كتاب «أيخمان في القدس وقصّة ثأر بن غوريون لضحايا المحرقة اليهودية»

كتاب حنة ارندت
"هذه طبعة منقَّحة وموسّعة للكتاب الذي ظهر لأول مرة في أيار 1963، بعد أن غطيت محاكمة أيخمان في القدس عام 1961 لمجلة نيويورك". هذا توضيح لحنّة أرندت، يختص بكتابها (الذي يتضمن هذا التوضيح).

“أيخمان في القدس (تفاهة الشرّ)”، الصادر، بنسخته العربية (بترجمة أحمد زعزع)، في طبعة أولى 2018، عن “دار الساقي” في بيروت.

وفي هذا الكتاب، تُثير حنّة أرندت، مسألة “محاكمة أدولف أيخمان” في المحكمة، التي نُظِّمت – لهذه الغاية – في مدينة القدس، لمعاقبته على دوره في تحقيق “المحرقة اليهودية”، المتمثّلة بـ”الإبادة” النازية للشعب اليهودي.

وهذا الكتاب، كان كتاباً مثيراً للجدل، وعلى نحو عاصف، في الأوساط اليهودية – عالمياً – حتى قبل صدوره في طبعته الأصلية. ذلك لأن أرندت، تُثير فيه هذه المسألة، إثارة نقدية، متمثلة بانتقادها – وعلى وجه الخصوص – دور “المجالس اليهودية”، التي سهّلت – وبطرق عديدة – سوق اليهود إلى مذبحهم. وهذا الكتاب، (الذي تربو صفحاته على الثلاثمائة وخمسة عشرة صفحة من القطع الكبير) يتضمّن – وانطلاقاً من وقائع المحكمة – سرداً مفصّلاً وموثّقاً، للقصّة الكاملة لحوادث “الإبادة”، إذ هو سرد موضوعي (حيادي)، تُظهر فيه أرندت، الموقع الصحيح للمتهم (أيخمان)، والطبيعة الحقيقية لدوره الذي مارسه في “المحرقة”، انطلاقاً من هذا الموقع، داحضة بذلك، المبالغة التي حاولت المحكمة أن تُنيط بها هذا الدور، وعلى مدى أكثر من مائة وواحدة وعشرين جلسة استغرقتها المحاكمة. هذا، على ان العدد الإجمالي لضحايا المحرقة، – وعلى ما تُرجِّح أرندت في هذا الكتاب، مؤكّدة على أنه ترجيح “لم يتم التحقق منه أبداً” – هو عدد يتراوح فيما بين أربعة ملايين ونصف وستّة ملايين.

اقرأ أيضاً: خالدة سعيد تعالج تحوّلات حداثويّة في ‌«أفق المعنى»

وكتاب “أيخمان في القدس”، يحتوي على: مقدمة بقلم أموس آلون، و”ملحوظة للقارئ” بقلم الكاتبة، وموزّعة موادّه على خمسة عشر فصلاً، وخاتمة (وتُعد هنا فصلاً بذاتها)، وملحق يتناول الجدل المثار حول الطبعة الأصلية، وفي الفصل الأول الذي هو بعنوان: “بيت العدل” (أي محكمة القدس)، تقول أرندت: “… ومن الواضح أن هذه المحكمة لا تبدو خياراً سيّئاً للمحاكمة الاستعراضية التي أرادها رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، عندما قرّر اختطاف أيخمان من الأرجنتين وجلبه إلى محكمة المقاطعة في القدس لمحاكمته على دوره في “الحل النهائي للمسألة اليهودية”. و”الحلّ النهائي” هو الإسم النازي الرسمي للإبادة” وتضيف: “إذ ليس مدير المسرح الخفي وراء مجريات المحاكمة هذه إلا بن غوريون نفسه المسمى بحق “مهندس الدولة”، الذي لم يحضر أي جلسة من جلسات المحاكمة؛ لكنه كان المتكلم الحاضر فيها، عبر صوت المدّعي العام جدعون هاوزنر الذي مثّل الحكومة، وبذل قصارى جهده في طاعة سيّده. وإنّ تعثّر السيّد هاوزنر في ذلك، فإنه يعود لحسن الحظ إلى أن قيادة المحكمة تسلّمها شخص يخدم العدالة بالإخلاص نفسه الذي يخدم به السيد هاوزنر دولة إسرائيل”.

ويعرض الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان: “المُتهم” (أي أيخمان)، البدايات الأساسية، لسيرة حياة أيخمان، وهو مستهل بالآتي: في مساء الحادي عشر من أيار 1960، في إحدى ضواحي بوينس أيرس، أُلقي القبض على أوتو أدولف، (فلقد خُطِف وأُحضر إلى إسرائيل بأسلوب مخالف للقانون الدولي) إبن كارل أدولف أيخمان ومارياني شيفرلينغ، ونُقل جوّاً إلى إسرائيل بعد تسعة أيام، حيث خضع للمحاكمة في محكمة المقاطعة في القدس، في الحادي عشر من نيسان 1961 وُجِّهت إلى المتهم خمس عشرة تهمة، من بينها: ارتكاب جرائم “بالعمل مع آخرين” ضد الشعب اليهودي، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب طوال مرحلة النظام النازي، وخصوصاً خلال مدة الحرب العالمية الثانية بأكملها. وينص قانون (معاقبة) النازيين والمتعاونين مع النازيين الصادر عام (1950)، الذي حوكم بموجبه أيخمان، أن “يُحكم الشخص المُدان بارتكاب واحدة من هذه الجرائم بعقوبة الموت”. وجواباً عن كل تهمة، ردّ أيخمان: “لست مذنباً بمعنى الاتهام”.

