«التجمع اللبناني»: تمخض الجبل فولّد حكومة تعاني من التشوه الخَلقي والخُلُقي

ناقش “التجمع اللبناني” التطورات وتوقف أمام تشكيل الحكومة ومؤشرات التركيبة وما رافقها وأصدر البيان التالي:

أولاً: في خرقٍ فاضح للدستور ولاتفاق الطائف ولكافة الأعراف الدستورية، وبهيمنة كاملة للدويلة المسلحة ولأتباعها وبعد نحو تسعة أشهر من الحمل العسير، وبعد أن حبس اللبنانيون أنفاسهم خوفاً من الانهيار، تمخض الجبل فولّد حكومة تعاني من التشوه الخَلقي والخُلُقي حكومة الإبن والزوجة والصهر وإبن الأخ والسكريتيرة والطبيب الخاص ومدير الأعمال وزلمة فلان وعلاّن! إنها حكومة كل هؤلاء ولكنها بالتأكيد ليست حكومة كل لبنان.

تتشكل الحكومات في البلدان الديموقراطية من أجل وضع حدٍ لأزمات عالقة أما هذه الحكومة فيبدو وكأنها تشكلت من أجل إعلان الحرب بين مكونات المجتمع اللبناني وقد بدا واضحاً منذ اليوم الأول أنهم يريدون لها أن تكون حكومة غالب ومغلوب بدلاً من أن تكون حكومة وحدة وطنية، كما هللوا في بداية التكليف! إنها حكومة الترويكا الجديدة بزعامة ورعاية حزب الله التي ضيّقت على بري وتطوق جنبلاط وتعزل جعجع! وبالتالي فهي ستكون حكومة الانقسامات داخل الطبقة الحاكمة حيث تعود كلمة الفصل في كل كبيرة وصغيرة إلى عنجر الجديدة في حارة حريك!

اقرأ أيضاً: الحكومة اللبنانية: نؤكد التزامنا بمبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة

ثانياً: مما لا شك فيه أن هناك تيار قوي في الحكم يعتبر أن الحكومة ينبغي أن تكون ستاراً لمرحلة جديدة تستخدم ذريعة الإنقاذ الاقتصادي من أجل تهور سياسي أكثر جنوحاً باتجاه نظام الأسد والأحلام الإمبراطورية الإيرانية التي أشعلت النيران في المنطقة! فبحجة تعويم إقتصاد البلد يريدون للدولة اللبنانية أن تنزل بثقلها من أجل تعويم نظام الأسد وهم بذلك يضعون وطنيتهم على المحك ويغلبون مصالح الآخرين على المصلحة الوطنية.. لقد كشف هذا التيار عن وجهه في القمة الاقتصادية ويبدو أن هناك وزراء قد جرت تسميتهم باعتبارهم وديعة لنظام الأسد في الحكومة الجديدة، مما يعني ان الاستهتار بمصالح الناس قد بلغ حد اللعب بالنار.

ومن سخرية القدر أن من يرأس حكومة تعويم النظام السوري هو الذي وضعه هذا النظام ووضع تنظيمه السياسي على قائمة الإرهاب!

ثالثاً: كيف لنا أن نصدق بأن هذه الحكومة تريد أن تطبق الإصلاحات المالية والاقتصادية من أجل وضع حدٍ للهدر والفساد المالي وتخفيف أعباء الدين الخارجي ونحن نرى أن وزارة الطاقة، التي تفوق قدرتها على الهدر والفساد أي وزارة أخرى، قد آلت لنفس الجهة التي لم تتقدم في عملية الإصلاح خطوة واحدة؟ وهل ستتخلى الحكومة الجديدة عن طلب التشريع لسلفة جديدة للكهرباء بقيمة 2700 مليار ليرة؟ ولا يبدو أنها ستفعل مما يعني أن سياسة الهدر مستمرة لأنها جزء من منظومة الفساد السياسي والمالي التي تتحكم بمقدرات البلد!! نحن على ثقة بأنهم سيستمرون في سياسة تقنين الكهرباء ولكنهم لن يوقفوا جعجعتهم بالحديث عن وقف الهدر في هذا القطاع وعن عودة التيار الكهربائي طبيعياً خلال فترة زمنية معينة!

