من أراد ان يدخل كلمة «تعويضات» في مبادرة النازحين بما يؤدي إلى توطينهم؟

احمد عياش

قبل ان تنتهي اعمال القمة الاقتصادية العربية سألت جهات دولية احد المسؤولين عن المبادرة التي يعتزم رئيس الجمهورية ميشال عون إطلاقها بشأن عودة النازحين السوريين الى ديارهم ،فكان جواب الجهة اللبنانية: “إنتظروا قليلا حتى تقرأوا نص المبادرة “. وفي معلومات ل”النهار” ان هذا الجواب عبّر عن خيبة أمل من مسودة البيان الذي صدر لاحقا عن القمة والذي حمل عنوان “أزمة النازحين واللاجئين”، وذلك بعد قراءة متأنية من جهات ديبلوماسية لهذه المسودة التي خرجت من مكتب تابع لوزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل.
ما هي قصة هذه المبادرة ؟في كلمته التي إفتتح بها اعمال القمة دعا الرئيس عون الى “بذل كل الجهود الممكنة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين السوريين الى بلدهم …” مطلقا ما اسماه “مبادرة ” قوامها “تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية ..” يعطي حوافز ،بينها ما يتصل بعودة النازحين السوريين الى ديارهم.لكن البيان الختامي تجاهل كليا عبارة “العودة الامنة” التي ارادها فريق العهد منفصلة عن كلمة “الطوعية” التي تحظى بإجماع عربي ودولي لإرتباطها بالمواثيق والمعاهدات الدولية.أما دعوة الرئيس عون قيام “مصرف عربي” فبقيت دعوة من دون قرار لإن هناك صناديق عربية موجودة تتولى مهمات مشابهة.

اقرأ أيضاً: الحلم الوردي لاستعادة لبنان

ماذا في القراءة الديبلوماسية لمسودة اعلان النازحين التي إطلعت عليها “النهار” قبل ان تصبح نهائية؟
اول الملاحظات في هذه القراءة ان المسودة جرى صوغها بلغة “غير مفهومة” ضمن محاولة واضحة لتحميل النازحين المسؤولية عن كل الازمات التي تلحق بالعالم العربي من دون الاشارة الى من تسبب بها أصلا،كحال النظام السوري. كما ان المسودة ربطت كل ازمات لبنان الداخلية بوجود النازحين، وكأن الادارة الداخلية تعمل بكفاءة بلا فساد. وتتساءل المصادر الديبلوماسية عن معنى عبارة “أسوأ كارثة إنسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية” التي تضع ازمة النزوح في فضاء الاطلاق لا أكثر ولا أقل؟
وفي الملاحظات أيضا حول البيان حول ما جاء فيه:”…ندعو المجتمع الدولي الى تحمّل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء”. وتتساءل المصادر ذاتها ايضا:” هل علينا ان نتكل على دولة قطر مثلا، لكي تضغط على الولايات المتحدة الاميركية كي تتحمل مسؤولياتها عن أزمة النزوح،بما فيه تحمل العبء المادي؟أم ان العكس هو الصحيح،بأن نتكل على الاميركيين لكي يضغطوا على القطريين لكي ينفقوا المال على معالجة ازمة النزوح؟ إن ما قرأناه في البيان هو قلب للحقائق!”
وتتابع الاوساط الديبلوماسية:”بدت دوائر وزارة الخارجية متجاهلة تماما لكل المسار الذي ادى الى قيام مؤتمر “سيدر” الدولي الذي إستضافته فرنسا في الربيع الماضي ،والذي أثمر عن تخصيص نحو 12 مليار دولار للبنان على قاعدة مساعدة لبنان في مجالات عدة بينها مواجهة اعباء النزوح السوري”.
في سياق الملاحظات أيضا،تلفت المصادر الديبلوماسية الى ان هناك إصرارا من الحكم سواء على لسان الرئيس عون أو الوزير باسيل على فصل عودة النازحين عن موضوع الحل السياسي النهائي للازمة السورية. ورأت ان هذا الاصرار يتجاهل الجهود التي تعمل على الاستفادة من الدور الروسي الذي أخذ على عاتقه اصلا معالجة قضية النازحين بما يكفل الاعتماد على هذا الدور كي تكون عودة النازحين وفق متطلبات القانون الدولي.وإستغربت المصادر ما قاله الوزير باسيل في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط في ختام أعمال القمة حول “محاولات تثير القلق عند “النازحين الراغبين بالعودة” لكي يعودوا “عن رغبتهم” هذه! وسألت: “هل أصبحت الاجراءات التي تؤكد على سلامة عودة النازحين بالاتفاق بين الجهات الدولية وروسيا أمرا يثير الشك؟”أضافت: “ماذا لو وقعت مجزرة في صفوف العائدين إذا لم تتوافر لهم ظروف الحماية بضمان روسي ؟ألن يؤدي ذلك الى اقفال باب العودة نهائيا امام النازحين فيبقون الى أجل غير مسمى في مناطق النزوح بما فيها لبنان؟”
وشرحت هذه الاوساط ل”النهار” ان من بين الاجراءات التي تعمل الجهات الدولية على توفيرها، ضمان توفير إستمرار التعليم لنحو 130 الف طالب سوري يتلقون العلم في نحو ثلث المؤسسات التربوية الرسمية في لبنان والبالغ عددها 1600 مؤسسة بحيث يتعهد النظام السوري الذي يطبّق نهجا تربويا مختلفا عما هو مطبّق في لبنان ألا يهدر اعوام التعليم التي تلقاها الطلبة النازحون في لبنان.كما تشمل الاجراءات توفير إستمرار العلاج لنحو 100 الف نازح يعانون من أمراض مزمنة فلا ينقطع هؤلاء عن العلاج الذي يتوافر لهم في لبنان عندما يعودون الى ديارهم.
من اخطر ما علمته “النهار” ان مسودة الخارجية تضمنت كلمة “التعويض” التي وردت في سياق دفع بدلا لقاء عدم عودة أي نازح.وقد تنبّه رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما تسلّم المسودة للاطلاع عليها لهذه الكلمة فطلب شطبها لإنها تعني في نهاية المطاف توطين النازحين في بلدان النزوح، فتمت الاستجابة لطلبه.
وإستغربت المصادر الديبلوماسية ان يطلب فريق العهد بتحويل الاموال التي تصل الى لبنان حاليا من الجهات الدولية والبالغة بضعة مليارات من الدولارات سنويا بتحويلها الى سوريا لتمكين النازحين من الحصول عليها في ديارهم. وإستدراكا لهذا السلوك ،تم الاتفاق على ان إجراء نقل المساعدات من لبنان الى سوريا مشروط بشطب كل إسم نازح من لوائح تسجيله في لبنان عبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ،وبالتالي يتم التأكد فعلا ان النازح قد عاد نهائيا الى موطنه.
في خلاصة اولية لما انتهت اليه القمة الاقتصادية في لبنان انها لم تنطو، وفق المراقبين عن مأساة عدم المشاركة القيادية فيها، بل أنطوت ايضا على “مبادرة” لإخراج النازحين السوريين من لبنان لم تصل الى اي مكان. أنها فعلا صدمة! والسؤال: هل من يقول للبنانيين من تسبب بها؟

السابق
في الوحدة الطهارة والسلامة
التالي
العدو استأنف الأعمال على الحدود مقابل بلدات عدة واستنفار للجيش واليونيفل