الحريري: لبنان ليس دولة تابعة لأي محور.. ولا مجال لحرامية الحصص وقناصي الفرص

النص الحرفي للكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة سعد الحريري في الذكرى الـ14 لاغتيال الشهيد رفيق الحريري.

أتشرف بداية بالترحيب بكل الأصدقاء والحلفاء والرؤساء وممثلي الدول الشقيقة والصديقة. وأخص بالترحيب، موفد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الأخ ن ازر علولا الذي يحضر بيننا ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، شهيد لبنان والعروبة وحبيب لبنان والمملكة. من منكم لا يذكر في هذه الأيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ من لا يقول “رزق الله” على أيامه… “رزق الله” على زمن “البلد ماشي… والشغل ماشي”. و”رزق الله” على بيروت حين كانت تغلي حركة ونشاطا وسياحا وشبابا وشابات من كل لبنان؟ اليوم، ككل سنة، مجتمعون بعد ١٤ سنة على جريمة الاغتيال، وبعد ١١ سنة على انطلاق المحكمة الدولية. مجتمعون وحلم رفيق الحريري لا ازل معنا. ومشروعه للإعمار والنمو والاستق ارر على لسان كل لبناني يريد أن يعود العمل إلى البلد. بعد بضعة أشهر، تنعقد جلسة الحكم في قضية الرئيس الشهيد ورفاقه. وبتنا نستطيع القول، أن سنة ٢٠١٩ هي سنة العدالة التي ننتظرها لنعرف الحقيقة. كثر يقولون أن الحقيقة معروفة، والحكم تأكيد لشيء معلوم. لكن الحقيقة بالنسبة إلينا، لا تكون حقيقة، إن لم تصدر بشكل واضح ورسمي عن المحكمة الدولية. ولا نرى ولا نقبل أن نرى الحكم طريقا للانتقام وردات الفعل. الحكم هو طريق للعدالة ورفض التغطية على الحقيقة مهما كانت قاسية.

رفيق الحريري لم يستشهد ليخرب البلد. شهادة رفيق الحريري وحّدت اللبنانيين. ولن نعطي أحدا أي فرصة، ليجعل من الحكم على المتهمين أداة للفتنة بين اللبنانيين. من قتل رفيق الحريري كان هدفه تخريب لبنان، ومنع اللبنانيين من المطالبة برفع اليد عن ق ارر البلد. ومن قتلوه يعرفون، ماذا يعني وقوف رفيق الحريري، بحجمه وعلاقاته وإمكانياته وشعبيته، بوجه السلبطة على الدولة وق اررها. لم تنفع معه كل محاولات الترغيب والترهيب. خّونوه وشنوا عليه أعنف الحملات السياسية والإعلامية… لكنها لم تنفع. عطلوا مشروعه وهددوه بالسجن والطرد من البلد وبتكسير بيروت على أرسه… ولم تنفع…. قتلوه. بعد ١٤ سنة، ما ازل رفيق الحريري قضية حية في وجدان ملايين اللبنانيين والعرب. أولاً… لأن رفيق الحريري، شخصية لا تنسى، وأنتم عرفتموه وأحببتموه وعشتم معه. وثانياً لأن اغتيال رفيق الحريري…كان محاولة لاغتيال حلم لبنان. والنتيجة ترونها من ١٤ سنة. من العام ٢٠٠٥ والبلد ممسوك بالتعطيل والأزمات والمناكفات وت ارجع الخدمات والنمو والعمل وفرص العمل. لهذا السبب، كثر من الناس، حين تريد أن “تفش خلقها” تسأل… وينك يا رفيق؟ وين الحلم؟ رفيق الحريري لم يعد إلى البلد ليشارك بالحرب.. ولا عاد ليقيم اصطفافا مذهبيا ولا لتغليب طائفة على الطوائف الأخرى. بعد اتفاق الطائف، عاد رفيق الحريري لتغليب دور الدولة والمؤسسات والشرعية. عاد ومعه خيرة الشباب والخب ارت من كل الطوائف، ليشارك في وقف الحرب. ليعمر، ويبني، ويفتح مدارس وجامعات وطرقات. عاد ليقول لبنان جمهورية ومؤسسات وقانون ودستور ودولة للعيش المشترك، وليس ساحة مفتوحة لحروب الآخرين، ولا لص ارع الطوائف على السلطة. وضع على أرسه خوذة العمل ونزل على الأرض، ليرفع المتاريس من قلب بيروت، وليلغي الخنادق بين شرقية وغربية، وليقول نحن أبناء وطن واحد، و”ما في حدا أكبر من بلدو”. في كل تاريخه وتاريخنا، ليست على أيدينا نقطة دم، لكننا دفعنا دما من خيرة رموزنا وشبابنا.. لم نتعاط بالسلاح، ولا فتحنا م اركز تدريب للمسلحين، لكن فتحنا الباب لأكثر من أربعين ألف شاب وشابة، أقاموا أكبر جيش للخريجين من كل لبنان ومن كل جامعات العالم. أمامنا اليوم ورشة عمل كبيرة في الحكومة ومجلس النواب. وجوه الخلل والتقصير يتحدث فيها الناس كل يوم، من الكهرباء إلى البيئة والخدمات والهدر والتهريب وغيرها. قضينا عشر سنين نربط مصير البلد بمصير حروب المنطقة… شد حبال وخلافات دفعنا ثمنها من استق اررنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي. اليوم نقف عند مفترق طرق… إما أن نبقى غارقين بالكلام والخلاف، وإما أن نأخذ الق ارر بأن نبدأ جميعا ورشة العمل. الوقت ليس لعرض العضلات، ولا للنكايات وتصفية الحسابات، ولا للتنظير على الناس بكلام ملوا سماعه. زمن… “عّلي وخود جمهور”، لم يعد ينفع، ولا يبني دولة، ولا يرفع النفايات من الطرقات. زمن الم ازيدات ليل نهار، بالن ازهة والأخلاق وتوجيه الاتهامات صعودا ونزولا لم يعد ينفع، خصوصاً بالنسبة إلى الجيل الجديد، الذي يريد أفعالا وعملا وفرص عمل وإج ارءات وقوانين تحارب الهدر والفساد، ويريد أن يرى دولة نظيفة… وليس أشباه دويلات للأح ازب والطوائف. بين أيدينا برنامج واضح، له تمويل وآليات عمل واضحة الأساس، فيها الشفافية والإصلاحات. ولا مجال للهدر ولا للصوص الحصص وقناصي الفرص. برنامج للاستثمار بمشاريع وخدمات في كل المناطق، خصوصاً المناطق المحرومة… وهذا الكلام موجه إلى كل اللبنانيين، إلى أهلنا في عكار الذين أمثلهم أنا شخصيا في الحكومة، إلى أهلنا في المنية والضنية وكل الشمال. وأهلنا في جبل لبنان وكل البقاع من بعلبك الهرمل إلى الغربي والأوسط، وأهلنا في صيدا وكل الجنوب… وإلى كل مواطن في بيروت ينتظر حلولا للكهرباء والنفايات وأزمات السير. إذا ليس هناك من منطقة أو أحد يشعر أنه غير ممثل بالحكومة. أنا سعد الحريري بخدمة كل المناطق والناس… وتأكدوا تماماً، أن برنامج العمل ليست له هوية طائفية أو مناطقية… هوية العمل لبنانية بامتياز، لكل الناس وكل المناطق.