ثم كيف لهذه الحكومة التي تضع نصب عينيها، كما يبدو من تشكيلتها، لإرضاء السوري والإيراني على حساب محيطنا العربي أن تجذب الاستثمارات العربية والأجنبية إلى لبنان الذي يغرق في ديونه ويعاني أزمة مالية واقتصادية خانقة؟ وهل تمسك القصر بتقرير “ماكنزي” الذي يدعو لفتح سقف الاستدانة وتخفيض الأجور وزيادة الضرائب هو من الاصلاح المالي المنشود؟

رابعاً: هناك أكثر من مؤشر على تخلي الحكم عن سياسة النأي بالنفس واعتماده رهانات تزيد من اقتراب البلد من حافة الهاوية.. فلأول مرة منذ اتفاق الطائف تعقد حكومة أول اجتماع لها دون توزيع نسخة من وثيقة الوفاق الوطني على أعضائها! وهذا التصرف له أكثر من دلالة وهو يكشف علناً النوايا السياسية التي تقف وراءه وهو الانقلاب على دستور البلد وبالتالي إدخالنا في مرحلة تجاذبات سياسية خطيرة قد تعيدنا إلى أجواء الحرب الأهلية وإلى تثبيت اتفاق الدوحة!

وهناك الدور الذي ارتضاه الحكم لنفسه بالتنسيق مع النظام السوري والتبرع بإعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى محرقة النظام في مواجهة واضحة مع الأمم المتحدة والقوانين الدولية والعالم كله.. ومهما كانت الأعذار التي يسوقها الحكم فإن الأهداف السياسية والمصالح الشخصية الكامنة في العملية لا تخفى على أحد إن البعض يقدم أوراق ترشحه لرئاسة الجمهورية إلى النظام السوري وحزب الله من خلال الدخول في هذه العملية المنافية للشرائع الانسانية!!! وكان كلام وزير شؤون النازحين الذي اختير خصيصاً لهذه المهمة، منذ اللحظة الأولى لولادة الحكومة بمثابة إعلان نوايا بهذا الخصوص!

خامساً: فقد اللبنانيون كل ثقة بأهل الحكم وهم يعلمون تمام العلم بأن الأمور سوف تتابع تدهورها طالما بقيت مقاليد الأمور في أيديهم والبلاد تدفع إلى المجهول لقد بلغ الخلاف داخل أهل الحكم مداه، ورئاسة الحكومة التي كانت تعتبر صمام أمان بالنسبة لأصدقاء لبنان في العالم العربي والعالم انقلبت على مواقفها من الطائف حيث بات واضحاً أن الشراكة التجارية بين جناحي الحكم أهم من الشراكة السياسية مع باقي مكونات السلطة وهذا يعني شيئاً واحداً تحكم حزب الله في اللعبة السياسية حيث سيكون الصراع داخل الطائفة الواحدة هو الأساس بدل أن تكون معارضة واسعة بوجه الممسك بالقرار والمرجعية للسلطة الحاكمة. والمعضلة الأساس أن انفجار الخلافات داخل أهل الحكم إنما يتم حول الحصص والمغانم من داخل التركيبة نفسها وليس هناك من رافعة شعبية وطنية جامعة للمعارضة كما كان الحال في انتفاضة الاستقلال الثانية التي يدفع من انقلب عايها ثمن انقلابه اليوم ولكن الوطن كله يدفع الثمن معه!

إن البلد بحاجة ماسة إلى هذه الرافعة الشعبية من جديد وبقيادة جديدة تلتزم مصالح البلد وليس مصالحها الخاصة. إنها مهمة ملحة لم تعد تتحمل أي تلكؤ، مهمة قيام معارضة واضحة وشاملة ومتعالية عن المصالح الشخصية والفئوية وعن تحسين الحصص في مغانم الحكم، وحدها تستطيع قلب المعادلة، وإعادة البلاد إلى مسار الاصلاح والتطور والنمو. إنها مهمة قابلة للتحقيق فالتاريخ النضالي لشعبنا مليء بالتجارب من جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية إلى قرنة شهوان ومصالحة الجبل إلى لحظة 14 آذار.

السابق
«المجمع الثقافي الجعفري» يزور مطرانية بيروت وجبيل للروم الكاثوليك
التالي
البيان الوزاري يُصاغ بسرعة قياسية وثقة مريحة يتوقّعها الحريري