الحريري يواجه المجتمع الدولي في بروكسل… تشديد على تأمين الأموال وعودة

سعد الحريري

يلقي الرئيس سعد الحريري اليوم كلمة لبنان في مؤتمر بروكسل المخصص لدعم الدول المستضيفة للنازحين السوريين، من ضمن السقف السياسي الذي تفاهم عليه مع الرئيس ميشال عون أمس الأوّل، لجهة التأكيد على ان الحل الدائم لمشكلة النزوح السوري يكون بعودة هؤلاء النازحين إلى وطنهم، وسيؤكد الرئيس الحريري في كلمته على نقاط عدة أهمها التشديد على وجوب تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته والقيام بدوره إزاء قضية النزوح السوري وحثه على المشاركة في ابتكار حلول خلاقة لعودة النازحين، بحيث سيشدد في هذا المجال على أحقية المجتمعات المضيفة للنازحين في تلقي الدعم الدولي لكون هذه المجتمعات تتحمل مباشرةً تأثيرات النزوح الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز في الوقت عينه على النقطة الأساس التي وردت في البيان الوزاري لناحية الإشارة إلى أنه لا حلّ لأزمة النازحين إلإ بعودتهم إلى سوريا”.

ولفت المستشار الاقتصادي للحريري نديم المنلا إلى أنّ “المشاركة في أعمال هذا المؤتمر ستشكل مناسبة متجددة لحثّ المجتمع الدولي على مزيد من العمل لتخفيف أعباء النزوح السوري على لبنان الذي يرزح تحت عبء كبير نتيجة تداعيات ملف النزوح وانعكاساته في مختلف المجالات على الوضع اللبناني”.

ونفى مستشار الرئيس الحريري نديم المنلا وجود وعود مالية في هذا الصدد، لكنه لفت إلى ان لبنان بحاجة إلى مليارين ونصف المليار دولار لمواجهة أعباء النازحين على أرضه، وان المساعدات التي تلقاها في السنة الماضية كانت بحدود مليار ونصف مليار، وهو لا يتوقع ان يكون حجم المساعدات لهذا العام أكثر من هذا المبلغ، على الرغم النقص الواضح بالتمويل.

وستكون للرئيس الحريري سلسلة لقاءات على هامش المؤتمر، أبرزها مع الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موغيريني، والمبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسن، والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، وغيرهم من المسؤولين.

الوفد المرافق

ويرافق الحريري إلى بروكسيل مستشاراه غطاس خوري وهزار كركلا، على أن ينضم إلى الوفد الرسمي وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب ووزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان اللذان شاركا في اجتماعات تحضيرية هناك عشية انعقاد المؤتمر.

وفي سياق متصل، كشفت معلومات لـ”اللواء” ان وزير شؤون النازحين صالح الغريب ينوي إثارة موضوع تغيبه عن الوفد اللبناني إلى مؤتمر بروكسل، في أوّل جلسة يعقدها مجلس الوزراء، على الرغم من ان الرئيس الحريري حاول أمس الأوّل نزع فتيل أي مواجهة في شأن طبيعة الوفد، حيث طلب عدم تسييس الملف، مؤكدا انه هو من يمثل الحكومة اللبنانية، لكن الغريب قد يحاول الالتفاف على الموضوع من خلال طرح الخطة التي وضعها لعودة النازحين، والتي تقوم على مجموعة خطوات لتحفيز هذه العودة، قد تثير إشكالية جديدة، خاصة وان إحدى هذه الخطوات تلحظ إعادة تطبيع العلاقة مع النظام السوري.

لا مؤشرات ايجابية

وأفاد مشاركون في الجلسات والندوات التي عقدت خلال اليومين السابقين ان مناخ المؤتمر لا يظهر مؤشرات حل مستدام للازمة السورية وان الاوروبيين لن ينفتحوا على النظام السوري أقله في المدى المنظور. كما أشار هؤلاء المشاركون الى ان هذا المناخ ينعكس على موضوع عودة النازحين التي يصر جميع المشاركين في المؤتمر على انها يجب ان تكون طوعية وأمنها مضموناً. وتؤكد هذه المعطيات أيضاً ان ثمة اهتماماً والتزاماً لدعم لبنان في هذا الملف لكن هناك تشديدا على دور الحكومة اللبنانية الجديدة في البدء باصلاحات جدية وحقيقية والصورة المتوافرة عند المسؤولين الاوروبيين لا تشير الى ان هذا الامر يحصل الان.