هذا البرنامج لم يهبط على البلد بالبيان الوازري، ولا هو خطة يتم تهريبها بغفلة عن أحد في مجلس الوز ارء. هذه خطة تعمل عليها الحكومة منذ سنة ونصف السنة، عرضت على كل الأح ازب والقوى السياسية في الحكومة، وأتت بعد اجتماعات عمل مع أكثر من ١٦٠٠ بلدية في السراي الحكومي. البرنامج صناعة لبنانية بامتياز، ومؤتمر سيدر تبناه، شرط أن تلتزم الدولة قواعد الشفافية والإصلاحات وم ارقبة الجهات الدولية المختصة لتنفيذ المشاريع. هذا يعني، أن المجتمع العربي والدولي وقف معنا، وحّملنا مسؤولية التصحيح والتنفيذ. الكرة اليوم في ملعبنا، والتحدي مطروح أمام الجميع، وأنا أ اره تحد شخصي، للعهد ولي وللحكومة ولمجلس النواب. هناك كلام يقال، أن البلد سيرهن نفسه لمزيد من الديون، وأن الدولة تعرض نفسها للبيع خارجا. اسمحوا لي أن أقول، أن هذا الكلام ليس له أي علاقة بالاقتصاد وبرنامج الاستثمار. كلام للنق والتعطيل يأتون به من كتب قديمة للعرقلة… وشخصياً لن أسكت تجاه أي محاولة لتعطيل العمل وعرقلة برنامج الحكومة. الجميع يقول أن الوضع لم يعد يحتمل… ليتفضل الجميع ويشارك في ورشة إنقاذ الوضع. ليس هناك مجالا للبهورة على حساب الدولة والناس. إذا كنا جميعا في مجلس الوز ارء ومجلس النواب غير قادرين على أن نجد حلولا لمشاكل البلد، ولا قادرين أن نسير بالإصلاحات وتأمين الخدمات… لنذهب إلى بيوتنا أفضل. الحكومة اليوم تطلب الثقة من المجلس النيابي. وبهذه المناسبة أريد أن أتوجه إليكم، جمهور رفيق الحريري، جمهور تيار المستقبل، لأجدد طلب الثقة منكم. هذه الثقة كبيرة وعزيزة على قلبي، سأحملها وأنزل بها غدا إلى مجلس النواب. نحن نريد ورشة عمل، إذا كان غيرنا يريد ورشة م ازيدات، ليتحمل هو المسؤولية. في هذا المجال، نحن نتمنى “صفر” مشاكل على طاولة مجلس الوز ارء، وصفر مشاكل وسجالات مع كل الشركاء بالوطن… لأن لا شيء يجب أن يتقدم، على استق ارر البلد وإنهاء مهزلة انقطاع الكهرباء ومشاكل النفايات والصرف الصحي وم ازريب الهدر والفساد.

