لماذا يحذرون لبنان من خطر كبير بعد آذار ونيسان؟

احمد عياش

لم يحجب كل الضجيج الذي أثاره ملف الفساد ولا يزال،الملف الاخطر في المدى المنظور ، ألا وهو الانهيار المحتمل ،الذي يحمل عنوانا إقتصاديا في البداية ، لكنه سيتطوّر ليصبح ماليا ثم ينتهى سياسيا وغير سياسي!هذا التوقع المتشاءم جدا، لم يصل الى أسماع المسؤولين من جهات داخلية فحسب ،بل أتى كذلك من مرجعيات خارجية كان آخرهم السفير بيار دوكان المكلف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر”.
ماذا في المعطيات حول هذا الملف الخطر؟في معلومات ل”النهار” من مصادر نيابية بارزة ان المسؤولين تبلغوا طلبا من المسؤول الفرنسي يتضمن روزنامة عمل تتضمن الاولويات التالية:تعيين عددا من الهيئات الناظمة في قطاعات أساسية لاسيما الكهرباء والاتصالات،الشروع في التحضير لتنفيذ المخططات الموضوعة لإنهاء أزمة الكهرباء وإنجاز موازنة سنة 2019 .وارفق ممثل الرئيس الفرنسي هذا الطلب بإبداء الاهتمام بإنجاز هذا الجدول خلال أسابيع قليلة لا تتجاوز الشهر الحالي والشهر المقبل ،أي آذار ونيسان.
رب سائل:لماذا هذا التركيز على هذيّن الشهريّن؟وفق معطيات مسؤول مالي ، إستمعت اليه “النهار” ، ان القطاع المصرفي يراقب بإهتمام كيف سيتحرك العمل الحكومي في هذيّن الشهريّن بما يحقق عودة الحياة الى القطاعات الانتاجية بما يحرّك سيولة داخلية وخارجية ، تخفف من وطأة الضغوط التي يتعرض لها حاليا هذا القطاع وابرزها توجه الودائع الكبرى الى أسواق خارج لبنان.هذه المعطيات التي وردت قبل ايام ،أكدها بالامس وعبر “النهار” أيضا الدكتور غسان العياش في مقالته الاسبوعية والتي كتب فيها :”…تزامنت جولة دوكان مع ظهور مؤشّر شديد الخطورة. فقد تبيّن أن الموجودات الخارجية الصافية للقطاع المالي سنة 2018 ، وهي خلاصة ميزان المدفوعات، سجّلت عجزا تاريخيا يقارب خمسة مليارات دولار، أعقبها عجزٌ بمبلغ 1.3 مليار دولار في كانون الثاني من العام الجاري. وهذا المؤشّر يظهر حجم النزف وخروج الأموال من لبنان نتيجة فقدان الثقة بالأداء السياسي وبالأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد!”
في إعتقاد اوساط مسؤول حكومي ان التحذيرات المتتالية داخليا وخارجيا( تقييم مؤسسات التصنيف الدولية السلبية التي ما زالت مستمرة) ، يجب ان ينظر اليها إيجابا ، إذا كان الهدف النهائي هو إخراج لبنان من مستنقع الركود الذي وضع القطاعات العقارية والسياحية والاستثمارية على مشارف الانهيار.ولفتت في هذا السياق الى ان أقنية الحوار مفتوحة بين جميع الاطراف “بما في ذلك قناة الحوار بين رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري و”حزب الله” وغيره من الفرقاء الاساسيين”. لكن هذه الاوساط أشارت في الوقت عينه ،الى وجود تنافس مضمر بين جميع الافرقاء على من سيحظى بلقب أبوة مشاريع “سيدر” عندما تنطلق عجلة تنفيذها.وأعطت مثلا ، سعي فريق حكومي الى تسمية احد وزراء الدولة التابعين له وزيرا مكلفا متابعة تنفيذ قرارات المؤتمر.
لكن هذا التفاؤل الحذر الذي يمتلكه من هم على صلة وثيقة بمؤتمر “سيدر”، هل ينطبق على واقع الحال؟لا يبدو ان الجواب مطمئن كليا.ومن الامثلة التي تدعو الى التشاؤم ان وزير المال علي حسن خليل ،الذي يعود اليه أمر مشروع موازنة السنة الحالية، رفع الى رئاسة الحكومة مسودة مثيرة للقلق بسبب الارقام التي تتضمنها بما يبعد لبنان عن هدف السيطرة على العجز تدريجيا.وبعد القراءة الاولية لهذا المشروع ،تبين ان هناك ورشة عمل جديدة يجب ان تتولى تشذيب ارقام الوزير خليل بما يستجيب لمتقضيات “سيدر”.ومن الامثلة أيضا ، ان وزيرا بارزا في “التيار الوطني الحر” رفض السير في موضوع إنشاء الهيئات الناظمة بحجة انها ستقلص نفوذ الوزراء التابعي للتيار.أما سلوك وزير الصحة التابع ل”حزب الله” جميل جبق ، فهو نموذج لعقلية العمل خارج نطاق الدولة; فهو عندما يعلن عن السخاء في موازنات المستشفيات الحكومية ،يتخطى بذلك حجمه ،ويضرب الهيكلية القائمة للانفاق الصحي، علما ان مصادر طبية قالت ل”النهار” ان اول نتائج منح حقيبة الصحة للحزب كانت بإعلان شركات دواء عالمية إنهاء أعمالها في لبنان ما يهدد هذا البلد بإنقطاعه عن المنتجات الطبية الحديثة !ما يعني ان لبنان سيصبح سوقا واسعة جدا للدواء الايراني!
من الشروط الاساسية للاصلاح المالي الذي تعهّد بها لبنان في نيسان الماضي أمام المشاركين في مؤتمر “سيدر” هو إعتماد سياسة تقشف تتزامن مع السعي للحصول على موارد مالية مؤكدة ، التي هي حسب البنك الدولي تأتي من رفع الضريبة على القيمة المضافة ووضع ضريبة مقطوعة على سعر صفيحة البنزين. وإذا كان هذا النوع من الضرائب يثير إحتجاجا على المستوى الشعبي، فيمكن معالجة هذا الاحتجاج ،من خلال تدابير خاصة حماية الطبقات المعسورة من مفاعيلها.فهل هناك من إرادة لركوب هذا المركب الخشن في زمن الشعبويات التي تهب على لبنان؟

إقرأ أيضاً: هل بدأ «حزب الله» بتصفية مراكز نفوذ داخل تركيبته؟
في ضوء تجارب قديمة وحديثة ، لاسيما في العاميّن الماضيين، يتبين ان النظرية المستندة الى المثل الشعبي” بعد حماري ما ينبت حشيش” هي الاكثر رواجا.ويكفي هنا إيراد هذا المعطى المتمثل بتوظيف أكثر من 13 ألف شخصا في القطاع العام تحت مسمى “المستعان بهم” أيام وزير التربية السابق الياس بوصعب، ليتبيّن حجم الاستهانة بإمكانات الدولة وقدرة خزينتها على التحمل.لكن هذا الواقع السيء لا يلغي ان المصيبة الآتية قد تدفع الجميع ، من دون إستثناء، الى التفكير بمسؤولية تفاديا لإنهيار الهيكل على رؤؤس الجميع.لهذا لا بد من إعطاء حيز للامل بإن التحذير من خطر كبير بعد آذار ونيسان سيجعل الرؤس غير المبالية تبالي ؟

السابق
وفيق صفا لريَّا الحسن: أهلاً وسهلاً بك
التالي
بوتفليقة يغادر المستشفى إلى جهة مجهولة.. ووضعه حرج