روحاني في العراق:حدود النفوذ

حسن فحص

زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى العراق هي الزيارة الثانية يقوم بها لدولة عربية بعد الجولة التي قام بها في شهر شباط فبراير 2017 الى سلطنة عمان ودولة الكويت.

الزيارة الاولى لعمان والكويت، كانت تهدف الى توجيه رسائل ايرانية اقليمية استعدادا لمواجهة التحديات التي قد تفرضها تداعيات الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي والعودة الى فرض عقوبات اقتصادية ومالية قاسية على ايران، وتعزيز محور العلاقات الايرانية الاقليمية في دائرتيه العربية والتركية.

الزيارة تأتي ايضا عشية انتهاء فترة السماح والاعفاءات التي منحتها الادارة الامريكية لبعض الدول لاستيراد النفط الايراني، والجهود التي تبذلها هذه الادارة بهدف “تصفير” التصدير الايراني للنفط في مرحلة ما بعد انتهاء فترة السماح وتضييق الخناق على النظام الايراني لاجباره على تقديم تنازلات سياسية في موضوعي نفوذ طهران الاقليمي والبرنامج الصاروخي الباليستي.

روحاني الذي تعرض لسيل من الانتقادات الداخلية اتهمته بإهمال التواصل مع الدول التي تشكل “المجال الحيوي” للنفوذ الايراني ونافذة للالتفاف على العقوبات الامريكية وساحة لتوجيه الرسائل للقوى الدولية والاقليمية التي “تناصب” ايران “العداء” وتعمل على تحجيم دورها وتأثيرها على دول تعتبرها اساسية في محور “الممانعة والمقاومة”.

وتحتل زيارة روحاني الى العراق اهمية كبيرة في سياق الاهداف الايرانية في المنطقة وفي العلاقة مع الدولة العراقية الجديدة، ان لجهة الخلافات التاريخية بين البلدين، او لجهة تحديات المرحلة المقبلة التي تواجهها ايران وترى في العراق احدى اهم قنوات التعامل معها والتخفيف من تداعياتها السلبية السياسية والاقتصادية والمالية.

ومن المتوقع ان تثمر زيارة روحاني العراقية نتائج طالما عملت ايران على تثبيتها منذ عام 1989 واعلان وقف النار في الحرب العراقية الايرانية وقرار مجلس الامن الدولي رقم 598 في ما يتعلق باعادة ترسيم الحدود بين البلدين.

وقد حاولت طهران من خلال الجهود الدبلوماسية وتوظيف نفوذها الامني والعسكري في العراق على دفع الحكومات العراقية التي وصلت الى السلطة بعد عام 2003 لاعادة العمل باتفاقية الجزائر حول الحدود التي وقعت عام 1975، لكنها واجهت مماطلة حتى من ابرز حلفائها في السلطة، حيث رفض المالكي التوقيع عليها او اعادة تفعيلها وخاطب مفاوضه العراقي بالقول “هذه الاتفاقية التي مزقها صدام حسين! لا حاجة الان للحديث عنها.” ، اما رئيس الوزراء حيدر العبادي فقد رفض تضمينها البيان الختامي لزيارة نائب رئيس الجمهورية الايرانية اسحاق جهانكيري في آذار 2018، لانها جاءت من خارج جدول اعمال الزيارة معتبرا انه غير قادر على تحمل تبعات هذا الاعلان من دون العودة الى الاليات القانونية والدستورية والتفاهم مع القوى السياسية العراقية الشريكة في السلطة. وقد تسبب موقف العبادي في توتير علاقاته مع طهران لم تفلح كل جهود التوضيح التي بذلت في التخفيف من تداعياته السلبية.

ويبدو ان مسألة العودة الى اتفاقية الجزائر الحدودية بين البلدين، وعلى الرغم من الكلام الذي قاله حول بعض التعديلات عليها الرئيس العراقي برهم صالح، ستكون الانجاز الابرز الذي يعول عليه روحاني من هذا الزيارة، اضافة الى مواضيع ذات علاقة مباشرة بتداعيات العقوبات الاقتصادية والمالية العراقية، وهي ابعاد تتضح من خلال الوفد الاقتصادي والمالي المرافق لروحاني ووصول وزير خارجيته قبل يوم من الموعد الرسمي للزيارة لتهيئة الاجواء ووضع اللمسات الاخيرة لتفاهمات سبق ان توصل لها خلال زيارته للعراق في 13 يناير 2019، والتي تمحورت حينها حول زيادة التعاون النفطي، ومناقشة العقوبات الأميركية، خصوصا المالية، وسبل تفاديها، بما لا يؤثر على العلاقات بين البلدين.

وقد تكون المسألة المالية والاتفاقية بين البنكين المركزيين الايراني والعراقي من اهم وابرز الاتفاقيات التي سيجري التوقيع عليها في هذا الزيارة بعد التمهيد الاولي الذي جرى بين الطرفين في زيارة ظريف الاولى، وهي خطوة لا تخفي الاوساط العراقية المالية والسياسية من تداعياتها السلبية في العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية، ومدى استعداد بغداد لمجازفة في هذا المجال خصوصا وان العراق التزم باتفاقيات مع واشنطن على تكليف فريق دولي بمراقبة حركة الأموال بين المصارف المحلية وأنشطتها الخارجية، في إطار خطة لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، هدفها الرئيس ضمان منع تحويل الدولار إلى إيران بأي صيغة. وقد سبق لممثلي البنك المركزي الايراني ان عرضوا على نظرائهم في البنك المركزي العراقي خططا تمكن الطرفين من تبادل مبالغ محدودة بعملات مختلفة بينها الدولار الامريكي.

وسيسعى الرئيس الايراني الى رفع التبادل التجاري بين البلدين الى مستويات تتجاوز المستوى الحالي البالغ 12 مليار دولار، ما يجعل العراق احد اهم المعابر التجارية لايران في ظل العقوبات الامريكية، وبالتالي ضمان عمليات تدفق العملات الصعبة الى ايران. وستحتل مسألة الوصل البري لخطوط سكك الحديد (38 كليومتر) بين مدينتي خرمشهر الايراني والبصرة العراقية موقعا مهما في محادثات روحاني لما لها من انعكاسات ايجابية على تعزيز التعامل والتبادل التجاري.

إقرأ أيضاً: روحاني في عراق رافض لإيران

زيارة روحاني اضافة الى بعدها الاقتصادي، يمكن أن تمثل رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة، بأن بغداد ستبقى ساحة للنفوذ الإيراني بالرغم من المساعي الأميركية للتخلص او الحد منه.

السابق
الفشل التربوي والأدبي والأخلاقي لمجتمع المقاومة في لبنان
التالي
مديرية المخابرات استدعت 8 متورطين جدد بملف الشهادات المزورة