قمة بيروت: الرئيس وحيد بلا حلفاء

علي الامين

اختتمت القمة الاقتصادية العربية أعمالها في بيروت الأحد الماضي، وغاب تسعة عشر زعيم دولة وحضر اثنان، واحد اكتفى بحضور الجلسة الافتتاحية وغادر سريعا هو أمير دولة قطر، والثاني هو الرئيس الموريتاني الذي بقي حاضرا، وهو الذي ستنعقد القمة المقبلة في بلاده.

ليست أحوال العرب بخير، وليس في تاريخ القمم العربية ما يثلج صدر المواطنين العرب، لكن القمة الأخيرة التي انعقدت في لبنان، ضربت الرقم القياسي في عدد الغائبين من الرؤساء والملوك والأمراء عن أعمال القمة.

طبعا شاركت كل الدول المدعوة إلى القمة، ولكن مستوى التمثيل بقي دون رأس هرم السلطة في معظم الدول المشاركة، ما جعل النتائج من دون قرارات مهمة، بل بدا الأمر عملية تسجيل انعقاد القمة في أرشيف جامعة الدول العربية، فيما بدا الرئيس اللبناني ميشال عون، أمام محاولة استنقاذ مشهد القمة في سياق مواجهة لبنانية داخلية، إثر محاولات حثيثة جرت لتأجيلها، من قبل قوى لبنانية كان رئيس مجلس النواب وحركة أمل، نبيه بري، في واجهتها، من خلال افتعال أزمة تمثلت في رفضه مشاركة الوفد الليبي في هذه القمة، وصولا إلى دخول عناصر من ميليشيا أمل إلى الدائرة المحيطة بمركز انعقاد القمة ونزعها لعلم ليبيا واستبداله بعلم حركة أمل، في منطقة يُفترض أنها تخضع لحماية أمنية مشددة من قبل الجيش اللبناني، وهذا كان كافيا لاعتذار أكثر من رئيس دولة عن المشاركة في القمة، لما تؤشر إليه “حادثة العلم” من أن الشروط الأمنية غير مكتملة، إنْ لم تكن مخترقة.

لا شك أن الرئيس اللبناني كان حريصا على نجاح القمة، فهو يرأس أول قمة عربية والأخيرة على الأرجح، ويريد من موقعه أن يفتح نافذة للضوء وسط الظلمة التي تحيط بعهده الرئاسي، حيث لم يستطع لبنان ومنذ ثمانية أشهر تشكيل حكومة، وأراد الرئيس عون من خلال انعقاد القمة في بيروت ومن نجاحها، أن يشكل قوة دفع للبنان عموما ولموقعه كقبطان سفينة الدولة وأن ينطلق نحو مرحلة جديدة غير محكومة بالتعطيل لإدارة الدولة وشؤون الحكم، كما هو الحال اليوم.

في الظاهر أن الرئيس نبيه بري مستاء من عدم دعوة سوريا للمشاركة في القمة، وكما أسلفنا يرفض دعوة ليبيا للمشاركة أيضا، وأيضا فإن الرئيس بري هو أحد أبرز القوى المناوئة لرئيس الجمهورية، لذا اعتبر بعض المراقبين أن ما جرى من تشويش وإرباك لمسار انعقاد القمة في بيروت ناتج عن هذه الحساسية والنفور القائم بين الرئيسين، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الممارسات المنافية لشروط الدولة والقانون التي صدرت عن الرئيس بري، كان يمكن أن تصدر عنه، لولا وجود محفزات إن لم تكن توجيهات صادرة عن الأخ الأكبر (حزب الله) دفعت نبيه بري إلى مثل ما قام به، ذلك أن نجاح أي قمة عربية في بيروت ولو في شكل المشاركة، هو أمر غير محبذ من قبل طهران، التي لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أي خطوة عربية يمكن أن تستنقذ لبنان وعاصمته بيروت من السطوة الإيرانية، فمقولة أن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية، كما كررها أكثر من طرف إيراني، تجد ترجمتها في بيروت أكثر من أي عاصمة من العواصم الثلاث الأخرى، أي دمشق وبغداد وصنعاء، وفي ظل المواجهة التي تقودها الرياض ضد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، لا يمكن توقع مرور انعقاد “القمة” في بيروت من دون محاولات لتعطيلها. الرئيس بري لعب الدور العلني، لكن قرار التشويش على القمة صدر في طهران.

مشهد القمة العربية في بيروت أمكن استنقاذه، لكن الرسالة الإيرانية وصلت إلى من يعنيهم الأمر. في المقابل ثمة تململ غير مسبوق من دائرة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، حيال سلوك حزب الله وسياسته تجاه رئيس الجمهورية، فالحلف الذي جمع الرئيس عون وحزب الله، شكل لدى فئة واسعة من المسيحيين، مجالا لبلورة خطاب يقوم على أن الحلف المسيحي مع حزب الله كفيل بتحسين شروط مشاركة المسيحيين في السلطة، وخطوة ضرورية لإعادة الاعتبار للدولة. وهذا ما حملته لدى هؤلاء عملية انتخاب الرئيس عون، لكن المسار بعد ذلك لم يطمئن جمهور الرئيس ولا الموقع الديني الماروني البطريركي الذي استثمر في خيار التحالف مع حزب الله، وقد كانت دعوة البطريركية المارونية لقادة الموارنة ونوابهم إلى لقاء “وجداني” في بكركي، مؤشرا على القلق المسيحي من حزب الله، جرى التعبير عنه من خلال الإشارة في البيان الصادر عن اللقاء إلى محاولات لتغيير هوية لبنان، من خلال “المثالثة” كبديل عن المناصفة والميثاقية المسيحية – الإسلامية التي يقوم عليها النظام اللبناني.

الخيبة المسيحية من تعطيل مسار الدولة، وإرباك العهد الذي تتهم أوساط قريبة من رئيس الجمهورية حزب الله بإدارته، دفعا القيادات المسيحية التي كانت تجاهر بمواجهة حزب الله كالقوات اللبنانية إلى الانكفاء، وهو ما أثار تساؤلات حول تقارب بينها وبين حزب الله على حساب العلاقة مع رئيس الجمهورية.

وفي معزل عن هذا الاستنتاج الذي تنفيه القوات اللبنانية، على الرغم من الصمت المريب وغير المسبوق من قبلها تجاه ملفات سيادية، فإن العلاقة بين رئيس الجمهورية وحزب الله مرشحة للمزيد من التراجع، ولكن من دون توهم أي إمكانية لرئيس الجمهورية في تغيير سلوك حزب الله تجاه مشروع الدولة، لكن في المقابل فإن القوة المسيحية التي وقفت خلف الرئيس عون، في حال التراجع عن وهم التحالف مع حزب الله، قد باتت أمام حقيقة تقول إن حزب الله لا يؤمن بالتحالفات أو بالشراكة، بل جلّ ما يريده أتباع أو مريدون.

القمة الاقتصادية العربية في بيروت كشفت كيف أن رئيس الجمهورية كان هدفا سهلا من قبل من يسمون أنفسهم حلفاءه الاستراتيجيين، فيما خصومه التقليديون كانوا أقرب إليه وهو يعاند من أجل علاقة الحدّ الأدنى بين لبنان ومحيطه العربي، وحتى هذه العلاقة لم يسمح له حزب الله بتحقيقها.

السابق
الجمهورية: الثنائي الشيعي يرفض طرح حكومة الـ 32 وزيرا
التالي
أرسلان: أدعو الجميع لعدم التوجّه إلى قصر العدل غداً