لا أقول أوقفوا النقاش حول برنامج الحكومة وحول قضايا أساسية في البلد. لأنه من غير المعقول أن تكون هناك حياة سياسة طبيعية وسليمة، من دون نقاش وحوار ومعارضة وتبادل أفكار. لكن من غير المعقول، بعد كل الجهد الذي بذل في مؤتمر سيدر ومع المجتمع الدولي، أن نعود إلى سياسية “دق المي… مي”، أو أن يعود مجلس الوز ارء ساحة
للنكايات السياسية. فخامة الرئيس عون ودولة الرئيس بري وأنا، أخذنا ق ار ار بتحويل مجلس الوز ارء ومجلس النواب خلية عمل. هناك فرصة من غير المسموح أن تضيع. الوجع معروف. والعلاج معروف… الق ارر بيدنا والتنفيذ بيدنا. فإما أن نخوض التحدي ونتعاون جميعا، وأشدد على كلمة جميعا، لنأخذ البلد إلى فرصة إنقاذ حقيقية، وإما نترك البلد يغرق بالجدل البيزنطي حول جنس الحلول. الأمن الاقتصادي والاجتماعي هو بأهمية الأمن السياسي. لهذا السبب، أمد يدي للتعاون مع كل القيادات والأح ازب دون استثناء. وأعرف سلفاً أن هناك قضايا خلافية لن تشطب بجرة قلم من حياتنا. البيان الوازري أجرى مقاربة لكثير من القضايا، على قاعدة تدوير الزوايا، ووجدنا مخارج في النص لعناوين خلافية عديدة. إنما يهمني اليوم أن أؤكد على 3 أمور: الأمر الأول اتفاق الطائف. الاتفاق هو الدستور وصيغة الوفاق الوطني، والقاعدة الأساس للعيش المشترك بين اللبنانيين. والكلام عن الطائف واضح ومباشر في البيان الو ازري، وغير خاضع للتأويل والتفسير. وإذا أردنا أن نكون صريحين، نقول أن الخروج على الطائف كان يتم أيام الوصاية السورية، عن طريق التدخل بكل شاردة وواردة بشؤون الدولة… أما اليوم، فنسمع كلاما واضحا من فخامة الرئيس عن الطائف، وكلاما صريحا ومسؤولا من قيادات أخرى تؤكد الت ازم الطائف وعدم الخروج عنه، لحدود التخلي عن آ ارء كالمؤتمر التأسيسي وغيرها.

في كل الأحوال، ليس سعد الحريري من يمكن أن يتنازل عن الطائف، أو يقبل بخرق الطائف… نحن ح ارس اتفاق الطائف، بالأمس واليوم وغدا! الأمر الثاني، موضوع النازحين السوريين. مصلحة البلد أن يعود النازحون إلى سوريا بك ارمتهم وبالشروط التي توفر لهم السلامة والأمن. أفضل أمر نقدمه للنازحين أن نعمل لنعيدهم إلى بلادهم… بشكل طوعي. وأشدد على كلمة طوعي. وانفتاحنا على المبادرة الروسية يصب في هذا التوجه، والمطلوب من المجتمع الدولي خطوات عملية إضافية، تنهي مأساة النزوح وتزيل عن أكتاف الدولة أعباء اجتماعية وخدماتية ومالية في كل المناطق. وقناعتي أن النظام في سوريا، يريد أن ينتقم من النازحين ويضع شروطا على عودتهم. والموضوع لا يتعلق بنا. انظروا إلى الأردن… الدولة على اتصال مع النظام ولا نتيجة جدية معه. حتى تركيا التي أعلنت رسمياً عن وجود اتصال أمني بينها وبين النظام، لم تصل إلى نتيجة معه أيضا. لا يحاولن أحد أن ي ازيد، لأن تنسيق بعض الأجهزة الأمنية في لبنان قائم مع الجانب السوري لتفعيل عودة النازحين. لأن هدفنا بكل بساطة عودتهم إلى بلادهم وإنهاء الظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها. لكننا لا نستطيع أن نكون ولا نقبل تحت أي ظرف، أن يكون البلد أداة لتسليم النازحين رهائن للنظام. الأمر الثالث الذي أود أن يسمعه الجميع جيدا لأن فيه كلاما كثي ار عن المحاور في المنطقة: لبنان، أيها الأخوة والأخوات، ليس دولة تابعة لأي محور. وليس ساحة لسباق التسلح في المنطقة. لبنان دولة عربية مستقلة، لها دستور وقوانين ومؤسسات والت ازمات عربية دولية، دولة أكدت على الت ازم النأي بالنفس. وأي أمر آخر يكون وجهة نظر لا تلزم الدولة ولا اللبنانيين. أقول قولي هذا وأستغفر الله.
عشتم. عاش لبنان…

السابق
14 عاماً على استشهاد رفيق الحريري..هل نالوا من لبنان؟
التالي
بالفيديو: رفيق الحريري.. حكاية إنسان