امتعاض روسي من الاسد والايرانيين: يحاولون تناسي دور موسكو ويديرون ظهورهم لتوصياتها بالتسوية

أدى تصريح دونالد ترامب حول هزيمة الدولة الإسلامية وخطط واشنطن لسحب قواتها المسلحة من سورية في نهاية العام 2018، إلى فتح شهية قوى إقليمية مؤثرة في الميدان السوري للتنافس على الإستيلاء على المناطق التي سوف تنسحب منها القوات الأميركية.

رجب طيب أردوغان، أحد أفرقاء القوى الإقليمية المشار إليها،لم يخف نيته في تنفيذ عملية عسكرية عقابية من أجل هزيمة الميليشيا الكردية التابعة للحزب الديموقراطي الكردستاني وقوات ((قسد)) المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، والسيطرة بالتالي على المناطق الشمالية الشرقية في سورية. القيادة التركية تخطط فعلياً لتحل محل الأميركيين في محافظتي الرقة والحسكة، من أجل إنشاء سلطات موالية لها في هذه المناطق وكذلك في شمال غرب سورية ((أدلب وحلب))، ونشر القوات الحليفة لها ((الجيش الحر والتركمان)) على طول الحدود التركية السورية والبالغة 900كم. إذا ما قيض لخطة أردوغان هذه أن تبصر النور، فإن تركيا ستنجح بإنشاء قاعدة واسعة مؤيدة لها في شمال سورية، ما يمكنها من نقل معظم مخيمات اللاجئين السوريين من أراضيها إلى الأراضي السورية أي إلى المنطقة العازلة التي تخطط أنقرة إلى لإنشائها.

ولا يخفى أن دمشق وطهران تنددان بهذه الخطط التركية وتدعوان إلى مواجهتها، وكذلك برزت ردود الفعل السلبية على ذلك من كل القوى العالمية الناشطة في الميدان السوري التي وجهت تحذيرات لأردوغان من عواقب جدية لأي مغامرات يقدم عليها في شمال شرق سورية تحديداً. هذه الأجواء اضطرت الرئيس الأميركي إلى الإعلان، بأن التواريخ النهائية لانسحاب القوات الأميركية من سورية لم يتم تحديدها بعد، وأن المستشارين الأميركيين سيواصلون تدريب 40000 جندي من التحالف الديموقراطي من الأكراد وبعض القبائل العربية المحلية. وفي عرض أخير لها، اقترحت واشنطن لحلفائها الغربيين ((بريطانيا، فرنسا وألمانيا)) زيادة وجودهم العسكري في شمال شرق سورية، وأكدت لهم أن ما لا يقل عن 200 جندي أميركي سيبقون كمراقبين بعد انسحاب قوات الجيش والقوات الأميركية الخاصة.

اقرأ أيضاً: هل يصالح الأخضر الجزائريين مع الجزائر…

في الوقت نفسه، فتحت واشنطن مفاوضات مباشرة مع أنقرة من أجل البحث في خطة لسيطرة مشتركة على المناطق الحدودية بين سورية وتركيا. وفي هذا المجال أيدت واشنطن من حيث المبدأ مطلب أنقرة في إنشاء ما يسمى ((المنطقة العازلة)) في الأراضي السورية بعمق 30-35كم حيث لن تتواجد مفارز كردية، وإنما كما عرض الأميركيون سيتولى ذلك مراقبون غربيون بالإضافة إلى مجموعات من المليشيات العربية السنية أو الكردية التي تدربت من بين اللاجئين السوريين في كردستان العراق. هذه الاقتراحات الأميركية ما تزال قيد الدرس من قبل الجانب التركي ولم تتحول بعد إلى اتفاق بين الفريقين.

وحسب مصدر روسي مطلع جداً، فإن القيادة الروسية لم ولن توافق على تطلعات تركيا العدوانية في استهداف شمال سورية، وانها اقترحت على أنقرة ان تفسح المجال لسيطرة القوات السورية النظامية على المنطقة التي قد تنسحب منها القوات الأميركية، غير أن أردوغان رفض المقترح الروسي، معللاً موقفه بأن الجيش السوري لا يؤتمن على ضبط الحدود بين البلدين.

من جانب آخر تحضّر طهران ودمشق لملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سورية، وتهيئة لهذا الأمر كانت الزيارة الخاطفة للرئيس الأسد إلى طهران.

وللتذكير، فإن الأسد قام بزيارته الأولى إلى إيران، بعد عام تقريباً على اندلاع الحرب الأهلية في سورية في العام 2011، حيث التقى كبار القادة فيها ((خامنئي وروحاني))، وشارك في المحادثات قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بينما استبعد عنها وزير الخارجية محمد جواد ظريف واستنجد وقتها الأسد بالإيراني عسكرياً بعدما كان على شفير السقوط.

وقد تشير ظروف الزيارة الثانية الشبيهة بالزيارة الأولى حسب المصدر الروسي إلى التخطيط لعمليات عسكرية مشتركة جديدة بين السوريين والايرانيين، في الشمال الغربي والشمال الشرقي لسورية.

