14آذار… ذكرى وعِبرة

...يصادف هذا الأسبوع ذكرى مرور أربعة عشر عاما على يوم 14 آذار 2005 هذا اليوم المجيد والفريد من نوعه في تاريخ لبنان المعاصر والمنطقة.

لا نغالي إن قلنا أن هذا اليوم كان بحق بداية الربيع العربي الذي أزهر في العام 2011 ولا يزال بغض النظر عن النتائج الذي وصل إليها هذا الربيع لبنانيا وعربيا بفعل الثورات المضادة حتى الآن على الأقل. فمنذ بداية تفتح وعينا على اﻷحداث السياسية ونحن نعيش اﻹنقسامات السياسية والطائفية والمذهبية، إلى أن كان هذا اليوم والذي يمكن القول أن شرارته إنطلقت يوم 14 شباط يوم إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.

اقرأ أيضاً: في الذكرى الثالثة عشرة لـ«ثورة الأرز»: أين 14 آذار؟

هذا اليوم الذي ارادوه واعتقدوا أنهم سينجحون في جعله يوما عاديا كبقية اﻷيام التي أغتيل فيها سياسيون قادة ومفكرين وصحافيين ورجال دين إلا أن السحر إنقلب على الساحر في 14 شباط وكانت شرارة إنتفاضة اﻹستقلال وثورة اﻷرز التي حاولوا وأدها في مهدها عبر يوم 8 آذار الذي جعلوه يوم شكر للطاغية على جرائمه ،في محاولة لتخويف الناس باﻷعداد الكبيرة من المتظاهرين فكان أن جاء الرد صاعقا في 14 آذار لينقلب مرة أخرى السحر على الساحر وتولد حركة 14 آذار . في هذه الذكرى نقف لنستذكر الأحداث في محاولة للإضاءة على بعض الظروف والمواقف التي أدت بالوضع إلى ما هو عليه اليوم، وفي محاولة لأخذ العبرة من كل هذه التطورات والأحداث التي أدت في النهاية إلى موت 14 آذار كتحالف على الأقل إن لم يكن كفكرة باقية كغيرها من الأفكار التي لا تموت بموت أو بتخاذل أصحابها وتراجعهم. قد لا يختلف إثنان على ما أعتقد بأن ثورة اﻷرز حققت ونجحت في تنفيذ برنامجها المرحلي الذي على أساسه إنطلقت وهو تشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة اﻹغتيال ما لبثت أن تحولت إلى محكمة دولية، ومطلب خروج قوات النظام السوري من لبنان، وكذلك إقالة قادة اﻷجهزة اﻷمنية اللبنانية . إلا أن حركة 14 آذار وبعد نجاحها في تحقيق هذه المطالب بدت وكأنها إستكثرت على نفسها هذه اﻹنجازات ولم تكمل طريقها ربما ﻷنها لم تكن بعد جاهزة فجريمة اﻹغتيال فاجأتها وتسارعت اﻷحداث بطريقة دراماتيكية ما دفع بالبعض إلى التهيب من إتخاذ الخطوات التكميلية ونتحدث هنا عن الجناح المسيحي بقيادة البطريرك صفير الذي رفض يومها المسير إلى بعبدا ﻹسقاط الرئيس الممدد له قسرا كي لا تكون سابقة بإسقاط الرئيس المسيحي في الشارع. فكان أن لجأت 14 آذار إلى الدخول في مساومات بغض النظر عن النوايا فأدت هذه المساومات إلى الغلطة الثانية الا وهي اﻹتفاق الرباعي في الوقت الذي كانت اﻹغتيالات مستمرة لقيادات وكوادر ثورة الأرز.

أما الخطأ الثالث والذي أعتبره خطيئة فكان إهمال وإقصاء المكون الشيعي الوطني اللبناني والعروبي والديمقراطي عن المشهد الوطني لـ14 آذار والذي أكل كثيرا من رصيد هذه الحركة ومصداقيتها لدى الرأي العام الشيعي بحيث بدت وكأنها قامت ضد المكون الشيعي تحديدا وهذا ما أفاد منه الثنائي الشيعي كثيرا في خطابه السياسي وأستثمره خير إستثمار، ما أوصلنا إلى اﻹتفاق الرباعي والذي كان لﻷسف إتفاقا طائفيا بدل أن يكون وطنيا وكان المطلوب على ما بدا إرضاء طرفي المعادلة الشيعية على حساب المكون الشيعي المستقل بينما كان المفروض أن يتم التعامل بهذا الموضوع من منطلق وطني كأن تتمسك قوى 14 آذار بمكونها الشيعي وتفرضه في المعادلة الوطنية حتى ولو خسرت أو باﻷحرى إستبدلت بعض مقاعدها الوزارية والنيابية السنية بأخرى شيعية ما دامت في الخط السياسي الوطني ولتأخذ قوى 8 آذار بعض المواقع السنية، وهذا ما لم تفعله هذه القوى ودفعت ثمنه لاحقا عندما إستقال الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة وأدَّعوا أن الحكومة غدت بتراء وغير ميثاقية، وهو قرار لا زالت مفاعيله قائمة حتى اليوم عبر إثارة موضوع ال 11 مليار دولار الشهيرة. وكان ما كان يومها حتى وصلنا إلى 7 أيار 2008 والذي كان المسمار الأول الذي دق في نعش تحالف 14 آذار حين بدت المعركة يومها وكأنها معركة شيعية ضد السنة والدروز وتم تحييد الطرف المسيحي في 14 آذار بحيث كان همه الأول الدفاع والصمود في مناطقه في وجه التنمر والمزايدة العونية بحقوق المسيحيين يومها وفي الحديث عن إعادة الأمور إلى السكة الصحيحة، وكان مؤتمر الدوحة الذي جاء بالإتفاق الذي حمل إسمه والذي كان من المفروض أن يكون موقتا إلى حين إنتخاب رئيس جديد أتفق عليه يومها وإجراء الإنتخابات النيابية على أساس قانون الستين الذي طالبت به قوى الثامن من آذار وأعتبر يومها إنتصارا وإعادة للحقوق إلى أصحابها.

