لبنان: الفاسدون الكبار والفاسدون الصغار

النفايات
متى تفسد الدولة؟

تفسد الدولة حين يتحكم بها الفاسدون
نظريا لا توجد دولة فاسدة بل يوجد سياسيون فاسدون في الدولة.
الدولة مؤسسة عامة تصلح بصلاح القائمين عليها وتفسد بفساد من يديرها.
لنأخذ عل سبيل المثال الذين يلوثون نهر الليطاني.
لا يستطيع هؤلاء تلويث النهر الأكبر في لبنان من دون أن يكون لهم مخالب فاسدة في الدولة
فهناك من وفر لهم غطاء البداية ودرع الإستمرار
هذا ينطبق على معضلة النفايات، فحين اختلف من يديرون الدولة على إدارة شركات إزالة النفايات، جلبوا إلى لبنان الهواء المسرطن.
ما ذنب الدولة هنا؟
لا ذنب للدولة بل ذنب المتحكمين بالدولة
من يحميهم؟
لا تحميهم الدولة إنما يحميهم الفاسدون الذين احتلوا الدولة.

اقرأ أيضاً: حقيقة اتهامات النائب فضل الله تكمن بين السياسي والأستاذ الجامعي!

وعلى ذلك يمكن القياس وضرب الأمثلة واستحضار المتشابهات وقصص الفساد بأقصرها وأطولها وأضيقها وأعرضها.
لكن فساد الفاسدين في الدولة ليس كل الفساد.
هذا حق يقال
ولا بد أن يقال ان سلطة الفساد في الدولة تدفع الى الفساد العام
والفساد العام يمارسه الناس على الناس
الأقوياء على الضعفاء
والمستكبرون على المستضعفين
الأقوياء من الناس الفاسدين يساعدهم الأقوياء الفاسدون في الدولة
فالغذاء الفاسد الذي يباع في الحوانيت والدكاكين والمطاعم الكبرى والصغرى
ذاك فساد يمارسه أقوياء الناس الفاسدون المدعومون من الأقوياء الفاسدين في الدولة.
ومن يبيع المياه الملوثة يمارس فساد الأقوى من الناس على الأضعف من الناس.
ولا يمكن أن يوجد فاسد قوي من الناس ليس له مخالب قوية من أهل السياسة الفاسدين.
ومن يقيم “جمهورية مستقلة” أو “حكما ذاتيا” فينصب العواميد و”الخوازيق” أمام محله التجاري أو مطعمه أو فرنه أو “محل عصيره”، إنما يمارس فسادا محميا ومدعوما من أهل السياسة الفاسدين.
هذه خطورة يجب الإقرار بها
الفساد من “تحت” يحميه الفساد من “فوق”
وحتى يستمر الفساد من “فوق” يعمل على حماية الفساد من “تحت”.
هي معادلة ولعبة تواطؤ بين الفاسدين الكبار والفاسدين الصغار.
فالفاسد الصغير هو “زلمة” الفاسد الكبير.
والفاسد الكبير بحاجة الى الفاسد الصغير.
رب سائل يسأل هنا: ما العمل؟
أول العمل يبدأ بالإيمان المطلق بوجوب وضرورة وجود الدولة.
وأول الإثم يبدأ بإضعاف الدولة.
ويبدأ التصحيح بعدم اليأس من غياب الدولة أو قصورها أو فجورها أو فسادها.
وهذا يشبه الإيمان المطلق بالصدق، فإنتشار الزيف والتزوير والدجل لا يقتضي اليأس من غياب الصدق والمصادقة على نقائضه وأضداده.
فالدولة هي القيمة العليا للإنتظام البشري
وهي المصلحة العليا للإجتماع البشري
فلا انتظام ولا اجتماع ولا وئام ولا سلام ولا آمان للبشر المقيمين على أرض واحدة بدون وجود الدولة.
وقديما كتب الفارابي عن “الدولة الفاضلة” واعتبر أن الدولة هي الفضيلة العليا.
و من أراد ان يكون فاضلا عليه الإيمان بالدولة بل واختراع الدولة.
وكل فعل فضيل يحيد عن جادة الدولة يبقى خارج الفضيلة الكبرى أو الفضيلة العليا.
وأما لماذا الدولة هي الفضيلة العليا؟
فلأنها تُعنى بشؤون البشر
ولأنها ترعى مصالح الناس
ولأنها فوق نزاعات المصالح
ولأنها فوق خصومات السياسة
ولأنها فوق الأحزاب وفوق الجماعات.
ومبتدأ طريق الفضيلة نحو الفضيلة العليا، أي الدولة، يكمن في صوغ المسافة بين الفعل السياسي الذي تمارسه الجماعات والأحزاب وبين الدولة كقيمة عليا.
وهذا يفترض إبعاد الدولة عن تهلكة العصبيات
والعصبيات غالبا ما تكون لجماعة أو طائفة أو حزب
وإذا كان المنطق يقر بأن الأحزاب لا تبقى ولا تستمر بدون عصبيات، إلا أن المنطق يجب ألا يعترف بالعصبيات الحزبية أو الطائفية التي تعلو على الدولة، فالعصبيات في هذه الحالة تغدو ذرائع ومبررات لأحوال “الفلتان” والفوضى وشيوع الفساد.
مرة ثانية: من أين يبدأ إصلاح الدولة؟
من عدم التعايش مع الفوضى كأنها قدر محتوم
من عدم تبرير السرقة والنهب بذريعة العوز والحاجة
من عدم تبرير خرق القانون بحجة غياب الدولة والقانون
من عدم تبربر الفساد لأن الآخرين فاسدون
من الإعتقاد بأن السياسة فعل إنساني وليست لعبة شياطين
وبأن السياسة هي تعبير حضاري ـ اجتماعي ناجم عن خروج الإنسان من الغابة وأهوالها إلى الإنتظام البشري العام واستقراره.
وبهذا المعنى تكون الدولة منتوجا لهذا الطور الحضاري فهي:
ـ المؤسسة العامة ـ المصلحة العامة ـ الإجتماع العام ـ العقل العام، وأي أذية تلحق بهذه المؤسسة أوهذه المصلحة، هي أذية تلحق بالجميع، أفرادا وجماعات، وحين يبرر الفرد فعلا فاسدا لزعيم أو مسؤول، فإنما يلحق الأذية بنفسه ويكون عدوا لنفسه، فالفساد مترابط وليس له حدود ولا مساحة ولا مسافة.
في اللغة العربية، الفساد يقابله الإصلاح، أي ضده، وسبق القول إن الإصلاح أو الفساد ، هما ثمرة العقل، إيجابا أو سلبا، بمعنى كيف نفكر، ولذلك قيل إن العقل قادر على تحديد الخير من الشر، و يقال لأصحاب الأفكار المستقيمة بأنهم “أصحاب عقول”، إلا أن هناك من يضع الضمير فوق العقل، خصوصا أن العقول قد تختلف ولكن الضمائر دائما تأتلف، ولهذا قيل:
إن الدولة هي الفضيلة العليا
هي الأخلاق العليا
هي الضمير الجماعي الأعلى
هل أعدنا القراءة؟
الدولة هي ضمير الجماعة والضمير الأعلى للجماعة
يا أصحاب الضمير …

السابق
حنكش: لهذا السبب حجبنا الثقة
التالي
حزب الله: وحده لا شريك له في لبنان