ظريف في بيروت تحت شعار «الحب لأميركا»!

احمد عياش

ربما يبدو من عنوان هذا المقال انه من نسخ الخيال بالكامل ،خصوصا في زمن الاحتفال بمرور أربعين عاما على ثورة الامام الخميني التي قامت وعاشت على شعار “الموت لأميركا… الموت لإسرائيل”.فهل من المعقول بعد أربعة عقود من ممارسة هذا الشعار، أن يطل فجأة شعار “الحب لاميركا”؟ للوهلة الاولى، سيكون الجواب قاطعا في نفيّ هذا التبدل. لكن ما يجري من تطورات، بعيدا عن الاضواء، يشير الى حصول تغيير في إتجاه الرياح التي عصفت بالعلاقات الاميركية-الايرانية منذ العام 1979!
في معلومات لـ”النهار” من وفد لبناني زار بغداد قبل فترة قصيرة ان مرجعا أمنيا عراقيا نقل عن قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني، خلال زيارة الاخير للعاصمة العراقية في الايام الماضية، ان طهران ترى من الضروري التعامل مع الوجود العسكري الاميركي في بلاد ما بين النهرين على قاعدة التفاهم وليس العداء، لاسيما بعد التصريح المثير للجدل الذي أدلى بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب حول دور قاعدة “عين الاسد” العسكرية الاميركية في العراق.فقد أوضح ترامب في مقابلة مع قناة سي بي أس الأميركية،إن أحد الدوافع وراء رغبته بإبقاء القوات في العراق هو “أنني أريد مراقبة إيران على نحو ما لأنها تمثل مشكلة حقيقية”.وخلافا لردة الفعل الاولى التي أدلى بها الناطق بأسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي ،والجدل الذي ثار في العراق حول هذا التصريح،فقد فوجئ المسؤول الامني العراقي بما سمعه من سليماني مباشرة معلقا على كلام ترامب، مستذكرا(أي سليماني) الدور الذي قامت به واشنطن في الاعوام الاخيرة لجهة دحر تنظيم داعش.

اقرأ أيضاً: لبنان… الأدوار المستحيلة

هل هذا هو مسرح اللامعقول؟ اوساط ديبلوماسية واكبت، ولا تزال، زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف للبنان، ان المسؤول الايراني يأتي الى احد العواصم العربية التي تقول طهران انها تقع ضمن دائرة نفوذها، ليس سعيا وراء تأكيد هذا النفوذ، بل من اجل الحصول على دعم لنفوذ حكومة الرئيس حسن روحاني في طهران. وتضيف هذه الاوساط ان زيارة ظريف “مهمة جدا” في حسابات إدارة روحاني التي تتعرض لضغوط واسعة في إيران بعد إنسحاب إدارة ترامب من المعاهدة النووية مع الجمهورية الاسلامية. ويحاول رئيس الديبلوماسية الايرانية من خلال زيارة لبنان التأكيد على نفوذ بلاده على رغم الانتقادات الشديدة التي تتعرض له داخليا بسبب الخسائر التي تسببت بها هذه المعاهدة.وفي الوقت نفسه، يحرص الوزير الايراني ،على ان يكون لبنان،وهو المكان الامثل، منصة لبعث رسائل الى الولايات المتحدة تتضمن رغبة في إجراء حوار يفتح كوة في جدار الازمة الناشبة بين البلديّن.
لم تخف على المراقبين ،لغة التهدئة التي إعتمدها “حزب الله” خلال مواكبته زيارة وزير الخارجية الايراني لبيروت،وهذا ما عبّر عنه وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي في مؤتمر صحفي له بعد لقائه ظريف مع عدد من ممثلي القوى والأحزاب الوطنية اللبنانية وزير الخارجية الإيراني في السفارة الإيرانية ببيروت، قائلاً: “لبنان مستقل بقراراته. وأي دولة تريد مساعدة لبنان نعتقد بأن الحكومة اللبنانية ستكون مستعدة لأن تكون ايجابية معها لحل مشاكل الشعب”. ما يعني، بحسب المراقبين، ان الحزب لا يمارس إستعلاء ولا ضغوطا يفهم معها ان زيارة ظريف تتسم بالعدائية.
ماذا عن العروض التي قيل ان الوزير الايراني قد حملها معه الى بيروت؟ في معلومات لـ”النهار” من مصادر نيابية واسعة الاطلاع ان هناك ثلاثة عروض محتملة لا يبدو انها ستكون مغرية ليتلقفها لبنان وهي:
-تزويد لبنان بالسلاح الايراني. تقول هذه المصادر ان طهران تسعى لبيع لبنان أسلحة بنحو 7 ملايين دولار وليس تقديمها هبة. ووفق هذه المعلومات، ستبيع طهران بيروت صواريخ لم يثبت انها كانت قادرة على حماية المنشآت الايرانية في سوريا والتي دمّرتها إسرائيل في غارات متتالية. في المقابل، حظيّ الجيش اللبناني بإسلحة أميركية ظهرت فعاليتها في معركة “فجر الجرود” في آب عام 2017 والتي تمكن خلالها الجيش من إنهاء وجود تنظيم “داعش” على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، في حين ان “حزب الله” المزود بالسلاح الايراني، وقف عاجزا عن القيام بهذه المهمة، لا بل تحوّل الى “شركة سفريات” لنقل عناصر هذا التنظيم وعائلاتهم، بحافلات مكيّفة، الى مناطق آمنة داخل سوريا.
– حل ايراني لإزمة الكهرباء. وفق المصادر نفسها، فإن هناك حلول جاهزة بموجب مؤتمر “سيدر” ستؤدي الى توفير الطاقة الكهربائية على مدار الساعة بكلفة سيرضى عنها المواطنون، وتعود بالارباح على الخزينة العامة، وتستفيد منها الشركات الدولية التي أثبتت جدارتها في هذا القطاع على المستوى العالمي.
-توفير الدواء الايراني للبنان بإسعار مغرية.في هذا المجال تؤكد المصادر ان لبنان الذي يفتقر الى صناعة دوائية،لديه مصدر مهم للدواء يتسم بالجودة العالية هو الاردن الذي يتمتع بصناعة ادوية متطورة لإصناف غربية. على خلاف الادوية الايراني، التي تتصف بإنها زهيدة الثمن، لكنها على مستوى متدن من الجودة.وتلفت المصادر الى ان طهران ما زالت حتى الان، تعتمد على مؤسسات طبية في الشرق الاوسط للحصول عبرها على تجهيزات طبية من الولايات المتحدة الاميركية كي تسيّر شؤون مستشفياتها. ولدى هذه المصادر تفاصيل دقيقة حول كيفية حصول إيران على هذه التجهيزات.
ماذا بقي امام وزير خارجية إيران لكي يحققه من وراء زيارته الحالية للبنان؟في ضوء المعطيات التي جرى عرضها، يبقى ان ظريف سيعود الى طهران متمتعا بحصيلة معنوية مفادها انه خرج من طهران الى بيروت ليصبح قريبا من واشنطن ملمحا الى الزمن هو عيد الحب وليس شعار “الموت لإميركا!

السابق
لبنان… الأدوار المستحيلة
التالي
بالصور .. أشهر 10 لوحات فنيّة في العالم