إيران في الإمتحان السوري

هل يمكن الرهان على الكلام الذي اعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد زيارته الاخيرة الى العاصمة الروسية موسكو عن تفاهمات مع الرئيس فلاديمير بوتن حول مستقبل الوضع في سوريا والاتفاق على اخراج كل القوات الاجنبية من سوريا وتشكيل قوات مشتركة لتنفيذ هذا الامر وتثبيت الاستقرار في هذا البلد والقضاء التام على بؤر الارهاب فيه؟

على الرغم من اهمية التنسيق الايراني الروسي الذي أنتج في اواسط عام 2015 قناعة روسية بضرورة الدخول العسكري المباشر في الازمة السورية، كإحدى ابرز نتائج الزيارة الشهيرة التي قام بها قائد قوات فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الى موسكو والاجتماعات التي عقدها مع الرئيس بوتن والقيادة العسكرية الروسية حينها وترجمت على ارض الواقع في ايلول سبتمبر من ذلك العام، الا ان التفاهم في الموضوع السوري والاتفاق على انقاذ النظام فيها، ونتيجة لقناعة كلا اللاعبين، من الصعب ان يرتقي الى مستوى التعاون او الحلف الاستراتيجي لانه مرهون بعقدة الموقف من اسرائيل، اذ ان موسكو لا تتردد بالتأكيد للجانب الايراني التزامها الحازم والنهائي بالامن الاسرائيلي وعدم السماح بتهديد الاستقرار على الجبهات مع إسرائيل، في حين ان طهران وان كانت لا ترغب في الدخول بمواجهة مع تل ابيب، الا انها لا تستبعد هذه المواجهة في حال كانت مجبرة او مضطرة لها من اجل تثبيت مواقعها على الخريطة الاقليمية وفرض قواعد اشتباك جديدة اذا ما شعرت بوجود مساع او جهود لاخراجها من المعادلة في المنطقة.

هذا الافتراق في المواقف بين موسكو وطهران في النظرة الى التعامل مع المخاوف الاسرائيلية، لا يعني عدم وجود تفاهمات بين الحليفين حول الخطوط العامة لرؤية اقليمية قد تنتهي بوضع تفاهمات اقليمية تؤسس لسلام في المنطقة لا تكون على حساب الدور الايراني. من هنا يمكن فهم الكلام الذي اعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول المساعي الاسرائيلية لقلب المبادرة العربية للسلام 2002 (الارض مقابل السلام) التي قد لا تعارضها طهران في حال اوصلت الى نتائج واضحة وراسخة على صعيد الوضع الفلسطيني باقامة دولة مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة وعودة اللاجئين لكن من دون التخلي عن رؤيتها الاستراتيجية العقائدية التي اعلن عنها المرشد الايراني عندما وضع خريطة الحل الفلسطيني باستفتاء شعبي حول طبيعة النظام في فلسطين يشارك فيه السكان الاصليون (مسلمين ومسيحيين ويهود) في اطار دولة واحدة فلسطينية.

في المقابل، فان ما يزيد الموقفين الروسي والايراني افتراقا في الموضوع السوري، والذي يدفع موسكو الى مزيد من الحذر في التعامل مع نفوذ ودور طهران، يعود الى الاصرار الايراني على وضع الملف السوري خارج الادارة الدبلوماسية الايرانية وحصره في يد المؤسسة العسكرية. ولعل هذا الصراع الداخلي الايراني قد يكون السبب الذي دفع وزير الخارجية محمد جواد ظريف لتقديم استقالته بعد استبعاده عن زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى طهران وبروز الجنرال سليماني كعراب لها. ما يعني تفجر الصراع بصورة علنية بين رؤية دبلوماسية تحاول توظيف البعد العسكري للنفوذ الايراني الاقليمي في اطار خدمة الموقف الايراني على الساحة الدولية، وبين مساعي المؤسسة العسكرية لفرض رؤيتها على الدولة والنظام وتوظيف انجازاتها الاقليمية على المستوى الداخلي في اطار الصراع على السلطة ومستقبل النظام، وهو صراع أضعف قدرات رئيس الدبلوماسية او شيخها على التفاوض والتأكيد بانه يمثل الموقف الايراني الموحد في كل المواضيع والقضايا التي تشكل محل جدل وصراع مع المجتمع الدولي.

محاولات الاسترضاء التي تلت اعلان ظريف استقالته والسعي لترميم الصدع الذي حصل جراء زيارة الاسد، قد لا تساعد الزيارة التي اعلن عنها الوزير الايراني الى دمشق في الايام المقبلة، اذ بات عليه بذل جهود اكبر واوسع لاعادة تعبيد جسور التفاهمات السياسية مع الحليف الروسي الذي قد يتجاوز حدود التعامل المرحلي مع طموحات نتنياهو الانتخابي الى مسار أكثر تشدداً مع الوجود والدور الايراني في سوريا، من هنا يأتي القلق الايراني من الموقف الروسي في سوريا خصوصا وان الكرملين لم يبادر الى توضيح التصريحات التي ادلى بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بعد لقائه مع بوتن حول حرية النشاطات العسكرية الاسرائيلية ضد الوجود الايراني في سوريا او توضيح حدود القوات الاجنبية في سوريا الموجودة بطلب من حكومتها او غير الشرعية حسب التوصيف الايراني وحتى الروسي.

طهران التي بادرت الى توضيح الموقف الروسي، باضافة “الشرعية” على كلام نتنياهو في وصف القوات الاجنبية في سوريا، لتأكيد استمرارية وبقاء قواتها او ما تسميهم”المستشارين” في هذا البلد، لجأت الى المزيد من التصعيد باتجاه اسرائيل، عندما اكدت على لسان رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية وزير الخارجية الاسبق كمال خرازي بان “نتنياهو بحاجة الى استعراض القوة، لكنه يعلم جيدا ان اي تحرك ضد المصالح الايرانية سيكون بمثابة انتحار سياسي له”.

إقرأ أيضاً: ايران تسجن محامية دافعت عن النساء

مسارعة المؤسسة العسكرية والتي جرت معها قيادة النظام الى الاعلان عن “انتصار” في سوريا من خلال استقبال الاسد في طهران، قد يكون الهدف منه فرض قواعد جديدة امام الشركاء – الحلفاء والشركاء – الخصوم في الازمة السورية، من اجل تثبيت الموقع الايراني في المعادلة المستقبلية لسوريا والمنطقة، الا ان عدم الاخذ بالاعتبار التعقيدات التي لم تستطع قمة سوتشي الثلاثية الاخيرة ولا مسار استانه في وضع اطر تفاهم حول نقاط الخلاف بين هذا الثلاثي، اضافة الى التعقيدات التي يفرضها الموقف الامريكي امام الحل السياسي في هذا البلد، قد يؤدي الى اضعاف الدبلوماسية الايرانية دوليا التي سعت الى توظيف هذا الدور في تعزيز موقفها المفاوض، وان كان يعزز طرفا على حساب اخر في الصراع الداخلي.

السابق
لأول مرة في التاريخ.. مهمة فضائية للنساء فقط
التالي
قلق بريطانيّ من تعاظم قوّة حزب الله!