لماذا أعلن نصرالله عن أزمة مالية فيما ما زالت محفظته صامدة؟

احمد عياش

لم تتأخر فرق الجباية التابعة ل”حزب الله” في تنفيذ توجيهات الامين العام السيد حسن نصرالله التي وردت في كلمته الاخيرة ، فأطلقت حملة واسعة في مناطق سيطرة الحزب كي تجمع التبرعات من السكان تحت عنوان دعم المقاومة.
في بداية هذه الحملة، وزع عناصر الحزب الاف الاستمارات على منازل بدءا من الضاحية الجنوبية لبيروت ، تتضمن أسئلة حول التبرعات التي يرغب السكان في تقديمها تمهيدا لترتيب وسائل جمعها في وقت لاحق.وعلمت “النهار” من قاطنين في الضاحية ،إن الاستجابة من المواطنين كانت متفاوتة، وتتراوح بين القبول والتحفظ المبرر بالضائقة المعيشية.
وفي معلومات من اوساط شيعية متابعة ،ان المعطيات العامة لا تفصح عن وجود أزمة مالية يعانيها الحزب بكل ما في الكلمة من معنى.فحتى الان لم تتصاعد الاصوات إعتراضا على شح في السيولة في صفوف المنتمين للحزب بإعتبار ان الحاجات الاساسية لهؤلاء ما زالت متوافرة على الصعد كافة.وما يحكى عن خفض الرواتب بمقدار خمسين في المئة ،لم تظهر آثاره .وما زال رعايا الحزب يمارسون حياتهم كالمعتاد من دون أي تغيير في سلوكياتهم المعيشية.لكن ذلك لا يمنع من رصد ظواهر ركود في الدورة الاقتصادية في “دولة” الحزب تتمثل بتراجع اعمال المؤسسات التجارية فيها بشكل لم يعد خافيا لاسيما ما يتعلق بتراجع حجم المبيعات.

