آمال إيران التي خيبتها أوروبا

حسن فحص

يبدو ان التيار المتشدد في ايران على ابواب تسجيل نقطة تفوق في المواجهة مع حكومة الرئيس حسن روحاني وفريقه الدبلوماسي والمفاوض على خلفية التطورات في الموقف الاوروبي المتعلق باقرار آلية للتعامل المالي تساعد على استمرار التبادل التجاري بين ايران والاتحاد الاوروبي تتجاوز قرار الادارة الامريكية باعادة فرض العقوبات على ايران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي.

التوقعات الايرانية من آلية التعامل المالي مع الاتحاد الاوروبي ذهبت الى حدها الاقصى، وهي ستشكل المخرج للالتفاف على العقوبات الامريكية وتضمن لايران التغلب على العقوبات الامريكية، الا ان حقيقة هذه الالية حملت خيبة امل لحكومة روحاني ورئيس دبلوماسيته وزير الخارجية محمد جواد ظريف وفريقه المفاوض، ودفعتهما للحديث  عن “مواقف امريكية بلغة اوروبية”. خصوصا وان الالية اقتصرت على التعامل في المسائل التي استثنتها العقوبات الامريكية، اي قطاعي المواد الغذائية والادوية، ولم تتجاوزها الى المسائل الصناعية والتكنولوجية او حتى حصول ايران على عائداتها من الصادرات النفطية وغير النفطية نقدا، بل تتحول هذه الاموال الى صندوق مالي يقوم بوظيفة الدفع للشركات الاوروبية المصدرة من العائدات الايرانية بدلا عن التجار او المؤسسات الايرانية.

خيبة الامل هذه عبر عنها “ظريف” برفض الشروط الاوروبية المرافقة لتنفيذ هذه الالية والتي تذهب باتجاهين، واحد تحدث عنه الوزير الايراني يتعلق بالربط بين تطبيق هذه الالية وعملية انضمام ايران الى معاهدة مكافحة تمويل الارهاب واتفاقية باليرمو او ما يعرف اختصارا بـ “FATF” التي تواجه جدلا حادا داخل مراكز القوى والسلطات الايرانية، اضافة الى موضوع الدعم الذي تقدمه ايران للنظام السوري والحليف اللبناني حزب الله، وفي الاتجاه الثاني السقف العالي الذي عبر عنه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الذي ربط بين اقرار هذه الالية ودخول ايران في مباحثات جدية حول برنامجها الصاروخي.

ظريف رفض الشرط الاوروبي المباشر الذي ربط بين تطبيق هذه الالية واعلان طهران اقرار الانضمام الى معاهدة مكافحة تمويل الارهاب، واعتبر ان هذا الشرط يسعى للتضييق على ايران وعرقلة جهود تعويض الاضرار التي لحقت بها جراء الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي.

اقرا ايضا: ايران وإحتمال مغادرة سوريا

اما ما لم يعلنه ظريف، فيتعلق بالشق المتعلق بالنظام السوري والعلاقة المالية والعسكرية والامنية مع حزب الله اللبناني، والذي يعتبر البعد الاهم في الضغوط الاوروبية على طهران الرافضة لتقديم اي تنازلات واضحة في الموضوع الاقليمي وحجم نفوذها ودورها في المنطقة، لان اي تنازل في هذه المسائل يعني خسارة طهران لاوراق القوة التي تمتلكها، وانه في حال حصول اي تنازل ولو جزئي، فان مسار الضغوط الغربية سيستمر وسيستمر معه مسلسل التنازلات الايرانية.

من هنا يمكن فهم التصعيد الايراني العسكري الذي ترجمته عملية الاعلان عن صاروخ – كروز جديد “هويزه” والذي تبلغ مسافته 1350 كليومترا، ويشكل ردا على الموقف الفرنسي الذي يضغط على طهران لاجبارها على الدخول في مفاوضات حول برنامجها الصاروخي تؤدي في النهاية الى اتفاقية تشبه الاتفاق النووي، تلتزم بها طهران وقف تطوير الصواريخ وتفكيك ترسانتها من الصواريخ التي يتجاوز مداها 700 كيلومتر.

وعلى الرغم من خيبة امل حكومة روحاني من الاداء الاوروبي الذي كان من المفترض به ايجاد حلول للعقوبات الامريكية في مجال النفط والصناعات الاستراتيجية والعائدات المالية، ويؤكد استقلالية القرار الاوروبي، الا ان ظريف حاول ان يتمسك بخيوط الامل في احداث خرق في المواقف الاوروبية وبالتالي التوصل الى حلول تضمن لبلاده الاستفادة بالحد الاقصى من مزايا تمسكها بالبقاء في الاتفاق النووي.

هذا التمسك لم يمنع ظريف من خلع “القفازات” الدبلوماسية والهدوء الذي يميزه، عندما ذهب الى التصويب على “القلق” الامريكي والاوروبي الرئيس المتمثل بأمن اسرائيل، ملوحا بتصعيد ايراني محتمل ضد الاعتداءات الاسرائيلية على قواتها في سوريا من خلال والقول ان طهران ستلجأ للرد على هذه الاعتداءات بما يتناسب مع مصالحها القومية، ما يعني رسالة واضحة بتمسك ايران بوجودها على الساحة السورية ورفض اي ضغوط قد تمارس عليها لاجبارها على الانسحاب من هذا البلد.

المواقف الاوروبية والالية التي اعلنت عنها الترويكا (الفرنسية الالمانية والبريطانية) سمحت للاصوات المتشددة في التيار المحافظ برفع الصوت بوجه حكومة روحاني وسياساتها، وهذه المرة جاءت على لسان رئيس السلطة القضائية ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام آية الله صادق آملي لاريجاني الذي عبر عن رفض الشروط الاوروبية التي وصفها بـ”العجيبة” والتي تتضمن التحاق إيران باتفاقية العمل المالي الدولية وتفاوضها على برنامجها الصاروخي”، مؤكدا ان ايران “لن تقبل بأي حال من الأحوال الشروط المذلة للآلية المالية”.

ملامح تفوق جديد يضاف الى انجازات الجناح المتشدد في التيار المحافظ الرافض اصلا للاتفاق النووي، وهذه المرة سيزيد الحصار على حكومة روحاني ويحملها مسؤولية الفشل في توظيف ما اعتبرته انجازا نوويا وترجمته في الداخل بما يساهم في حل الازمات الاقتصادية المتفاقمة التي تعاني منها ايران جراء العقوبات الامريكية الجديدة، والتي باتت الحكومة تعترف بانها غير مسبوقة. هي خيبة امل قد تدفع القوى الايرانية مجتمعة لاعتماد نهج اكثر تشددا في التعامل مع الملفات الاقليمية والدولية من دون قفازات.

السابق
إيران تنقل مركز عملياتها من دمشق الى حمص
التالي
بعد تلويحه بالسلاح ضد إيران.. الحشد يعتقل أحد قيادييه