«عامل» تحتضن أميّات وفقيرات هاربات من الحرب السورية في مركزها بحيّ السلم

رغم مآسي الحرب السورية وأهوالها المستمرة منذ سبعة أعوام، ورغم مرور كل هذا الوقت لم تتوقف مؤسسة «عامل» عن الإحاطة بالنساء الهاربات من أتون الحرب المدمرة. وهنا لقاءات مع مآسي ثلاث سيدات سوريات.

في كنف حيّ شعبيّ يضجّ بالسكان، والفقراء والمهملين، والمعدمين، الآتين من قرى الاطراف اللبنانية، وبخاصة البقاع المحروم، انضم الى كل هؤلاء، فقراء هاربون من مختلف المناطق السورية.

من درعا الجنوبية، ومن حلب الشمالية، ومن الرقة الشرقية، كانت النساء يروين لنا قصصهن المحزنة.

“ضياف”، الشابة السورية الصغيرة السنّ، الجميلة، ابنة الـ24 عاما فقط، هربت من درعا الى لبنان عام 2012 مع اطفالها الاربعة، بنات صغيرات، وهي التي تزوجت في الـ13 من عمرها. لم تعمل سابقا، ولما تزل، عاطلة من العمل، فلا وقت لديها، يسمح لها بالعمل، خاصة ان بناتها الاربع صغيرات، فالكبيرة إبنة 9 سنوات، والصغيرة إبنة أشهر.

لا صلة لها مع أية سيدة لبنانية، فهي لا تملك الوقت للتعارف، ولكنها بعد البحث تعرّفت الى “مؤسسة عامل” القريبة بمركزها من هؤلاء المهمشين.

وبسبب الغلاء وعدم القدرة على شراء الادوية والعلاج، كانت “عامل” مقصدها، خاصة ان زوجها يعاني من امراض الكلى، وهو الذي كان بعمل حلاقا في بلده، لكن اليوم، وبسبب التهجير، بات عاملا في مطعم.

اقرأ أيضاً: رئيسة الجامعة الاسلامية في لبنان تستقبل النائب الثاني لرئيس مجلس النواب العراقي

كانت مفوضية شؤون اللاجئين، هي الطريق الى “عامل”، حيث ان المفوضية كانت تساندها براتب شهري، لكنه توقف دون ان تعلم السبب، كما تقول “ضياف”.

تقيم وعائلتها في حيّ السلم المشهور وهو الحيّ الاكثر كثافة سكنيّا والاكثر فقرا، فكيف هو حاله بعد هجرة آلاف السوريين إليه.

ففي غرفة صغيرة غيرصحيّة، وبايجار يبلغ 300 ألف ليرة لبنانية اي ما يعادل 200 دولار شهريا، على ما تقول، “ضياف”، تنام وتلعب وتأكل بناتها الاربع، الكبرى 9 سنوات، الوسطى 6 سنوات، والثالثة 5 سنوات، والأخيرة سنة ونصف.

هذه الغرفة التي هي عبارة عن غرفة نوم واستقبال وملعب ومطبخ، تشبه الى حد بعيد غرف المخيمات المنتشرة في البقاع.

سجلت “ضياف” بنتين في المدرسة، مدرسة الغدير الرسمية بالمريجة، اما الثالثة فلم تسجلها لان قرار وزارة التربية اللبنانية يفرض ان تتم الخامسة من العمر.

وقد لاحظت “ضياف” انه لا اهتمام بالطلاب السوريين في المدرسة اللبنانية، خاصة ان المنهاج صعب عليهم، وخاصة فيما يتعلق باللغة الانكليزية، وهي الأم غيرالمتعلمة، كونها تزوجت باكرا، أي الأم القاصر قانونا.

تستفيد من “عامل” بالادوية التي تفيد زوجها المريض وبناتها الاربع. وهي حزينة كونه لا وقت لديها لتتعلم الانكليزية من اجل مساعدة بناتها في دروسهن. خاصة انها تزوجت حين كانت في الصف السابع! ولم تتقن أية مهنة بعد الزواج لأنها انجبت أطفالها خلال فترة وجيزة.

هذه اول قصة حزينة من قصص نساء سوريات، هربن من الحرب، ليكتشفن صعوبة التشرد ومشقاته في بلد الغلاء والبطالة.

ام ابراهيم، السيدة المسنّة الآتية من حلب، المحافظة الصناعية، والتي عُرفت بالعاصمة الاقتصادية لسوريا، والتي تحوّلت الى مدينة مُقفرة، فهرّبت معاملها كالقطع الأثرية الى تركيا، ولم يبق فيها الا الحجر ومن بقي من البشر لا حول له، ولا سبيل للخروج.

خرجت من حلب منذ خمسة اعوام، على ما تقول، برفقة اولادها الـ 12، سبعة صبيان وخمسة بنات جميعهم متزوجون، وهي الارملة التي تعذبت جدا في تربية هذه العائلة الكبيرة.

أم ابراهيم، ذات الـ75 عاما، هي أم لشاب معوّق، تعيش متنقلة بين بيوت اولادها، حيث هاجر بعضهم الى تركيا، اما ابنها المعوّق الذي خدمته طيلة عشرة اعوام، هاجر مؤخرا الى كندا مع زوجته وابنائه.