ولكن كما جرت العادة، فالموقت في لبنان يصبح دائما بفعل موازين القوى والإتفاقات، فكان أن أدخل إتفاق الدوحة تقاليد وأعراف جديدة على السياسة اللبنانية منافية للتقاليد السياسية اللبنانية كما انها تعد ضربا وتجويفا لإتفاق الطائف الذي دفع لبنان واللبنانيون ثمنا باهظا من حياتهم مقابل التوصل إليه، هذه الأعراف والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان كالثلث المعطل والوزير الملك والوزير مقابل أربعة نواب وغيرها من الهرطقات ، وهكذا كان كلما تقدمت قوى الثامن من آذار خطوة إلى الأمام تراجعت قوى الرابع عشر من آذار خطوتين إلى الوراء، ووصلنا إلى إنتخابات الـ2009 وكان الإنتصار من نصيب 14 آذار وحلفائها رغم كل الظروف الآنفة الذكر بما يوحي بأن الشعب كان وفيا للمبادئ ولم يتخاذل ولم يتراجع، وكان الشعار يومها هو العبور إلى الدولة وهو الشعار والامل المنشود. بعد الإنتخابات ورغم النصر كانت الصدمة الأولى هي خروج جنبلاط من 14 آذار وإعادة تموضعه في الوسط كما قال يومها، وقد يكون يومها إستشعر القادم من التطورات التي أعادت او حاولت إحياء السين – السين الشهيرة فكان أن ذهب الحريري إلى “عرين” الأسد وتبين أن العبور إلى الدولة لم يكن عبورا من المعابر اللبنانية عبر السعي لتحقيق آمال وتطلعات الشعب، بل كان يمر عبر السين – السين، وهذا كان المسمار الثاني في نعش التحالف الذي دفع ثمن تراجعه وتخاذله أمام الداخل والخارج ضاربا بعرض الحائط تطلعات جماهيره وإستعدادهم للتضحية كما في العام 2005 مع كامل وعينا وتقديرنا للتأثيرات الإقليمية والدولية على الوضع اللبناني، إلا أن الممارسة كانت سيئة وإنبطاحية.

اقرأ أيضاً: 14 آذار…ذكرى لن تتكرّر

وأيضا كما هي العادة مع قوى الثامن من آذار وداعميها الإقليميين حيث لا وفاء بعهد ولا إحترام لإتفاق، وكان أن إنهارت السين – السين مجددا وتم الإنقلاب على سعد الحريري وهو في واشنطن لتسقط حكومته ويخرج هو من المشهد السياسي ومن لبنان حتى لسنوات قبل أن يعود ليعقد التسوية الرئاسية والتي كانت هي المسمار الثالث والأخير في نعش حركة 14 آذار لتكون العبرة أن النضال السياسي والوطني بحاجة لصبر ونفس طويلين ، كما أنه بحاجة “لسلاح” الجماهير وقوتها حين يدعو الواجب، وليس لإتفاقات وصفقات بعيدا عن أعين وسمع ونبض الجماهير التي ومنذ أن خرجت من الشارع بعد الإتفاق الرباعي، لم يدعوها أحد سوى للمناسبات الإحتفالية والإستعراضية التي كانت تستخدم في المساومات السياسية بعيدا عن مصلحتها وهمومها ومطالبها وآمالها التي خرجت لأجلها يوم 14 آذار 2005. قد يكون ما قلناه وإستنتجناه قاسيا بعض الشيء ولكنه لا شك فيه الكثير من الحقيقة، والعبرة كما يقال بالنهايات، والنهاية التي وصلنا إليها من إجهاض لهذه الحركة التي قد لا تتكرر في لبنان قبل سنين طويلة، هي نهاية صادمة ومؤلمة على كل المستويات خاصة عندما نستذكر شهداء هذه الحركة من خيرة قيادييها ومفكريها. ومع كل ما سلف نعود ونؤكد أن يوم 14 آذار 2005 كان يوما تاريخيا بكل ما للكلمة من معنى من حيث رمزيته والوحدة الوطنية التي تجلت فيه وكيف أن اللبنانيين تجاوزوا فجأة كل إنقساماتهم وخاصة الطائفية وإن ننسى لا ننسى قسم الشهيد جبران تويني وهو قسم سيدخل التاريخ حتما ويبقى تعويذة حب وإخلاص ووفاء للبنان العظيم… رحم الله شهداء ثورة اﻷرز …

السابق
ألف قاض جزائري: «لا انتخابات» إذا شارك بوتفليقة
التالي
أحرار بلدة الشرقية: لمعرفة حجم الاختلاسات في البلدية…