لقاء بكركي أمام الحقيقة: أُكلت يوم أُكل الثّور الأبيض

اجتمع أمس في بكركي بدعوة من البطريرك الراعي عدد من أقطاب السياسة المسيحيين للبحث حول تفاهمات يمكن ان تُخرج لبنان مما هو فيه، ولكن ألم يفت الأوان بعد على انقاذ الدولة من الدويلة؟

لقاء رؤساء الكتل النيابية والنواب الموارنة، الذي انعقد في بكركي اليوم (الأربعاء) بدعوة من البطريرك بشارة الراعي وبرئاسته، حكمه اتجاهين، واحد تكتيكي قاده رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، هدف الى خلق التفاف ماروني خلف مطلب الثلث المعطل في الحكومة، الذي يعمل على تحقيقه التيار الوطني الحر بدعم من رئيس الجمهورية، والثاني استراتيجي يتمثل بالمخاوف التي أشار اليها البطريرك الراعي في خطابه الافتتاحي حيال ما يطرح في السر والعلن :عن تغيير في النظام والهوية، وعن مؤتمر تأسيسي، وعن مثالثة في الحكم تضرب صيغة العيش المشترك المسيحي – الإسلامي.

وليس سرا أن رئيس الجمهورية كان أشار ومن بكركي نفسها نهاية الشهر المنصرم، الى تغيير أعراف في عملية تشكيل الحكومة، والمح في لقاءات عدة الى ضغوط خارجية وداخلية تعطل مسيرة الحكم، لذا جاءت الدعوة من قبل البطريرك الراعي، والذي الغى زيارة كانت مقررة له الى واشنطن في العشرين من الجاري حتى الخامس من شهر شباط المقبل، لرفع الصوت على ما بات يتردد في الأوساط المسيحية واللبنانية عموما عن تغيير في هوية الدولة، وهذا ما نبّه منه البيان الصادر عن المجتمعين في بكركي باشارته الى “محاولات لصناعة هوية جديدة مغايرة لحقيقته”.

لم يلق الوزير جبران باسيل تجاوباً، فالمردة والقوات اللبنانية لم يجاريانه في مطلبه، الوزير السابق سليمان فرنجية أحال الازمة الى مشكلة عدم تنازل التيار الوطني الحر عن مقعد وزاري، ولم تكن القوات اللبنانية التي غاب رئيسها عن اللقاء بسبب وجوده خارج البلاد، بعيدة عن موقف فرنجية. في المقابل فان المقاربة الاستراتيجية التي طرحها الراعي في خطابه، لم تلقى حماسة لدى معظم النواب، بل يمكن القول ان ثمة تهيب من التقدم خطوات قد لا تكون محسوبة النتائج في مواجهة اصل المشكلة والتي بات الحديث علنيا عنها في الشارع المسيحي هو ماذا يريد حزب الله؟

اقرأ أيضا: لقاء بكركي: مصارحة مارونية إلغائية أم مصلحة وطنية جامعة؟

طيلة السنوات التي سبقت وصول العماد ميشال عون، ولا سيما مع وصول البطريرك الراعي الى سدة البطريركية، لم تكن البطريركية ولا الجنرال عون وحلفائه من المسيحيين، يعتبرون في سلاح حزب الله وسلوكه السياسي، تهديدا للبنان ولا للدور المسيحي، كان الخطاب المسيحي الطاغي ان قوة حزب الله هي للجم السنة، وتغنى الكثيرون بمقولة حلف الأقليات، معتقدين أن حزب الله يمكن أن يكون رافعة لثنائية شيعية مسيحية، في مواجهة الحريرية أو السنية السياسية، والشواهد كثيرة على تجاوز الأعراف والدستور منذ اقالة الحريري عن رئاسة الحكومة وتشكيل حكومة ميقاتي، الى تعطيل الانتخابات الرئاسية لعامين ونصف تقريبا، الى تغطية دخول حزب الله الى سوريا وغيرها من العناوين التي ينطبق عليها اليوم مقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.

نجح حزب الله في تهميش او تحجيم السنية السياسية، ولكن ليس كرمى لعيون الموارنة او المسيحيين، وهذا ما اثبتته الوقائع اللاحقة بعد انتخابات الرئاسة الأخيرة، المسيحيون ليسوا حلفاء ولا شركاء للشيعية السياسية التي استحكم بها حزب الله وحكم الجميع باسمها. لقاء بكركي كان مسكونا بالخوف مما ينتظر الدولة عموما من تهديد لهويتها وصيغة النظام فيها، ولكن مسكون بالتهيب من رفع الصوت عاليا للذود عن الجمهورية، فمعظم الجالسين شاركوا وتواطأوا جهلاً، أو متوهمين بشراكة ونفوذ في ظل سطوة الدويلة، من هنا فان ثمة شكوكا من قدرة القيادات المسيحية من حمل صليب المسيحيين والدولة في مواجهة من يصلبها، ذلك أن هذه المهمة التاريخية تتطلب شخصيات وتيارات قادرة على انقاذ لبنان والدور المسيحي فيه.

السابق
حزب التوحيد: الإجتماع الدرزي في دار الطائفة منقوص ومحاولة لتكريس منطق التسلط والإحتكار
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الخميس في 17 كانون الثاني 2019