لا تتهم اولادها بالتقصير، لكن احوالهم ضيقة، لذا تحتاج الى دواء دائم وعلاج وفحوصات، فترتاد مركز “عامل” في حيّ السلم، مستعينة بما يُقدم لها هذا المركز، وهو المركز الوحيد الذي ساعدها، حيث شكرت الممرضات على حُسن معاملتهن لها.

تشكو ام ابراهيم، السيدة المسنّة، من عدم الاستقرار، فهي تنتقل كل عدة ايام من منزل ولد الى منزل ولد آخر، خوفا من ان تُثقل على أحدهم، كونها لا تملك بدل ايجار غرفة مستقلة لها بسبب تكاليف العيش في لبنان، من ماء وكهرباء وغيره.

كانت تعمل في الشك والتطريز والخياطة وغيرها، لكنها اليوم توقفت عن ممارسة هذا العمل الشاق كونها مريضة.

وتشكر “عامل” على الطبابة، المتدنيّة الكلفة، والتي لا تتعدى الألفي ليرة لبنانية فقط، خاصة انها مريضة بأمراض مزمنة كالقلب، والضغط، والسكري. وخلال تنقلها الدائم ترافقها سلة أدويتها، وهي توجه شكرها الى “مؤسسة عامل” على الفحوصات المجانيّة.

وتشير ام ابراهيم (فتحية بركات)، الى انها كانت صاحبة املاك في بلدها سوريا لكنها باتت اليوم فقيرة بسبب الدمار الذي لحق بهذه الاملاك.

واللافت ان أم ابراهيم امرأة أميّة، ولم يعد بمقدورها تعلّم مهنة جديدة بسبب العمر والارهاق، لكنها ترغب في تعلّم القراءة والكتابة، رغم كثرة الهموم واللاستقرار.

اما “سميّة”، فلقصتها طعم الرعب، وهي الهاربة من الرقة مدينة “داعش” الارهابي، حيث رحلت هاربة منذ عام ونصف فقط، وكانت تسكن قرية يحكمها “داعش” وقد تزوجت ابن عمها ليكون محرما للعائلة.

ولجأت بعد عدة تنقلات الى البقاع، واستقرت في مخيم للاجئين، وبسبب فقرها الشديد انتقلت الى الضاحية الجنوبية وبالتحديد حيّ السلم، كونه مأوى للمهمشين، علّ زوجها العامل المياوم، يجد قوت يومه.

“سميّة” التي تزوجت باكرا جدا، وهي اليوم بعمر 22 عاما، كانت في الصف التاسع حين اخرجت من مدرستها لتتزوج من ابن عمها.

وقد انجبت ابنتين، الاولى بعمر الخمس سنوات، لم تتمكن من تسجيلها في المدرسة في لبنان، كونها لا تملك المال لذلك. وهي التي تفاجئت بأن المدرسة الرسميّة اللبنانية تستقبل ابنتها مجانا بعد اعلامنا لها بذلك.

تشكو “سميّة” من ان الابنة الكبرى (5 سنوات) لا تزال تعاني من مشاكل في المسالك البولية، نتيجة خوف من صوت الطائرات والقذائف، فلا تزال تبوّل في ثيابها. من هنا تحتاج الى حفاضات يوميا للبنتين. اضافة الى ان الابنة الثانية (3 سنوات)، ايضا، لا تزال تعيش المعاناة ذاتها التي تعيشها الابنة الكبرى.

من هنا مأساة “سمية” المزدوجة، اولا جراء التهجير، وثانيا جراء الفقر المدقع الذي تعيشه لان زوجها ينتظر رزقه اليومي، متكلا على ديون من دكان الحيّ حيث يقطن.

ولا يمكن لـ”سميّة” ان تعمل لاسباب باتت معروفة، وهي الأمية، والزواج المبكر، وعدم تعلّم أية مهنة تقيها شرّ العوز. لكنها كانت تساعد زوجها في الاعمال الزراعية في البقاع. وهي المهنة الوحيدة التي تجيدها.

كانت عائلة “سميّة”، كما تذكر، تملك بيوتا واراض في الرقة، وهي منذ هروبها من الرقة من حكم “داعش” لا تتواصل مع اهلها ولا تعرف عنهم شيئا، وباتت فقيرة.

لذا تستفيد من تقديمات “عامل” الصحية لها ولعائلتها. وان كانت قد تسجلت في “المفوضية العليا للاجئين” الا انها لم تقبض ايّ قرش يعينها على فقرها.

انها ثلاث قصص لبيوت وعوائل خرجت من بلادها مشردة، هذه القصص تكاد تشبه بعضها، فبطلاتها جميعها نساء، وأميّات، وربات بيوت، ويرغبن بتعلم مهنة او بعمل. ولم يجدن سوى “عامل” أمهامهن.

انهن نساء حزينات وأميّات وفقيرات وهاربات، لكن قويات، فهل سيغيرن وجه واقعهن ومجتمعهن بعد هدوء فورة البركان السوري؟

السابق
أرملة شاه إيران: أمريكا والغرب دعما الخميني وأوصلاه للسلطة
التالي
حكاية ثورة الخميني بين طهران وواشنطن وباريس