أنا منحاز إلى النجف!

السيد محمد حسن الامين

كثيراً ما يتداول أهل العلم وطلبة العلوم الدينيّة بشأن المفاضلة بين حوزتي النجف الأشرف وقم المقدّسة، فيرى البعض أنّ حيويّة قم أميز، فيما يرى آخرون رزانة الحوزة النجفيّة؟
يجيب العلامة السيد محمد حسن الأمين: “طالما سُئلنا عن الفرق بين الحوزة العلمية الدينيّة الشيعية في النجف الأشرف والحوزة العلمية الدينيّة في قم المقدسة، والملاحظ أن البعض لا يرى فرقا بين هاتين الجامعتين نظرا لكون مناهج الدراسة الدينيّة بين الحوزتين متماثلة أو متشابهة على الأقل، ولكن من جهتي ـ وهذا ما يشاركني فيه كثير من الأخوة العلماء ـ فإني أعتقد بأن ثمة فروقا، وهي فروق قد تكون طبيعية إذا نظرنا الإطار الذي تقع فيه كل من الجامعتين، أو الحوزتين، وانتبهنا إلى أن حوزة أو دائرة مختصة بشؤون العلم والمعرفة لا بد لها أن تتأثر وتؤثر في المحيط الذي توجد فيه، وبالنظر إلى الحوزتين المذكورتين، فإن أبرز ما يمكن أن نلحظه في اختلاف المحيط الذي تقعان فيه، هو كون النجف الأشرف تقع في محيط عربي بينما الأخرى تقع في محيط بشري وفكري وثقافي غير عربي، وإذا نحن تعمقنا في مؤثرات اللغة على المعرفة وخاصّة إذا كانت هذه المعرفة فرعا من العلوم الإنسانية، وكانت اللغة ذات أثر فعال في موضوعاتها ومسائلها فإننا نعتبر حوزة النجف أكثر ارتباطا لجهة العلوم التي تقدمها أكثر ارتباطا باللغة العربية وخصائصها ومميزاتها، وهذا ليس أمرا غريبا فالإسلام تجسد بالقرآن الكريم، وهو ذروة اللغة العربية من جهة، كما أن بداية العلوم الشرعية وتطورها كانت مادتها اللغوية هي العربية، ويمكنني أن أذهب إلى أبعد من ذلك، فأشير إلى أن اللغة العربية التي تم انتاج العلوم الإسلاميّة بواستطها كانت لغة بسيطة، وفطرية إلى حد كبير، وعندما تترجم اللغة العربية أو أي لغة أخرى، عندما تترجم إلى لغة ثانية سوف تخسر بالتأكيد الكثير من روحها ومن خصائصها على النحو الذي يجعل النص المترجم نصّاً ضعيفاً وغير مؤهل تأهيلاً كاملاً لنقل المحتوى الذي تتضمنه هذه اللغة، وهذا ما حصل فعلا عندما تم نقل العلوم الشرعية من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية”.

اقرأ أيضاً: المحكمة الخاصّة لرجال الدين

ويتابع: “أما بشأن اللغة الفارسية، فلا بدّ أن نلحظ أمراً يتعلق بتراث هذه اللغة، وبما يحتشد في هذا التراث من خصائص تتعلق بالمضمون وبأسلوب الأداء، فإن هذه الخصائص وهذا الأسلوب، وهو يؤدي المفاهيم الجديدة بالنسبة له، وهي مفاهيم الإسلام وشريعته لا بد أن يتأثر بروح اللغة الفارسية وبحساسيتها، وهذا ما نلاحظه ليس في اللغة الفارسية التي كتب فيها علماء الفرس، بل نلاحظه في اللغة العربية التي كتب فيها علماء فارسيون لجهة ضعف الروح العربية، وبدت لغة هؤلاء العلماء وكأنها ترجمة من الفارسية إلى العربية، ومن خصائص اللغة الفارسية وتراثها هو العلاقة بالموضوعات الفلسفية وما تتضمنه من تعقيدات ذهنية وفكريّة، وهذا ما انعكس مع الأسف على بعض كتب الدراسات الأصولية والفقهية التي تدرّس في جامعة النجف نظراً لشدّة تأثير العلماء الفرس حتى على حوزة النجف، وهذا الأمر وإن يكن فيه بعض الإيجابيات لجهة الإستفادة من ثقافة اللغة الفارسية إلا أنه جعل العلوم الشرعية وخاصّة علم الأصول علماً معقّداً ومليئاً بكثير من الزوائد، ومزجت إلى حد كبير بينه وبين المسائل الفلسفية، وفي كل الأحوال فإننا نقر بأن الإسلام رسالة وخطاب لجميع الأمم، ومن الطبيعي أن تتلقى الأمم هذه الرسالة بأسلوبها الخاص، متأثرة بتراثها الخاص أيضاً، سواء كانت هذه اللغة عربية أو فارسية أو حتى التلقي بلغات أخرى، ولكن يبقى أن اللغة العربية هي اللغة الأم التي نزل فيها القرآن، والتي كانت المادة الأولى لنشوء العلوم الإسلاميّة بدليل أن الفرس وغيرهم كانوا مضطرين لتعلّم اللغة العربية من أجل فهم القرآن والحديث النبوي، وسائر العلوم التي نشأت في القرون الثلاثة الأولى لنزول الإسلام، و مادتها اللغة العربية”.

اقرأ أيضاً: السيد الأمين: عن ضرورة التفاعل بين الدراسة الفقهية والدراسة الأكاديمية

ويستطرد: “فيما تقدم أرجو أن لا ينظر إلى هذه الرؤية بوصفها نظرة قومية عنصرية، فليس من المقصود أن يتخلّى المسلم غير العربي عن لغته أو عن انتمائه القومي، بل لا بدّ من الإعتراف أن علماء وفلاسفة ومحدثين من الفرس والترك وغيرهم قد أضافوا الكثير إلى العلوم الإسلاميّة، ولكن ذلك لا يمنع أن نشدد على تعريب علومنا الإسلاميّة، وهذا في نظرنا لا يمكن أن يتم إلا في محيط عربي وبيئة عربية، والنجف بالمقارنة إلى قم هي المحيط الأصلح بنظرنا لتحقيق هذا الأمر، فإذا أضفنا هذه المعطيات إلى معطى آخر، وهو السبق الزمني الطويل لقيام جامعة النجف الأشرف، وتأسيسها على يد الشيخ الطوسي، منذ أكثر من ألف سنة، وقبل زمن التشيع في إيران، وبالتالي تأخر قيام الحوزة العلمية في قم بمئات السنين عن حوزة النجف، فإننا من أجل ذلك نحن منحازون لا إلى إلغاء حوزة قم، بل إلى أولوية حوزة النجف الأشرف”.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
الرتابة تهدد الانطلاقة الجديدة لـ«Arabs Got Talents»
التالي
رفض إسلامي حاد لـ «الزواج المدني» وحزب الله يفصح عن رأيه