«قلوب مليانة» بين عين التينة وبعبدا.. والحريري يجمع النقاط «بصمت»

عاتب هو الرئيس نبيه بري على الرئيس المكلف سعد الحريري، وخصوصاً بعد اللقاء المقتضب الذي جمعهما في عين التينة في آخر ومضات التفاؤل الحكومي قبيل عيد الميلاد، إلا أن الجرة بين بري والحريري لم تتكسر منذ وقت بعيد. ود وعلاقة خاصة بين الرجلين، لم تصل يوماً الى مهاترات اعلامية بين حركة أمل والمستقبل، ولا الى صراع شعبي ينطلق من ساحات التواصل الإجتماعي.

على عكس هذه العلاقة، تلك التي تجمع بري برئيس الجمهورية ميشال عون، وإن كان التصويب على بعبدا منخفت، ولا يتطور الى مواجهة، إلا أن المواجهة بين بري كرئيس حركة أمل والوزير جبران باسيل كرئيس التيار الوطني الحر لا تكاد تهدأ حتى تشتعل مجدداً عبر وزراء ونواب الخصمين.
اشعال الفتيل من جديد بدأ بإعادة زج قضية هنيبعل القذافي إعلامياً، بتصويره كضحية يواجه ظلم نفوذ حركة أمل، واللافت أن من يروج لذلك هي صحيفة الأخبار التي تخصص ملف خاص بالقضية، يدعم مطالبة دمشق باسترداد القذافي الإبن، ويحمل بري مسؤولية القضية.
“الفرمان الذي أصدره وزير العدل” بحسب النائب علي بزي بشأن القضية أثار حفيظة بري، مما استدعى منه للضرب على الطاولة، معلناً عن نفاذ صبره، ومستخدماً من خلالها حق الفيتو الخاص به على حضور ليبيا الى القمة الإقتصادية المقررة في بيروت بعد أيام، يتناغم معه المجلس الشيعي الأعلى، وباستعداد شعبي كامل ل”6 شباط” جديد دون أي تنكر للتصرفات الشعبية هذه المرة.
يقول أحد المراقبين “اعتدنا على دهاء بري في الأمور التي تحصل على الأرض، فهو يدعم أي تحرك شعبي إثر قضية ما، ومن ثم يتبرأ من منفذي أي عمل تخريبي”. إلا أن ما رأيناه اليوم بتبني كامل للتحرك لمنع دخول أي ليبي الى لبنان، وتغطية اعلامية لما يسمى ب”ألوية الصدر” يؤكد على نفاذ صبر بري.
كوادر من الحركة أكدت التوجه للقيام ب”هزة خفيفة” اذا سلكت الدعوة الى ليبيا مجراها الطبيعي، الا أن اعلان ليبيا عدم المشاركة جنبنا هذه الهزة. وتتجاهل الحركة بكليتها حقيقة مشاركة ليبيا في قمة 2002 في بيروت، مما يؤكد أن تكبير حجم الموضوع اليوم عبارة عن “زكزكة” من بري للجم أي “حركشة” من الفريق العوني بقضايا تخص الحركة وتحديداً قضية الإمام المغيب موسى الصدر.

إقرأ أيضاً: قضية هنيبعل القذافي: تدخل روسي وضغوطات سورية توتّر علاقة بري بالأسد!

وبعيداً عن التفاصيل، إلا أن الحقيقة على الساحة السياسية في هذه “الهمروجة الأخيرة” سجلت نقطة في سجل بري على حساب عهد عون، يبدو أن أثار كلمة “بلطجي” لم تمحى من ذاكرة بري. وجرى مجدداً ترويج لكلام باسيل عن بري في خطابه الشهير، إلا أن من يسجل هذه النقاط بصمت، هو الحريري.
يروق للحريري أن يلعب دور الحكم، فعلى الرغم من اعتبار تسويته الرئاسية “إعلان هزيمة”، إلا أن ما نراه اليوم من تصدع في حلف 8 آذار نتيجة هذه التسوية، وقربه من الرئيسين عون وبري في آن معاً تعتبر “ضربة معلم”.
ولافتاً هو الصمت الذي يقارب فيه الأمور، انطلاقاً من الملف الحكومي وصولاً الى التجاذبات السياسية بين الأطراف الأخرى، وعرف أن الحريري وجه أمراً لأعضاء الكتلة المستقبلية والمكتب السياسي بعدم الدخول بسجالات مع أحد، بالإضافة لإظهاره ليونة بملف تفعيل حكومة تصريف الأعمال وخصوصاً لإقرار الموازنة العامة بقوله “كل شي ممكن”. ومصادر خاصة ترجح بنسبة كبيرة التوجه لعقد جلسات لإقرار الموازنة في وقت قريب.
الخط الأحمر لدى الحريري يكمن في دعوة سورية الى القمة الإقتصادية، إلا أن رمي الكرة بملعب قرار الجامعة العربية الذي يلتزم به لبنان بلسان عون، خفف عن الحريري هذا الحمل وأيضاً بقي خارج هذا السجال.
يرى البعض أن التجربة الحريرية الحالية تحذو حذو تعامل حزب الله مع الأمور على الساحة اللبنانية، فحزب الله الذي لا يهوى الرد والرد على الرد، ولا بيانات التضامن والإستنكار، ولكنه بنفس الوقت لا يستسيغ الحزب أن ينجح الحريري بجمع النقاط “بعيداً عن الإعلام”.

إقرأ أيضاً: بري: «لـ6 شباط آخر أننا على استعداد.. فلا يجربوننا»

ولعل ما يقلق الحزب الصمت المقابل لصمته بالملف الحكومي، بعد ما عوّل على تراخي الحريري مع الوقت، إلا أن توصل الحريري لقناعة بأن من يعرقل ليس حزب الله ولا النواب الستة، بل من يدير حزب الله من الخارج، وهو يعلم تماماً كيف يحل الملف الحكومي دون خسارة مضافة تترتب عليه.
الميزة في لبنان تكمن أن كل الأمور مكشوفة، ويمتلك الشعب اللبناني الوعي لمعرفة الكثير من محاولات التضليل السياسية من البعض، إلا أن واهماً من يعتقد أنه بإمكانه الجزم بما سيحدث على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد في البلاد، مما يذكرني بقول للإمام علي وهو: ” ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال”. فبعد تسجيل كل النقاط، علينا فقط ترقب النتيجة النهائية.

السابق
جنبلاط: يبدو ان القمة الاقتصادية ستعقد الا اذا حدث طارىء ما
التالي
اسود: معركة ثم تسوية و الباقي شعارات نصفية رقمية دنكيشوتية