حكم الزعران يحرق أهل لبنان

استيقظ لبنان قبل يومين على مشهد مروع، هو إقدام مواطن على إحراق نفسه أمام مدرسة بناته لعجزه عن دفع أقساط مدرستهن، ما يختصر الوضع الذي آلت إليه حال هذا البلد العربي، جراء النهب الممنهج الذي تمارسه سلطة أمر واقع فرضت نفسها، على اختلاف مكوناتها السياسية، على الشعب، فأغرقت البلاد في الفوضى والفقر وارتفاع معدل الجريمة إلى نسب غير مسبوقة.
لم يسبق أن سمعنا، نحن العرب، حتى في أوج الحرب اللبنانية أن أقدم مواطن لبناني على فعل كهذا بسبب الضائقة المالية، لكننا اليوم عندما نشاهد نشرات الأخبار والصور المروعة، ندرك ماذا يعني حكم المحاصصات الطائفية والمذهبية.
كان ممكن للبنان ألا يدخل هذا النفق المظلم، لو أن سياسييه عملوا لوطنهم، وليس لمصالحهم، ولم يرتضوا أن يتحولوا أدوات في مشاريع أكبر من بلدهم، من أجل تجميع ثروات على حساب شعبهم، ومراكمة ديون على الدولة وصلت إلى حد 95 مليار دولار، ولا يزال حبل الدين يشتد أكثر على رقاب اللبنانيين.
رغم ذلك لم يحرك أي من هؤلاء ساكنا، اللهم إلا ببعض التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن في الطريق الى مغارة علي بابا، تسقط القيم والأخلاق والإنسانية، فتصبح جريمة من نوع إحراق رجل نفسه عادية، إلى حد لا يكلف أي مسؤول نفسه مجرد استنكار بقاء الحال على ما هي عليه التي دفعت بهذا اللبناني الفقير للإقدام على فعلته تلك.
كل هذا بدأ حين غض هؤلاء نظرهم عن السلاح غير الشرعي، عملا بالمقولة الشعبية “اطعم الفم تستحي العين” ليستمروا في نهب المغانم من بقرة الدولة الحلوب، فسلموا قيادتهم شيئا فشيئا إلى ميليشيا “حزب الله” الإرهابي الذي خرج زعيمه قبل أيام ليجدد مطالبته بجعل لبنان حديقة خلفية ايرانية ترمي فيها كل قمامتها في صراعها مع المجتمع الدولي.
نصرالله وفي خطابه الدعائي الأخير، أعلن أنه على استعداد لتسليح الجيش بأسلحة إيرانية، وتزويد لبنان بأدوية ايرانية، مستعيدا في الوقت نفسه شعارا رفعه في ثمانينات القرن الماضي عن إقامة جمهورية إسلامية في لبنان على غرار النظام السائد في ايران منذ عام 1979.
حينذاك كان لبنان المنقسم على ذاته يبحث في دهاليز عتم الحرب عن بصيص نور للخروج منه، فجاءت الإرادة العربية بمؤتمر الطائف الذي رعته السعودية وتوافق اللبنانيون على دستور جديد ينهي المأساة، لكنهم منعوا من تنفيذه الى اليوم، تحت وطأة إرهاب السلاح الخارج على الدولة بحجة مقاومة احتلال إسرائيل.
قبلها كان نبيه بري، زعيم ميليشيا “أمل” يعلن على رؤوس الأشهاد أثناء معارك ميليشياته مع “حزب الله” أن ما يجري في الجنوب هو احتلال، لا يختلف عن الإسرائيلي، لكن يبدو أن إغراءات السلطة محت من ذاكرته ذلك الموقف، فانصاع لممثل الولي الفقيه الإيراني في لبنان، ليصبح أداة بيده، تماما كما هي الحال مع ما يسمى “التيار الوطني الحر”، الذي ارتضى مؤسسه ميشال عون أن يكون بإمرة مرشد الاحتلال الإيراني طمعا في الوصول الى السلطة، وهو ذاته الذي أعلن مرارا وتكرارا أثناء وجوده في المنفى أن سلاح “حزب الله” إرهابي.
إن مشهد إحراق مواطن لبناني نفسه، لن يكون مستغربا تكراره وبكثرة، طالما ان هناك طبقة سياسية عاجزة حتى عن قول كلمة حق في وجه سلطان جائر فرض نفسه بقوة سلاحه الذي يتباهى به، فيما يهدم الدولة ويفقر الشعب في سبيل تحقيق أهداف المخطط التوسعي الفارسي في المنطقة.
أمام هذه الصورة القبيحة لما آلت إليه الأمور في لبنان، والعجز الذي باتت عليه القوى السياسية في مواجهة “حزب الله” ندعو العرب عموما، والخليجيين خصوصا، الى التوقف عن مد هذا السرطان بالمغذيات، عنيت المساعدات المالية والاقتصادية، لأنها تذهب إلى تقوية دور إيران في تعزيز حكم الإرهابيين والزعران.

 

إقرأ أيضاً: حزمة عقوبات متجددة ضدّ حزب الله: لبنان تحت المجهر الأميركي

السابق
لماذا شكرت مي شدياق جعجع؟
التالي
سيكولوجيا المشاعر والانفعالات في زمن التنويم المغناطيسي