المحكمة الخاصّة لرجال الدين

السيد محمد حسن الامين

يتحدث العلامة السيد محمد حسن الأمين عن مطالبة بعض طلبة العلوم الدينيّة باستحداث محكمة للمعمّمين؛ احتراماً لهم، وتمييزاً لهم عن سواهم فيجيب قائلاً:
الفكرة المطروحة عند بعض رجال الدين أو غيرهم والتي تطالب بمحكمة خاصّة برجال الدين ـ أي منفصلة عن القضاء العام ـ أعلن أنّ هذه الفكرة لا تستقيم مع جوهر العدالة الذي يفترض في الأساس مساواة الناس كلهم مهما تنوعت طباقاتهم وأديانهم ومواقعهم الشخصية والعائلية، كلهم أمام القضاء يتساوون في الحقوق وفي الواجبات التي تمليها العدالة والمجسدة بالجسم القضائي المعتمد، وإلّا ـ أي لو أردنا أن نجعل لكلّ فئة قضاء مختصاً بها ـ فإنّ هذا الإجراء هو أخطر وأسوأ خيار يمكن أن ترتكبه الجماعات أو الدول منطلقاً بذلك ليس من الفلسفة والأدبيات القانونية المعاصرة فحسب، بل من العقيدة الإسلاميّة التي تعتبر فيها وحدة القضاء عنصراً بل ركناً أساسياً من أركان إقامة العدل بين الناس، وهذا من الأمور البديهية التي لا حاجة للتوسع فيه، وإنّما بشأن السؤال الخاص عن محكمة لرجال الدين فإني أرى فيها خرقاً واضحاً، بل فاحشة لمبدأ العدالة والمساواة، خاصّة وإن الإسلام لا يعترف بصفة (رجل الدين) فالمسلمون كلهم من رجال الدين، ومنهم الفقهاء والمتخصصين بالعلوم الدينيّة، فهم ليسوا رجال دين، وإنما هم علماء دين، وأنهم لا يختلفون عن سائر الناس، وأنّ أحكام القضاء التي تنطبق على الناس تنطبق عليهم.
أضيف إلى ذلك أنّ هذه الفكرة يمكن أن تُستخدم في اتجاهين أحدهما: وضع القوانين التي تعطي امتيازاً لرجل الدين، ولطبقة رجال الدين وهو تجاه مرفوض شرعاً، لأنّه لا يوجد في مصادر الشريعة ما يسمح بذلك.

اقرأ أيضاً: انتشار الحوزات العلمية النسائيّة

والاتجاه الثاني وهو الأغلب في رأيي ـ رغم أنّ بعض رجال الدين لا يلتفتون إليه ـ هو أنّ محاكم مختصة فقط برجال الدين هي ليست في مصلحة رجال الدين بأيّ وجه، وهي غالباً ما يتمّ اقتراحها بهدف تطبيق أحكامٍ تخدم السلطة في التحكم بمصائر رجال الدين حيث تعطى هذه المحكمة صلاحيات تأديبٍ وعقوبات لرجال دين معارضين للسلطة فيما القانون العام لا يعطي هذه الصلاحيات للمحاكم العامّة، فلا تعود السلطة قادرة أن تتحكم بخيارات رجال الدين وآرائهم فهم يخضعون للقانون العام الذي يخضع له المجتمع كله، والذي غالباً ما يكون قانوناً عادلاً يجيز لرجل الدين أن يعارض السلطة، وأن يحاكم رجل الدين أمام هذا القضاء فلا يعود هناك مجال لتطبيق أحكام في الغالب ما تكون دوافعها سياسية في إطار الدولة التي تقيم محكمة خاصّة لما تسميه رجال الدين.
وبهذه المناسبة فإنّه لا يسعني إلّا أن أكون معارضاً مع كثير من علماء الدين في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية لوجود هذه المحكمة، ومطالباً بإلغائها صوناً لمبدأ العدالة التي هي الهدف من وظيفة القضاء في الدولة.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
هل يصطدم ترامب بمجلس الشيوخ بسبب سوريا؟
التالي
مكاشفات إيمانية