الأسد يتكلم في لبنان:هل نسيّ احدهم صوت الراديو مفتوحا؟

احمد عياش

لا جدال في أن  ميزان القوى في لبنان حاليا ،في حالة رجحان لمصلحة فريق “الممانعة” ،الاسم الاخر لفريق 8 آذار.وعند الغوص في تركيبة هذا الفريق اليوم يجد المرء انه ظاهرا يتكوّن من الفريق الذي أبصر النور غداة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. لكن مع التدقيق في هذا التكوين يتبيّن له ان هناك تميّزا لمن هو إمتداد لإيران وعلى رأسه “حزب الله” ،ومن هو إمتداد للنظام السوري الذي صار ضعيف التأثير الى حد كبير، والشواهد على ذلك كثيرة.

برزت في الساعات الماضية زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لدمشق ،وما رافقها من جدل لجهة حصولها بعيدا عن قرار إتخذته الحكومة مجتمعة.وعلى رغم ان الوزير الجديد، جزء من تكوين يضم وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر” برئاسة الوزير جبران باسيل،فهو محسوب اولا على دمشق على غرار زميله في هذه المجموعة حسن عبد الرحيم مراد وزير الدولة وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية الذي أعلن في أحدث تغريدة له على حسابه عبر “تويتر” ان سوريا “هي بوابة لبنان إلى الوطن العربي لتصدير منتجاته الزراعية والصناعية لما فيه مصلحة المزارعين والصناعيين”.

لا يزال موقف رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير باسيل الذي أقترح فيه وضع لوحة تؤرخ إنسحاب جيش النظام السوري من لبنان عام 2005 ، الى جانب سائر اللوحات التي إرتفعت فوق صخور نهر الكلب كشاهد على عبور جيوش بلبنان في  التاريخ القديم والمتوسط.ومهما كانت التوضيحات التي صدرت لاحقا لهذا الموقف من جانب صاحبه ،فقد بقي الموقف نقطة توتر بين قصر بعبدا وقصر المهاجرين لدرجة ان بعض المعلومات تحدث عن إستحالة زوال هذا التوتر في المدى المنظور،وبالتالي فإن دمشق تعتبر الوزير باسيل  شخصا غير مرحب به لزيارة العاصمة السورية.

في عالم التسويات التي حكمت ولا تزال تطورات لبنان في الاسابيع الماضية ، كان لا بد من منح نظام بشار الاسد حصة في تركيبة الحكومة الجديدة ،فكان الحل ان ينضوي وزيران محسوبان عليه تحت عباءة الرئيس عون.ولم يكن لهذا الحل أن يبصر النور لولا التدخل المباشر من “حزب الله” ومن أمينه العام السيد حسن نصرالله شخصيا.وفي معلومات من اوساط ديبلوماسية ل”النهار” ان مشكلة تمثيل “اللقاء التشاوري” الذي يضم نوابا من الخط السوري الواضح كليا ،والذي عطّل “حزب الله” بسببها ولادة الحكومة بضعة اسابيع ، جاءت على خلفية “أزمة” صامتة بين الحزب ودمشق بسبب تضاؤل النفوذ السوري في لبنان.

هل تعني زيارة وزير النازحين المثيرة للجدل لدمشق انها بداية مرحلة عودة نفوذ نظام الاسد الى لبنان؟ في رأي الاوساط الديبلوماسية ان الوقت لا يزال مبكرا للحديث إيجابا عن عودة نفوذ الاسد الى بيروت.وأعطت مثالا على ان الامور لم تعد الى مجراها الطبيعي، كما كان الحال قبل إنسحاب جيش الاسد عام 2005 ، ان معبر نصيب الحدودي بين سوريا والاردن لم يمنح الصادرات الاتية من لبنان التسهيلات اللازمة لكي تصل الى الاسواق العربية عبر البر.ولفتت الى ان الجهة الاكثر تضررا من الرسوم الباهظة التي يفرضها الجانب السوري على صادرات لبنان تنتمي بأكثريتها الى “البيئة الحاضنة” ل”حزب الله” في البقاع والجنوب التي تسعى الى تصدير منتجاتها الزراعية الى الاسواق العربية.فهل في هذا السلوك السوري لفتة غير وديّة تجاه “حزب الله”؟

عندما قرأ موقع “العهد” الالكتروني التابع للحزب الزيارة الاخيرة لوزير النازحين لدمشق ،لم يفعل ذلك بطريفة إحتفالية. بل تناول الزيارة بطريقة هادئة تمثلت بسؤال :”هل سيُنجز الملف في عهد الغريب؟” ويجيب :” يمتنع المتحدّث  (الوزير نفسه)عن الذهاب بعيداً في التفاؤل، لكنّه يعلّق آمالا كثيرة للعبور بهذا الملف نحو السكة الصحيحة”.

في تاريخ العلاقات بين لبنان وسوريا ،بعد نيّل البلديّن الاستقلال في إربعينيات القرن الماضي ،الكثير من المعطيات التي أثبتت نفوذ سلطات دمشق بسبب الجغرافيا.فلبنان يقع بين البحر الابيض المتوسط وإسرائيل وسوريا التي هي المعبر البري الوحيد له الى المنطقة العربية.وكان يكفي في العقود الماضية ان تغلق سوريا حدودها البرية مع لبنان لكي تمارس ضغوطا لمصلحتها في اي نزاع بين البلديّن.لكن هذه الصورة تغيّرت بعد إنهيار النظام السوري في الاعوام الماضية .ومن ابقاه على قيد الحياة هو إيران اولا ثم روسيا ثانيا.ولهذا فإن قرار الحدود لسوريا مع المحيط لم يعد بيد الاسد بل بيد حماته وهذا ما يجعل تأثير رأس النظام السوري محدودا في لبنان وغير لبنان.

لو عاد المرء الى “السلوك غير الودي” للوزير باسيل في الدعوة الى رفع لوحة الجلاء السوري لوجد فيه “نكهة إيرانية” على حد تعبير اوساط مواكبة.وعندما قبل الرئيس عون ان يستضيف التمثيل السوري في كتلته الوزارية فهو بمثابة “خدمة” يؤديها الى حليفه “حزب الله”.وهو يعلم علم اليقين ان وصول خليفته (باسيل) الى سدة الرئاسة الاولى سيكون بدعم من وكيل إيران في لبنان وليس بإرادة النظام في دمشق.

هل من خلاصة بعد هذه المعطيات؟ ما تقوله اوساط وزارية ل”النهار” ان الايام ستثبت أكثر فأكثر ان كلمة دمشق في لبنان باتت محدودة جدا.والامر يشبه جهاز راديو يعلو صوته لإن احدهم نسيّ ان يقفله.هذا هو واقع صوت الاسد الان في لبنان!

 

إقرأ أيضاً: خطاب الأسد في علم النفس

السابق
موتوسيكل محكوم بـ«الحجز المؤبّد»: ممنوع من التسجيل!
التالي
هل يفعلها المجلس الدستوري اليوم… ويمشي؟