معركة محاربة الفساد… تصفية حسابات سياسية

الفساد
حديث الساعة اليوم في لبنان هو حديث الفساد، وهو حديث يدغدغ مشاعر اللبنانيين وأحاسيسهم لما له من وقع طيب في نفوسهم جراء ما يعانونه منذ سنوات وسنوات، وهو لذلك حديث مطلوب ومربح للسياسيين والأحزاب والشخصيات التي تتناوله - وما أكثرها - بغض النظر عن جدية الطرح وأهدافه.

بداية نقول أن الفساد هو آفة الآفات في لبنان ولا يختلف إثنان على أنه من الأسباب الرئيسية لما وصل إليه البلد من خراب، ولكن المشكلة في لبنان هي مشكلة معايير وتعريفات فما هو تعريف الفساد في لبنان؟ هل هو فساد سياسي أم فساد أخلاقي وإداري؟

في دول العالم المتحضر يعتبر فاسدا كل من يمد يده إلى المال العام بطريقة أو بأخرى، ويحاكم على هذا الأساس دون أي تدخل سياسي وتبقى القضية في إطارها القضائي لأن هناك فصل للسلطات حقيقي ما بين السلطتين السياسية والقضائية التي هي مؤسسات قائمة بذاتها ولا تداخل بينها كما هو الحال في لبنان. من هنا نرى أن الفساد الحقيقي في لبنان يبدأ من فساد نظامنا السياسي الطائفي الذي يتحكم بكل مجريات الأمور في البلد، وهو عبارة عن كانتونات طائفية زبائنية تحاصصية بحيث يختلط حابل السياسة والإقتصاد بنابل الطائفية والقضاء كما هو حاصل اليوم في قضية الـ11 مليار دولار والتي أصبحت كقضية إبريق الزيت بحيث تنبش كل فترة لتستخدم سياسياً.

اليوم والبلد على أعتاب مرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة التي كانت تقوم على تسوية لا غالب ولا مغلوب، بحيث شئنا أم أبينا هناك فريق يعتبر نفسه غالبا ولديه فائض من القوة داخليا ومدعوم من محور يعتبر نفسه أيضا منتصر إقليميا وقد تباهى بغلبته تلك عدة مرات ويبدو أنه يتصرف على هذا الأساس ، يبدو أن هناك محاولة لتصفية حسابات سياسية مع بعض الأطراف والشخصيات التي كانت رأس حربة في الصراع السياسي اللبناني منذ العام 2005 وحتى عام التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيسا للجمهورية ، تحت غطاء تصفية حسابات مالية الدولة كما هو الحال مع الرئيس فؤاد السنيورة، وتحت غطاء تصفية حسابات مذهبية داخلية كما هو حاصل مع النائب وليد جنبلاط الذي يتعرض منذ فترة إلى إستفزازات سياسية وبعضها عسكري عبر إستعراضات وئام وهاب التي كانت من الأسباب التي أدت لمشكلة الجاهلية الشهيرة. تصفية الحسابات هذه مع السنيورة عبر الحديث عن 11 مليار دولار صرفت بين عامي 2005 وال 2009 من خارج الموازنة التي هي أصلا لم تكن موجودة بفعل التطورات السياسية في البلد يومها، الملفت أنها تأتي على يد من كان قد تسبب بكل هذه التطورات السياسية والتي إتخذت مرات ومرات الطابع الأمني والعسكري والتي أدخلت البلاد يومها في مآزق متلاحقة إبتداء من حرب تموز وتداعياتها والدمار الذي نتج عنها ، وصولا إلى 7 أيار 2008 وما تركه من تشنجات في الوضع، مرورا بالإعتصام الشهير لأكثر من سنة ونصف وتخلله حصار السراي الحكومي وإقفال مجلس النواب وتعطيل البلد مع كل ما يحمله هذا من تداعيات على الإقتصاد والمالية العامة للدولة وعلى حسن سير الأمور، وكأن هناك من يريد إستكمال المعركة من حيث إنتهت بعد إتفاق الدوحة.

وهنا نطرح السؤال.. إذا كان الإحتجاج السياسي ضد الحكومة مشروع ويكفله الدستور والقانون، فهل إقفال مجلس النواب وهو المسؤول عن التشريع ومراقبة أداء الحكومة هو فعل حميد أم أنه نوع من الفساد السياسي الذي يترتب عليه بالضرورة فساد مالي نظرا لتخليه عن مسؤولياته الوطنية؟

اقرأ أيضاً: لا فساد في لبنان…

والسؤال أيضا لماذا الحديث عن سنوات حكم السنيورة فقط مع العلم أن الحكومات اللاحقة وخاصة حكومة ميقاتي والتي كانت حكومة حزب الله و 8 آذار قد صرفت في سنتين أكثر مما صرفت حكومة السنيورة. لهذا قلنا في بداية الحديث أن الفساد السياسي في لبنان هو أم وأب الفساد الإداري والمالي. من هنا إتخذت معركة الفساد التي أطلقها حزب الله عبر نائبه حسن فضل الله، طابع تصفية الحسابات السياسية لا المالية مع شخصية مثل فؤاد السنيورة ما جعل الإصطفاف الطائفي والحزبي يعود ويتشكل لدرجة أن المفتي أعلن بأن السنيورة خط أحمر لدى دار الفتوى ومن ورائها الطائفة السنية بأغلبيته. لسنا هنا بوارد الدفاع عن أحد سواء السنيورة او غيره ولكن السؤال لماذا لا تفتح الملفات بكاملها إبتداءً بمجلس الجنوب وصندوق المهجرين وملفات الكهرباء والنفايات وغيرها، ولا يقولن أحد بأن الملفات غير موجودة أو أننا بحاجة لدليل فالبلد صغير والكل يعرف بعضه البعض، والفساد يبدأ من البلديات والتي هي أدوات سياسية، ليصل إلى المجالس والصناديق المتعددة صعودا إلى الوزارات، وصحيح ما يقال بأن الفساد لا دين له ولا طائفة ولا حزب، لأنه الشيء الوحيد الذي يجمع للاسف في لبنان كل الأديان والطوائف والأحزاب بحيث غدا ألحزب الأكبر في لبنان، وما دام الجميع يتحفنا بمعلقاته عن الفساد وأضراره، فليتفضلوا كل طائفة ومذهب وحزب ويطهروا صفوفهم من الفاسدين أقله المعروفون للرأي العام والذين أصبحت سيرتهم على كل لسان، وإذا كان لا بد لهذا النظام الطائفي المقيت أن يستمر مرحليا، فعلى الأقل لنحكم ببعض الأوادم الموجودين في كل طرف كي لا نصل إلى يوم قد لا ينفع معه الندم . ولتكن الحرب على الفساد حربا حقيقية لا صورية ولا إنتقائية إنتقامية، وليكن الهدف الإصلاح الحقيقي بعيدا عن الكيدية، ولتكن المحاسبة تحقيقا للعدالة وإستعادة ما تيسر من الأموال المنهوبة لا للثأر السياسي، هكذا فقط نكون قد وصلنا إلى محاربة الفساد والتقليل من آثاره المدمرة إذا كنا فعلا نريد الإستقرار والتقدم.

السابق
لقمان سليم: هذا المعرض مديح للاختلاط اللبناني في معرض الذَّمّ!
التالي
الجملة السحرية التي يريدها حزب الله: السنيورة خط أحمر!