اقرأ أيضاً: روحاني في العراق:حدود النفوذ

وفي معلومات ل”النهار” من مصادر بقاعية، ان “حزب الله” أنهى تعاملاته مع مؤسسة صيدلية كبرى في المنطقة على خلفية تحقيق يتصل بحجم الفاتورة التي يسددها الحزب للمؤسسة جراء تزويد أنصار الحزب بالادوية، وسط إشاعات ان هناك تضخيما في هذه الفاتورة يخفي مكاسب غير مشروعة.وفي موازاة ذلك، تبلّغ عناصر في الحزب ،انه لم يعد بالامكان توفير عمل لكل افراد أسرهم في وقت واحد في مؤسسات الحزب، وبالتالي يجب عليهم السعى وراء وظائف خارج هذه المؤسسات.
على ماذا تنطوي هذه التفاصيل؟ في رأي الاوساط الشيعية ان هناك” قطبة مخفية” في كل الموضوع. إذ ان القدرات المالية التي يتمتع بها الحزب تسمح له بالانفاق لشهور مقبلة إنطلاقا من ان هذه القدرات لا تخضع لتأثيرات مفاجئة كما أوحى بها نصرالله.ففي مراحل سابقة، جاهر الامين العام للحزب بالحديث عن المصاعب التي يجتازها تنظيمه بفعل العقوبات الاميركية ، لكنه حرص في الوقت نفسه على التأكيد على قدرات الحزب على إجتياز هذه المصاعب بفعل موارد لا تخضع للعقوبات وتحديدا في النظام المصرفي.
لماذا دقّ نصرالله جرس الانذار المالي إذا كان لا يزال حزبه بعيدا عن الازمة؟ قد لا يكون هناك من جواب حاسم متوافر حتى الان.لكن غياب هذا الجواب لا يقفل الباب امام التكهنات واهمها في الوقت الراهن ما يتصل بإيران التي تمثل ل”حزب الله” وسائر أذرع الجمهورية الاسلامية في المنطقة “حبل السرّة” لكي تبقى على قيد الحياة.وفي الايام الاخيرة ظهرت مؤشرات غير مسبوقة من طهران تتحدث عن الواقع المالي الجديد للجمهورية .فتحت عنوان “مجلس شورى إيران:على سوريا تسديد ديونها الكبيرة لطهران ويجب إقرارها قانونيا” أورد موقع “روسيا اليوم” الالكتروني في الثامن من الجاري ما صرّح به رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة. فقد نقلت وكالة “إرنا” الإيرانية الرسمية في نسختها باللغة الفارسية عن فلاحت بيشة قوله: “على مدى سنوات من التعاون بين إيران وسوريا خلال الحرب أصبحت على حكومة دمشق ديون كبيرة لإيران، ويجب على حكومتنا إقرار هذه الديون بشكل قانوني مع دمشق”.وتابع البرلماني الإيراني: “خلال اجتماعي مع المسؤولين السوريين، أعلنت كأول مسؤول إيراني أن هذه الديون قانونية ويجب عليهم دفعها”.
ومن سوريا الى العراق، حيث أوردت الوكالة الفارسية “إرنا” في 12 الجاري تحت عنوان “العراق يسدد القسط الاول من ديونه لإيران” ما أعلنه محافظ البنك المركزي الايراني عبد الناصر همتي من ان بغداد سدّدت القسط الاول من ديونها لطهران .واوضح همتي انه التقى نظيره العراقي علي العلاق وبحث معه عددا من القضايا المالية بما فيها تسهيل الشؤون المصرفية لمصدّري السلع و الخدمات الايرانية ،وعمل فروع للمصارف الايرانية في العراق ،واقامة العلاقات المصرفية بين البلدين ،الى جانب ضرورة القبول بضمانات المقاولين الايرانيين بالدينار بدلا من الدولار.و تبلغ قيمة صادرات ايران من الكهرباء و الغاز الي العراق اربعة مليارات دولار من اجمالي صادراتها اليه البالغة 12مليار دولار .
ما يستفاد مما سبق ،ان إيران التي تواجه ضيقا قل نظيره في تاريخها الذي بدأ بعد إستيلاء الامام الخميني على السلطة عام 1979 ، تفتش عن موارد في إنحاء “الهلال الفارسي” الممتد من بحر قزوين الى البحر المتوسط.وإذا كان المعلن من هذا التفتيش انه شمل العراق وسوريا، فهذا لا يعني ان لبنان سيكون بمنأى عنه. وسيكون دور “حزب الله” في هذا المجال في المدى المنظور “الجابي” الذي يوفر عائدات الجباية من هذا الجزء المهم من الهلال.ولمن يريد دليلا حديث العهد ،ما يتصل ببيع الحديد الايراني في لبنان على رغم الملاحظات الجوهرية حول نوعيته، كما أوردت بالامس قناة LBCI .غير موضوع الحديد الايراني بدا أقل أهمية من الرسالة التي بعثت بها مندوبة القناة من طهران وسجلت فيها شهادات حيّة لسكان العاصمة الايرانية خلال وقوفهم في طابور إنتظار للحصول على اللحم المدعوم من الحكومة. وفي هذه الرسالة قال رجل مسنّ للمندوبة انه إنتظر من الرابعة فجرا حتى التاسعة صباحا لكي يحصل بواسطة بطاقة على كيلوغرام من اللحم. أما حصته المقبلة فسيحصل عليها الشهر القادم!
ماذا عسى ان يقول نصرالله غير ما قاله في زمن يجوع فيه الايرانيون؟ في معلومات ل”النهار”، ان “حزب الله” يقوم بعملية إستباقية يحقق من خلالها تقليص النفقات بالتخلص من أعباء غير ضرورية في بيئته، ويساعد في الوقت نفسه مرجعيته الايرانية في توجيه رسالة الى الشعب الايراني انه ليس وحده من يجوع. وفي الوقت نفسه، يبدو ان نصرالله مطمئنا الى ان محفظته المالية ما زالت ممتلئة؟

السابق
14 آذار: ذكرى ثورة الأرز التي حررت لبنان وفككتها الطائفية
التالي
تونس.. معلم يغتصب أكثر من 20 تلميذا وتلميذة