كيف نصنع من لبنان… دبي؟

بيروت دبي
انتهت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى لبنان، بعد لقاء أخير جمعه مساء أمس برئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الكبير، العائد بدوره من الإمارات، التي صرح منها قائلاً: "أريد أن أجعل بيروت مثل دبي".

ظريف الذي وصل الى السراي بعد لقاء جمعه بأمين عام حزب الله حسن نصرالله، غادر لبنان حاملاً رفضاً ديبلوماسياً من الحريري، كجواب على عرض المساعدات الإيرانية العسكرية والإقتصادية غير الواقعية، التي حاول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله منذ أيام اقناع الحكومة الجديدة بها.

وأتى هذا الرفض من الحريري بقوله: “الحكومة تنطلق في برنامجها للنهوض من مصلحة الشعب اللبناني ومصالح لبنان العليا، ولبنان يحترم تعهداته والتزاماته تجاه المجتمعين الدولي والعربي”.

الباب الديبلوماسي التي دخلت به ايران اليوم، لاقى معاملة لبنانية بالمثل، وخصوصاً عند الرئاسة الثالثة، فعلى الرغم من جواب الحريري على موضوع المساعدات، إلا أن اللقاء أكد على تنمية العلاقات الثنائية، واستعرض أوضاع المنطقة لا سيما ملف النزوح السوري.

اقرأ أيضاً: هذا ما يحتاجه لبنان من إيران يا ظريف

لا شك أن الإغراءات الإيرانية ليست من باب الحرص على لبنان ومساعدته “لوجه الله”، ويعلم الحريري ذلك، فهو غير مستعد أن يسلم لبنان الى إيران بالوقت الذي يريد به تحويل لبنان الى دبي.

فلا يمكن على لبنان أن يتحول الى دبي بـ”عدة شغل إيرانية”، وفي الوقت عينه، لا يمكنه الشروع بتحويل بيروت الى دبي، أو بمعنى أفضل، بإعادة بيروت الى بيروت التي أثارت “غيرة” الشيخ محمد بن راشد سابقاً”، بخصومة تامة مع طهران.

ولكي نعود الى الواقع، بعيداً عن تلك الأحلام التي نتمنى تحقيقها، لا يمكننا اليوم أن نقارن تركيبتنا الداخلية، وطريقة حكمنا بما هو الوضع عليه في الإمارات. فلا ثلاث رئاسات هناك، ولا 18 طائفة هناك، ولا محاصصة حكومية هناك، ولا سلاح خارج عن الشرعية هناك، ولا مخيمات نزوح ولجوء هناك.

في دبي، لا يقف مرسوم توظيف الناجحين في مجلس الخدمة المدنية لأغراض طائفية.

في دبي، لا انتحار بالنار، لأب ترفض مدرسة ابنته اعطائه إفادة خروج لها قبل دفع أقساطها.

في دبي، لا مافيا مولدات كهربائية، لأنه لا مولدات كهربائية أصلاً، ولا ولا ولا..

قد يختلف البعض على سياسات خارجية للإمارات، لكن من لا يرى التحول الكبير والتقدم السريع داخلياً، وفي كل المجالات، فهو يحجب الواقع عن عينيه.

في لبنان، كل شيء إذا لم يتراجع، يبقى على حاله دون تجديد، فمناهجنا التعليمية على ما هي، كتب صادرة منذ عقد وأكثر لا يعدل بها حرف، وأساتذة ملتزمون بأسلوب تقليدي، بحشو لا يدوم في ذهن الطالب، وضغط دراسي عليه، يجعل من العلم أكبر هم لديه.

أما في الرياضة، وفي وقت نرى معايير عالمية لملاعب الإمارات كما شاهدنا خلال بطولة آسيا الأخيرة، نفتقد أدنى معايير البيئة الرياضية المناسبة للتطور، فلا منشآت ولا ذهنية تعمل على تطوير اللاعب اللبناني الذي يضطر لاعتبار الرياضة التي يمارسها كعمل ثانوي.

في لبنان، الإدارة والقوانين في زمن، والعالم من حولنا في حقبة زمنية مختلفة.

في لبنان، موظفو دولة في مصلحة سكك الحديد، ولا سكك حديد تعمل ولا قطارات تسير.

في لبنان، مواطن يسعى لأن يعمل في وظيفتين وأكثر لتأمين عيش كريم، ومواطن يعيش مع 35% من المواطنين العاطلين عن العمل.

ولكن لنحلم مجدداً، ولما لا؟ لنسأل ماذا رأى الشيخ محمد بن راشد في بيروت كي يستنسخها في بلاده؟

قد يكون أعجب بإعادة تأهيلها بعد الحرب، قد يكون شاهد تنظيم لبنان لبطولة آسيا عام 2000، قد يكون زار جامعاتها ومستشفياتها، التي صدرت كبار الطاقات الى الخارج.

قد يكون استمتع بهوائها، فعمل على تبريد بلاده، قد يكون نظر الى جبالنا البيضاء من بيروت، وسارع لاصطناع جبال مشابهة، قد يكون مشى في شوارعها عندما كان “البلد ماشي.. والشغل ماشي”.

لما لا نعيد تلك الأمجاد؟، على ماذا يستند سعد الحريري لتحقيق ذلك؟

لا شك أن وجه لبنان ما بعد ال2005 ليس كما قبله، لا شك أن الشهيد رفيق الحريري أظهر لبنان بشكل شاب بعدما شيبته الحرب الأهلية، ولا شك أن الحريري الإبن يريد فعلياً استكمال ما بدأه والده.

اقرأ أيضاً: هروب أمين المقاومة من أزمات الداخل بخطابه السياسي حول الخارج

ما بدأه رفيق الحريري، استكمله بن راشد في دبي، وهذا ما دفع الحريري الإبن للقول بأنه يريد أن يجعل بيروت مثل دبي، فكأنه يقول هذا ما أردناه ولكننا عجزنا.

هذا ما أردناه، لكن الساحة اللبنانية التهت بالقدح والذم والتخوين والتجريم.

هذا ما أردناه، لكن الخارج، من بعد الداخل، لم يتركنا وشأننا.

هذا ما أردناه، لكن الفساد كان أقوى، ورائحة الصفقات فاحت كما فاحت رائحة النفايات في السنوات الأخيرة.

هذا ما أردناه، لكن الفراغ الدستوري في كثير من السنوات، كبل أيدينا.

ومن هنا، قد يكون استند الحريري على ما يملكه لبنان من سنوات انتظام دستوري وإداري، وعلى ما يروجه من توافق سياسي داخلي يجعل من مشروعه، قابلاً للسير به، قابلاً للحياة وللتنفيذ، ما لم يحصل شيء ينسف كل الآمال.

فكما ترقبنا خواتيم أيام التعطيل، دعونا نترقب أيام العمل، فهل ستكون فعلاً حكومة الى العمل؟ أم سيسميها المواطن “لا أمل”؟

السابق
«الهيبة»… عن ماذا تبحث؟!
التالي
انفجار يهز الجانب السوري من معبر حدودي مع تركيا