اقرأ أيضاً: لبنان اليوم في «بروكسل»: إقرار المساعدات دون «تشجيع» عودة النازحين

وكان كل من وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب، الموجود في بروكسل مع وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، قد باشرا أمس لقاءاته في العاصمة البلجيكية، عبر اجتماع عقده مع المفوض الأوروبي لشؤون الجوار يوهانس هان في حضور المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط في المفوضية مايكل ميلر وسفيرة الاتحاد الأوروبي لدى لبنان كريستينا لاسن، وتركز البحث في برنامج وزارة التربية لتأمين التعليم لجميع الأولاد الموجودين على الأراضي اللبنانية من لبنانيين ونازحين، وتم التطرق إلى تفاصيل الملف وتطور عدد التلامذة النازحين في المدارس الرسمية والاكلاف المترتبة على ذلك.

اما الوزير قيومجيان فشارك في حلقة حوارية حول الحماية في البرلمان الأوروبي مطالباً المجتمع الدولي بتسهيل عودة النازحين واستمرار مساعدتهم في سوريا ولبنان، ودعا الى “الضغط على النظام السوري لتأمين إجراءات الحماية والاطمئنان لهم”.

هل تنجح سياسة الحريري؟

ووفقا لاوساط نيابية مطلعة، يلجأ الرئيس الحريري مرة جديدة الى سياسة “التهويل” لاقناع الفريق الاخر المعترض على سياساته الخارجية والداخلية، بأن المخاطر المحدقة بلبنان قد تتجاوز قدرته على تحملها في المرحلة المقبلة اذا لم يتم التعامل مع هذه الاستحقاقات “بحكمة” ودون الاقدام على “دعسة ناقصة” قد تطيح الاستقرار الداخلي المرتبط حكما بالرعاية الاقليمية والدولية لهذا “الستاتيكو” القائم الان، وهو يقول صراحة امام زواره ان الاوروبيين ومن خلفهم الاميركيين لم يتفهموا رغبة اللبنانيين بحل ازمة النزوح السوري وفقا للطريقة المتبعة من الفريق “المحسوب” على دمشق، وباتت الامور واضحة بانهم غير راغبين بالتخلي عن هذه “الورقة” دون اثمان سياسية من النظام السوري، فهل المطلوب ان «يعاند» لبنان هذا الامر ويدفع “الثمن” بدلا من الرئيس بشار الاسد؟

ووفقا لهذه المقاربة، فان رئيس الحكومة مع ابقاء الوضع على ما هو عليه وتأمين المساعدات الدولية المطلوبة للبنان كي يستطيع النهوض بعبء هؤلاء الى حين نضوج المناخات العربية والدولية المؤاتية لعودتهم، فالامر بالنسبة اليه ليس مجرد وزير بالزائد او الناقص يتم تجاهل دعوته الى بروكسل، وانما “رسالة” غربية واضحة بان التسامح مع “التشاطر” اللبناني لم يعد ممكنا، خصوصا ان بعض الديبلوماسيين الغربيين حاولوا الاستفسار منه شخصيا عما تعنيه زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب الى سوريا دون قرار من مجلس الوزراء، وقيل لاحقا ان رئيس الحكومة كان في “اجواء” الزيارة دون الموافقة عليها، وكانت الاسئلة محددة حول مفاعيل هذه الزيارة وكيفية ترجمة هذه “البدع” القانونية والسياسية اللبنانية التي تميز عن زيارات شخصية، وزيارات رسمية، وكان ثمة ايحاء من هؤلاء الديبلوماسيين بان هذا “المزاح” اللبناني “السمج” لا يبني سياسة خارجية يمكن ان تخاطب من خلالها الحكومة اللبنانية نظيراتها الغربية، وكان وضحا المطالبة بوقف هذه “الهرطقة” لان الدول التي تحترم نفسها لا يمكن ان تقبل التعامل بهذه الطرق “لملتوية” في السياسة، وبقي السؤال العالق: من يمثل الموقف الحقيقي للحكومة اللبنانية؟

