث مع عدوّ”.

وإيران الإسلامية، كعادتها في ازدواجيتها الموروثة عن سياسات سلفها الاتحاد السوفياتي، لها وجهان: وجه دبلوماسي مبتسم يمثل الدولة، ويجسده ظريف. وآخر متجهم قاتم ودموي، يمثل الثورة والحرس الثوري، يجسده سليماني.

اقرأ أيضاً: إيران والجزائر وفنزويلا… المتشابهات والمتناقضات

يعمل كل وجه في حقله. يتبادلان الأدوار ويتنافسان بشكل غير متعادل، فالغلبة كانت لسليماني بالطبع؛ إلى أن طفح الكيل بالوزير الظريف. عندها عبر عن نفاد مخزونه من الابتسامات التي استهلكها وجه إيران الثوروي. فأطفأ ابتسامته وقدم استقالته، تاركا الميدان لسليماني. فظريف يعتبر من قبل المتشددين في إيران، بسبب انسجامه الظاهري مع الأساليب الغربية، شخصية إشكالية مثيرة للانقسام. وطالما كال له المتشددون الانتقادات لأنه يتحدث بشكل مباشر مع أعداء إيران.

لكن بما أن الثورة تمر بوقت عصيب، فهي بأشد الحاجة إلى صورتها كدولة؛ فعملت على استرجاعه سريعا.

إنهما الثنائي الذي لن يستغني عنه الولي الفقيه في المدى القريب. فلسان حاله ما جاء على لسان آل كابون في فيلم العراب: يمكنك أن تذهب بعيدا برفقة الابتسامة، ويمكنك الذهاب أبعد من ذلك برفقة ابتسامتك وسلاحك.

لا نجد توسعا كبيرا في معنى الابتسامة في اللغة العربية. ففي “لسان العرب”، بسم: يَبسم، بسما، وابتسم وتبسّم: وهو أقل الضحك وأحسنه، قال الإمام الزجّاج: التبسم تستخدم أكثر للأنبياء، وكأن الضحك يدل إلى عدم الجدية. وأيضا: “ابتسم السحاب”: انكلّ عنه، بمعنى الإفراج عن الشيء. وهذا المعنى الأكثر شيوعا. فالابتسامة على ما ذهبت الأم تيريزا هي افتتاحية للسلام. بمعنى أنها وسيلة تواصل، وانفراج على الآخر، أي الانفتاح، الجهوزية، والاستعداد الطيب للتعامل معه.

الابتسامة إذن تعبّر عن قابليتنا الاجتماعية للتواصل، وهي بمثابة إشارة تهدئة للآخر، ومن مؤشرات الاستعداد للتواصل مع الآخرين، ولإظهار حسن النية. وكأنه يقول “لا نملك أي عدوانية تجاهك”.

من هنا يعتقد العديد من البيولوجيين أن الابتسامة بدأت كعلامة خوف. بعض الأبحاث استطاعت أن تقتفي تاريخ الابتسامة إلى ثلاثين مليون سنة من ثورة تطور الكائنات، فرصدت “ابتسامة خوف” انبثقت من القرود الذين يستخدمون غالبا الأسنان المرصوصة (أي التي لن تعض) لكي يظهروا أنهم غير قادرين على الأذى. وعلى كل حال يقوم التنظير الإيراني على أن هجومهم على الساحات العربية هو للدفاع عن النفس ليس إلا! وكل الحق على صدام!

لكن ابتسامات ظريف نادرا ما اعتبرت كمفتاح للسلم من قبل الجمهور العربي؛ اللهم إلا جمهور الممانعة الذي يذوب رقة وحنانا وإعجابا أمام سحره وسحر ابتساماته الظريفة، فيتلقى من الغزل أكثر مما يلقاه غنج حسناء.

