بعد عزل قاسم سليماني: روحاني يدشن العلاقات الرسمية مع بغداد

معان ودلالات كثيرة صحبت تكريم الجنرال قاسم سليماني من قبل المرشد السيد خامنئي، وما رافق هذا التكريم من الاعلان عن سحب ملف العراق منه وتسليمه لرئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني.

مع بدء زيارة الرئيس حسن روحاني الى بغداد  تداولت وسائل الإعلام الإيرانية خبر منح مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي قائد فيلق القدس قاسم سليماني وسام ذو الفقار، وهو الوسام الارفع في إيران الذي يمنح منذ نشوء النظام الإسلامي قبل أربعين عاما.

لم يكن التوقيت عفويا، فزيارة روحاني الى العراق، لم تتم وسط مناخ سياسي وشعبي ملائم لايران، فعلى رغم النفوذ الإيراني الكبير ، الا أنّ ذلك لا يقلل من النفور الشعبي في العراق من هذا النفوذ، وقد كان لاحراق القنصلية الإيرانية في البصرة أواخر العام المنصرم، مؤشر على هذا النفور، وهذا ما يفسر تفادي المليشيات التابعة لإيران رفع صور قيادات إيرانية في مناطق نفوذها ولا سيما صور الخميني وخامنئي.

لم يكن عفويا توقيت منح سليماني وسام ذو الفقار ايضا، فالسيد علي السيستاني الذي استقبل روحاني، كان وجه أكثر من رسالة احتجاج ضد السياسة الإيرانية في العراق، ولاسيما حين رفض استقبال قاسم سليماني في خضم عملية تسمية رئيس الحكومة العراقي الجديدة في الاشهر الاخيرة من العام المنصرم.

ولم يكن من الممكن أن يتوقع روحاني لقاء السيستاني، لو لم تستجب طهران لبعض المطالب العراقية المتصلة بالتدخلات الايرانية، فعشية هذا اللقاء الذي جرى في منزل السيستاني في النجف،  أكد مدير مرکز الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية في طهران  الدبلوماسي أمير الموسوي،  أن ملف العلاقات العراقية الإيرانية انتقل من الحرس الثوري الإيراني إلى وزارة الخارجية الإيرانية بعد زيارة الرئيس روحاني إلى بغداد.

وقال الموسوي خلال برنامج “سياسي الابعاد” في قناة “العهد” العراقية إن “زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني حققت نقلة نوعية في العلاقات بين العراق وايران”، لافتاً إلى أن “تلك الزيارة ستضع الكثير من النقاط على الحروف”.

وأضاف، أن “روحاني أجرى لقاءات مهمة ومؤثرة خلال زيارته إلى العاصمة بغداد”، لافتاً إلى أن “ملف العراق انتقل من قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى وزارة الخارجية الإيرانية”.

هذا الانتقال الذي عبر عن رضوخ ايراني لمطلب عراقي عبرت عنه الحوزة في النجف بطريقتها وفهمته طهران واستجابت له، يعكس في المقابل أن طهران لم تعد مطلقة اليد في العراق، وتتلمس مخاطر جدية من انفجار عراقي في وجه نفوذها، وهي أيضا تحاول توجيه رسائل ود غير مباشرة تجاه واشنطن، من خلال تقديم وزير الخارجية جواد ظريف على الوجه العسكري سليماني المدرج على لوائح الإرهاب ولاسيما الأميركية.

ليست زيارة روحاني الى السيستاني أمرا عاديا، فالسيستاني كان رفض استقبال الرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد عام 2013، ورئيس السلطة القضائية السابق محمود الهاشمي الذي توفي قبل اشهر، وكان أحد أبرز المرشحين لوراثة خامنئي، فقد رفض السيستاني استقباله بطريقة دبلوماسية، ولكنها لا يمكن أن تخفى معانيها على صانع السياسة الإيرانية.

روحاني في بيت السيستاني هي رسالة تشير إلى أن النجف على رغم كل ما أصابها من تهميش واستهداف، تبدو اليوم في الموقع المرجح في التوازنات الايرانية، فحوزة مدينة قم الايرانية ليست مقابل حوزة النجف العراقية، بل في حمايتها، بعدما فقدت استقلاليتها إزاء سطوة السلطة السياسية على دورها، وباتت في موقع التابع لولي الفقيه الحاكم .

ما جرى في الاشهر الاخيرة هو ان خلافا وقع حول الملف العراقي بين ولي الفقيه من جهة، والحرس الثوري الذي يمثله سليماني من جهة ثانية، وقد تمكن الاخير بدهائه الامني وبعد افتعال احداث البصرة والضغط على المرجعية في النجف في الشهر العاشر من العام الماضي، ان يفرض ازاحة حيدر العبادي وعدم التجديد له لولاية جديدة لمنصب رئاسة الوزراء بسبب نزعته الوطنية، والاتيان بعادل عبد المهدي وهو شخصية لا تملك حيثية شعبية ويستطيع سليماني بالتالي فرض جزء كبير من الاجندة الايرانية عليها، غير ان هذا الخيار الذي استفز الولايات المتحدة جعلها تبتعد عن العناية بالملف العراقي وتبتعد خصوصا عن رموز ايران بالسلطة الذين تكاثروا في عهد حكومة عبد المهدي، وهو ما عدته الدبلوماسية الايرانية فشلا، لأن العراق يفقد قيمته الاستراتيجية لدى ايران بوصفه ساحة جذب سياسي لمصالح الدول الغربية، في حال تم عزله من قبل تلك الدول وتصنيفه انه اصبح امتدادا لإيران ليس أكثر.

تكريم الجنرال سليماني ثم عزله من ادارة الملف العراقي سيكون له ابعاد جسيمة، واثر بليغ على سياسة ايران في العراق، فالعلاقة ستكون من الان وصاعدا على مستوى رسمي عبر حكومتي البلدين، لا عبر الحرس الثوري، وتكون مرجعية السيستاني هي المشرفة على الرعية الشيعية في العراق، وليس مرجعية ولاية الفقيه او ممثلها أيا كان موقعه، وما زيارة الرئيس روحاني لبغداد ولقائه المسؤولين الرسميين العراقيين وليس زعماء الاحزاب والمليشيات المحسوبة على الحرس، ثم لقاؤه المرجع السيستاني، سوى فاتحة اولى لترسيم العلاقات بين البلدين بعد عسكرتها من قبل سليماني وتغليب الطابع الامني على السياسي فيها.

بالنهاية ودون شك فان زيارة روحاني الى العراق وتسلم حكومته لملف العلاقة بين البلدين من الجنرال  سليماني، هو اعلان ضمني عن  فشل الحرس الثوري الايراني بتحقيق الانجازات المأمولة منه في بلاد الرافدين، ويأمل صناع القرار في طهران ان يرسي النهج الرسمي الجديد من دولة الى دولة، لعلاقة متوازنة من شأنها ان تخط استراتيجية جديدة اكثر اعتدالا، ليصبح العراق ممرا دوليا وساحة تفاهمات مع الغرب، يساعد على كسر حدة العقوبات الاميركية المفروضة على طهران.

السابق
كواليس لقاء «ريفي – الحريري».. وخفايا «المؤتمر الصحفي»
التالي
المجلس الشيعي: تقرير الجديد عن بيع وقف عقار في بلدة انصار تضمن افتراء