ووفقا لتلك الاوساط، لا تتوقف حملة “التهويل” عند هذا الحد، ففريق رئيس الحكومة بدأ يربط كيفية مقاربة لبنان للملفات الخارجية بتنفيذ مؤتمر “سيدر”، اذ ينسب الى مسؤولين اوروبيين تأكيدهم ان الدول المانحة لن تتوقف فقط عند تحقيق الحكومة اللبنانية للاجراءات الاصلاحية المطلوبة لمباشرة العمل بمقرارات “المؤتمر”، فالاموال المرصودة لن تصرف بمجرد الايفاء بالالتزامات الاقتصادية والادارية فقط، وانما الامر منوط ايضا بالتزام لبنان سياسة “النأي بالنفس” التي جرى اقرارها في البيان الوزاري واي تعديل عملي لهذه “المعادلة” سيقابلها حتما موقف اوروبي واميركي متشدد قد يطيح كل القروض والاموال المرصودة، ولذلك يتمسك الرئيس الحريري بسياسته ويحاول وضع الفريق الآخر امام “الحائط”، ويترافق هذا الامر مع تسريب ممنهج عن ان الخطوة البريطانية بتصنيف حزب الله “ارهابيا” ليس الا مقدمة لتصعيد سيكون اكثر «ايلاما» تقوده واشنطن وسيشمل ايضا كل “حلفاء” الحزب…

في ظل هذه المناخات “المتشنجة”، لا ترى اوساط وزارية معارضة لنهج رئيس الحكومة ان «التهويل» في هذا الملف سيجدي نفعا لان الاستسلام للرغبات الغربية يعني توطين النازحين في لبنان، وهذا الامر تفصيل لا يمكن التعامل معه بخفة، واذا كان الحريري يشعر “بالضعف” في مواجهة هذه الضغوط، فان الامر لن ينطبق على باقي مكونات الحكومة التي ترى ان موقف لبنان قوي جدا اذا ما تم استثماره على نحو جيد، فالاوروبيون هم القلقون من موجة النزوح الى اراضيهم ولديهم مصلحة في عدم “انفجار” هذا الملف في “وجههم”، ومن هنا يجب على اللبنانيين فرض شروطهم لا العكس.. ولذلك فان المرحلة المقبلة ستشهد “كباشا” داخليا جديا حول مقاربة هذه السياسة على نحو شامل، والفريق “المناوئ” للحريري ينتظر زيارة الرئيس عون الى موسكو وما سيسفر عنها من نتائج خصوصا على صعيد “تسييل” المبادرة الروسية، وستكون هذه “نقطة” تحول في مقاربة هذا الملف، واذا ما اتضح ان لدى موسكو خطط عمل متكاملة بالتنسيق مع الجانب السوري، لاعادة النازحين، فإن القرار سيكون حاسما للمضي قدما بهذه الخطة بعيدا عن الضغوط الاميركية والاوروبية، ولن يتراجع الرئيس عون عن ترجمة نظرته المختلفة للملف، وهو يحمل معه نقاطا محددة وتفصيلية للتسريع في تحريك “العودة”، واذا كانت موسكو غير جاهزة بعد، فان هذا لن يغير النهج المتبع حاليا في مواصلة التواصل مع النظام السوري لتهيئة الظروف المؤاتية لعودة النازحين، وهذه المقاربة سيتم تفعيلها على نحو مكثف ولن تمنع “هواجس” الحريري او التهديدات الاميركية والاوروبية، الفريق “الصديق” لدمشق من المضي قدما في تعزيز العلاقات الثنائية، وهذا الامر سيكون محور نقاش جاد في الجلسات المقبلة للحكومة…

السابق
«مخيم عين الحلوة»: معلومات عن إصابة يوسف عرقوب نجل المطلوب البارز بلال عرقوب
التالي
أبو فاعور للمعتصمين ضد إقامة مصنع الاسمنت في عين دارة: الرخصة تعتريها عيوب وثغرات