ويقول المصدر الروسي تعليقاً على هذا الأمر: ((يبدو أن الأسد ورعاته الإيرانيين باتوا يشعرون بنشوة النصر ليس فقط ضد ((داعش))، وإنما أيضاً ضد قوى المعارضة السورية بمختلف مكوناتها. وفات هؤلأ أو نسوا، سيطرة الدولة الإسلامية لمدة ثلاث سنوات على معظم الأراضي السورية، وأنه كان هناك تهديد حقيقي من سيطرة الإسلاميين المتطرفين على العاصمة دمشق، وأن الأسد وحاشيته ورعاته الإيرانيين إلى جانب حزب الله، كانوا يختبئون في الطوابق السفلية من القصر الرئاسي وفي المناطق ذات الأكثرية العلوية. ومثلهم مثل أردوغان اشتروا منتجات نفطية وسلعاً أخرى من إرعابيي ((داعش)). ويضيف المصدر الروسي قائلاً: ((فقط تدخل قوات الفضاء الروسية والقوات الجوية للتحالف الغربي أدى إلى هزيمة عصابات ((داعش)). ويستطرد بالقول: لكن الآن، الجميع في طهران ودمشق يحاول تناسي ذلك، ويدعي أنه المنتصر على الإرعابيين في سورية)).

المصدر الروسي الذي يعرب عن انزعاج موسكو من سلوك طهران ودمشق،يقول: ((إن أولئك المنتصرين المزيفين على ((داعش))، يديرون ظهورهم لتوصيات موسكو للتسوية السياسية للأزمة السورية، وعلاوة على ذلك فإنهم أي قادة دمشق وطهران، قد خربوا عملياً وبالممارسة المفاوضات في جنيف وأستانا وسوتشي. فعلى ما يبدو أن الأسد وآيات الله لا يرغبون بإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات حرة وعامة على أساسه وتشكيل حكومة ائتلافية بضوء ذلك، وعودة أكثر من 7 ملايين نازح سوري فرّ معظمهم بسبب أعمال الإرعابيين، وأيضاً بسبب القصف الصاروخي والهجمات بالمدفعية من قبل القوات الحكومية)).

يضيف المصدر الروسي قائلاً: ((إن طهران تدفع الأسد بقوة لتبني المعركة العسكرية في منطقة أدلب ونقل القوات الحكومية الى الضفة الشرقية لنهر الفرات. فوفقاً للمستشارين الإيرانيين، إن جميع الذين لم يلقوا السلاح من مقاتلي المعارضة يجب إعلانهم إرعابيين وتدميرهم بشكل كامل إلى جانب بقايا الجماعات الإسلامية المتطرفة. يرفض أردوغان هذا التوجه رفضاً قاطعاً ويحاول الحصول على دعم موسكو من أجل الحفاظ على الجيب الذي يسيطر عليه الجيش الحر في شمال غرب سورية)).

ما يزال الأسد وحلفاؤه الإيرانيون يتعاملون بشكل سلبي مع الميليشيات الكردية. وإن كل محاولات الأكراد للدخول في حوار مع دمشق بتشجيع من موسكو والإتفاق على إجراءات مشتركة في شمال البلاد قد باءت بالفشل، بسبب رفض دمشق التي تعمل مع طهران على كيفية نزع سلاح الميليشيات الكردية وإرسال بقايا القوات الحكومية مع الميليشيات الشيعية الى المناطق الكردية. ليس هذا فحسب، بل تم التجاهل الكامل من قبل دمشق وطهران لاقتراح الاتحاد الروسي حول إقامة نظام فيدرالي في سورية. فبيئة الأسد المدعومة من الإيرانيين لا تتوقف عن التوكيد على التمسك بالنظام المركزي في سورية الموحدة.

وليس بعيداً من الاهتمام بالمسرح السوري، زار رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو موسكو في السابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير الفائت أي بعد أيام قليلة على زيارة الأسد لطهران، حيث نقل نتنياهو مرة أخرى الى القيادة الروسية قلقه من التهديد العسكري المتزايد لإسرائيل من إيران وأذرعها الشيعية في سورية. وليس من طريق الصدفة حسب العديد من المراقبين أن يقترح الطرفان الاسرائيلي والروسي بعد محادثاتهما في موسكو ((إنشاء مجموعة عمل تتعامل مع مسألة انسحاب القوات الأجنبية من سورية)).

ويعلق المرجع الروسي على هذه التطورات قائلاً: ((كل يوم يتضح أكثر فأكثر أن السياسة غير البناءة للقيادة الإيرانية أصبحت تمثل العقبة الأساسية أمام الحل السياسي للصراع في سورية. تفهم طهران أنه من غير المرجح أن يفوز الأسد في حال إجراء انتخابات ديموقراطية حرة في البلاد. فالأغلبية العربية السنية التي تعتمد عليها المعارضة السورية، بدعم من تركيا وجامعة الدول العربية، ستصل عاجلاً أم آجلاً إلى السلطة في دمشق. لذا، فإن آيات الله الإيرانيين مهتمون بمواصلة المواجهة العسكرية أو الحفاظ على موقف ((لا حرب ولا سلام)) في سورية من أجل مواصلة إبقاء الأسد في السلطة كممثل للمجموعات العلوية الحليفة للشيعة. وهكذا ما تزال ((أسدوفسكايا)) سورية تشكل حلقة مهمة في قوس إيران الشيعي في الشرق الأوسط ورأس جسر لآيات الله في القتال ضد إسرائيل .وتجدر الإشارة إلى أن الفيلق الشيعي الموالي لإيران في سورية يبلغ تعداده 80000 مقاتل ((الحرس الثوري الإيراني، حزب الله اللبناني ، ومجموعات من المرتزقة الأفغان والباكستانيين والعراقيين واليمنيين والفلسطينيين)) وهذا لا يشكل فقط تهديداً متزايداً لإسرائيل، بل يمنع السوريين من تقرير مصيرهم بأنفسهم)).

هل سيكون لهذا الامتعاض الروسي من السلوك الإيراني في الميدان السوري تداعيات جوهرية في المشهد السوري في الأسابيع أو الأشهر القادمة ؟؟

السابق
اختتام فعاليات مهرجان لبنان المسرحي الدولي لمونودراما المرأة
التالي
هل هذه هي نهاية العولمة؟