واشنطن فوجئت بتوزير حزب الله

بدا الموقف الأميركي من الحكومة اللبنانية خارجاً من مخاض عسير، وهو حذر بما فيه الكفاية كي لا يبعث على الاطمئنان. نُرحب ولكن نُحذر، هكذا جاء سياق حديث روبرت بلادينو نائب الناطق بإسم الخارجية الأميركية.
رحب بإعلان الحكومة، وهنأ رئيس الجمهورية ميشال عون، ثم ألمح إلى زيارة مرتقبة لوزير الخارجية مايك بومبيو إلى لبنان.

ثم في الجد، أعربت الخارجية الاميركية عن قلقها “كون حزب الله، الذي تُصنّفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية، سوف يستمر في تولي مناصب وزارية وقد أجيز له بتسمية وزير الصحة العامة”. كما دعا الحكومة الجديدة إلى ضمان أن لا توفر موارد هذه الوزارات وخدماتها دعماً لـ”حزب الله”. هذا الشق الأول والأهم من التحذير الأميركي للبنان.

الشق الثاني هو تذكير بالتزامات لبنان في قراري مجلس الأمن الدولي، 1559 و1701. ورغم أن هذا المطلب يكتسي أهمية إضافية نتيجة المخاوف الإسرائيلية حيال الصواريخ المُحددة في لبنان، إلا أن الكلام ليس جديداً، ولا دور لواشنطن هنا سوى في دعم الموقف الإسرائيلي في الحرب والسلم. والأرجح أن الحديث عن القرارين على ارتباط بالتحذير الأول، لا العكس.

اقرا ايضا: هكذا أفرجت إيران عن التشكيلة الحكومية

بالعودة إلى الموقف الأميركي من تولي الحزب وزارة الصحة، تُسجل ملاحظتان:
بداية، لماذا يريد “حزب الله” هذه الحقيبة؟ وهل الإدعاءات الأميركية باحتمال استغلالها للالتفاف على العقوبات صحيحة؟

سبق للحزب أن سمى عضواً له وزيراً في حقيبة سيادية أساسية هي الطاقة والمياه (محمد فنيش، 2005). حصل ذلك في خضم الأزمة بين ايران والولايات المتحدة. وعلى غرار حالة جميل جبق مع حقيبة الصحة، أيضاً حاز طراد حمادة على وزارة العمل، كـ”صديق” لـ”حزب الله”، وليس عضواً فيه. حينها تعرض لانتقادات من بيئة الحزب نتيجة لقاءه السفير الأميركي.
إذن، ليس حصول الحزب على وزارة سيادية، لا من خلال حزبي أو “صديق” جديداً. ماذا تغير؟

تتسم سياسة الإدارة الحالية، بتصميم منقطع النظير على مواجهة إيران وحلفائها، يُقابله رفض مؤسساتي (في الخارجية والدفاع) لأي تهور في فريق الرئيس دونالد ترامب.

فهناك بين المسؤولين الأميركيين الجدد من يرى ضرورة لـ”علاج كيماوي” لمشكلة “حزب الله” في لبنان، هكذا أسرّ أحد كبار المسؤولين في الخارجية لصحافيين أجانب في بيروت. بكلام آخر، لا مانع من عقوبات قاسية غير حذرة كالسابق، بهدف تحريك الشارع ضد الحزب. خيار الـ”كيمو” الأميركي لم يمر، كما بدا في رد الفعل الأولى، لكنه لا يزال على الطاولة.

بيد أن التحذير لم يُحدد رداً معيناً بل بقي فضفاضاً، وقد يحمل التأويل حتى في أبسط الحالات لو ارتأت المصلحة السياسية ذلك. في حال قدمت وزارة الصحة خدمات طبية لمواطن لبناني على ارتباط بالحزب او جريح في صفوفه، فإن ذلك قد يُعد استغلالاً للمال العام. وبالتالي، يبقى الحسم بهذه المسألة رهن القرار الأميركي.

من جهة ثانية، يُخطط الحزب لتقديم أداء يُرضي جمهوره بعد وعود الأمين العام حسن نصر الله في الانتخابات الأخيرة.

وهذا من المنظور الأميركي، لن يكون مقبولاً. فالحزب، إن حقق إنجازاً شعبياً في الوزارة عبر تغطية صحية أوسع نطاقاً وخدمات افضل، سيُكرس شعبية تتجاوز الطائفة الشيعية، بما يُضعف الاستراتيجية الأميركية القاضية بتقويض التنظيم.

لذا فالمنطق يقضي بأن الأميركيين ومعهم بعض الحلفاء الأوروبيين، سيتخذون إجراءات لاحتواء الوزارة واضعاف موازنتها. وهذه سياسة “عجيبة”. ذلك ان منطق السياسة الاميركية سابقاً كان يقضي بتعزيز المؤسسات، وبدفع “حزب الله” للإنخراط أكثر بالشأن العام، بعدما اعتكف عن ذلك لسنوات، كي يصير حزباً سياسياً محلياً خارج الحسابات الإقليمية والصراعات اللامتناهية. لكننا اليوم أمام سياسة المُراد فيها أن يختفي “حزب الله” من الوجود في عجيبة ما. يُغمض المسؤولون الاميركيون أعينهم سنة وسنتين، ثم يفتحونها، ويسألون لماذا لا يزال هنا؟

في المقابل، تبرز سياسة أوروبية موازية اكثر عقلانية، عمادها تشجيع “حزب الله” على الانخراط في السياسة العامة، لا البقاء خارجها، وتعزيز المؤسسات الحكومية بدعمها، بانتظار تغيير في إيران وسياستها الإقليمية. حتى الآن، ما زال الرهان على الإستقرار في الصدارة … إلى أن يقلب الرئيس الأميركي الطاولة أو تنقلب عليه.

السابق
فيديوهات… وجيش إلكتروني!
التالي
تعرّفوا بالصور على معبد «كيلاسا» الهندوسي المنحوت من صخرة غرانيت واحدة!