وهو لا يلقى الترحيب، إلا من جمهوره الممانع، لكن أيضا من محاوراته الغربيات المسحورات بابتساماته واللواتي كان بعضهن يستلهم الأزياء الإيرانية ليخيط الملابس المحتشمة خصيصا من أجل الاجتماعات وعند زيارتهن إيران؛ على غرار رئيس الوزراء الإيطالي الذي غطى التماثيل الرومانية العارية عام 2016 كرمى لعيون الرئيس الإيراني حسن روحاني، كي لا تنخدش مشاعره التقية خلال زيارته لروما. لا شك أن الإيرانيات ضحكن كثيرا في عبهن على هذين النفاق والمداهنة.

لسان حال الجمهور العربي كان على حد قول أحدهم: يمكنك أن تبتسم لفترة طويلة، بعد ذلك ستكون مجرد أسنان. سبق لغريتا غاربو أن لاحظت بذكاء: أي شخص يمتلك ابتسامة دائمة على وجهه يخفي بداخله صلابة تكون مخيفة في بعض الأحيان.

ظريف يعي جيدا أن ابتساماته ليست سعادة ولا حبورا ولا حسن نية؛ ولكنها تعني أنه يعتبر نفسه أقوى من العديد من الأشخاص وينوي الاستفادة من سحره الفطري والمشغول في آن معا.

كتب مرة أحدهم: “لا شيء يشبه ابتسامة المنتصر، فما بالك بابتسامة ظريف إيران وهو يوقع اتفاقه النووي مع موغريني في أرض الموسيقى، وذلك بعد عقد ونيف من ظلم لحق بشعبه ووطنه؟!”.

خسارة، عكّر دونالد ترامب، منافس ظريف الأكبر على محرك غوغل، صفو هذه الفرحة بحيث صار يمكن القول الآن: أنا أنبهر بالابتسامة التي تظهر على وجهك، والقلق والحزن الذي بعينيك”.

ربما صار بإمكانه الاستفادة من ثقافة “أعدقائه” الروس الذين لا يكتفون بعدم الإكثار من الابتسام بل وينظّرون له. فلقد أفرد موقع روسيا اليوم صفحة لمقال بعنوان: “لماذا لا يبتسم الروس؟ “. واعتبر المقال أن الروس لا يبتسمون إلا عندما يعنون ذلك. في إشارة ضمنية إلى أن الغرب مداهن. وبحسب كاتب المقال، قد نستنتج أن الروس هم من أورثونا المثل القائل:” الضحك من دون سبب من قلة الأدب”. فهم لا تراهم يبتسمون في الصور حتى وإن طلب منهم المصور الابتسام. مع ذلك يقول إن عدم ابتسام الروس لا يعني أنهم شعب غير سعيد، لكنهم شعب لا يملك مهارة الابتسامة دون سبب إذ يشعرون بأنهم غير ملزمين بذلك.

ويرى الطبيب النفسي في أكاديمية العلوم البولندية Kuba Krys أن الابتسامة في بعض البلدان ليست علامة دفء أو احترام بل إنها دليل على أنك أحمق. وفي بلدان مثل الهند أو الأرجنتين أو جزر المالديف ترتبط الابتسامة بخيانة الأمانة. وتابع أن “الفساد على المستوى المجتمعي قد يضعف معنى إشارات مهمة مثل الابتسامة”.

وبالإذن من كل من روحاني وأصدقائنا الروس، يبقى أن الابتسامة جواز سفر إلى القلوب عندما تكون من القلب غير مشوبة بصفرة الحقد والغلبة أو النيّة العدائية.

لكن، ومما لا شك فيه، أنك إن ابتسمت عندما تكون وحيدا، عندها فأنت تعني تلك الابتسامة فعلا؛ كابتسامة الطفل في وجه أمه.

السابق
الأحمد ينفي كل ما نشر حول اللقاء مع نبيه بري
التالي
فادي كرم: ما نشهده من ضغوطات هو لنيل مكاسب على حساب الهدنة الرئاسية