في العام 1932 انتسب أيخمان إلى “الحزب القومي الاشتراكي (الحزب النازي)”. حيث أصبح عضواً في “سرايا الحماية” (أس أس)، أي الوحدات الخاصة التابعة للمكتب الرئيسي لأمن الرَّايخ. وفي العام 1941، رقّي إلى رتبة، ملازم – كولونيل، بعد تعيين دور له في الحل النهائي (الإبادة)، بزمن قصير، (أي دوره في تنظيم جميع عمليات ترحيل اليهود إلى معسكرات الإبادة الجماعية)، “وهو الدور الذي أوصله إلى محكمة المقاطعة في القدس”. هذه المحكمة التي لخصت أرندت رأيها حولها في خاتمة الكتاب، على الشكل التالي: – وذلك بعد وصفها لها (تبعاً لمجريات محاكمتها أيخمان) بأنها محكمة فاشلة -. “باختصار: يكمن فشل محكمة القدس في جهلها ثلاث قضايا رئيسية عُرفت كلها على نطاق واسع، وجرى تداول النقاش الموسع حولها منذ محكمة نورمبرغ: مشكلة العدالة المُشوَّهة في محكمة المنتصرين، تقديم تعريف صحيح لـ”الجريمة ضد الإنسانية”، إدراك واضح للمجرم الجديد الذي يرتكب هذه الجريمة. على أن هذه المحكمة وفي جلسة انعقادها الأخير، قد نطقت بالحكم التالي، وذلك في الحادي عشر من كانون الأول 1961: وبعد إسقاط تُهمة الادعاء بـ”التآمر” التي كانت ستجعل من أيخمان “مجرم حرب رئيسياً” مسؤولاً تلقائياً عن كل شيء يتعلق بـ”الحل النهائي” (والإسم النازي الرسمي للإبادة)، أدان القُضاة أيخمان بجميع التُّهم البالغ عددها خمس عشرة تُهمة في لائحة الاتهام، رغم تبرئته من بعض الجزئيات، وجاء في الحكم: “بالاشتراك مع آخرين”، ارتكب أيخمان جرائم “ضد الشعب اليهودي”، أي جرائم ضد يهود بنية قتل الشعب تتألف من أربع فقرات اتهامية: 1 – “بالتسبّب في قتل الملايين من اليهود”؛ 2 – “بوضع ملايين من اليهود ضمن ظروف من المحتمل أن تؤدي إلى دمارهم الجسدي”؛ 3 – “بالتسبب في إيقاع أذى جسدي وعقلي بالغ لهم”؛ 4 – بتوجيه الأوامر بمنع الولادات وإعاقة حالات الحمل بين النساء اليهوديات في معسكر ثيرسينشتاد”.

وفي يوم الجمعة في الخامس عشر من كانون الأول 1961، في تمام التاسعة صباحاً، لفظت المحكمة حكم الإعدام.

اقرأ أيضاً: «عين ورده»..الحكاية اللبنانية في طبعتها الثانية

وبعد ثلاثة أشهر، في الثاني والعشرين من آذار 1962، افتُتحت إجراءات المراجعة أمام محكمة الاستئناف، وهي محكمة إسرائيل العليا. وفي التاسع والعشرين من أيار 1962، لُفظ الحكم الثاني، ولقد أكد الحُكم الثاني حكم محكمة المقاطعة الأول لكن محكمة الاستئناف وجدت أن “المتهم لم يتلق أي “أوامر عليا على الإطلاق، بل كان سيد نفسه، وأعطى جميع الأوامر المتعلقة بالشؤون اليهودية”، وهو في الواقع قد “تمكن من تجاوز جميع رؤسائه بمن فيهم مولر (رئيسه المباشر). ولقد رفض الرئيس الإسرائيلي بنسحاق بن زيفي طلباً للرحمة من أيخمان (قُدِّم إليه مكتوباً بخط يد المتهم) وطلباً آخر من زوجة أيخمان وعائلته، إضافة إلى رفضه كلّ طلبات الرحمة التي تلقاها في رسائل وبرقيات من جميع أنحاء العالم، (ومن بينها طلبات من وجوه يهودية بارزة)، وفي يوم الخميس التاسع والعشرين من أيار 1962، وقبل منتصف الليل بقليل، شُنق أيخمان وأُحرقت جُثّته، ونُثر رماده في البحر الأبيض المتوسط خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية وهكذا – وعلى هذا النحو إذاً، قد ثأر رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون لضحايا المحرقة اليهودية، من النازي أدولف أيخمان.

وإزاء واقعة شنق أيخمان – وفي نهاية الفصل الخامس عشر والأخير من هذا الكتاب – تقول أرندت: “توجه أيخمان نحو المشنقة بكرامة كبيرة…”. كما وتُعلن أرندت، خاتمة هذا الفصل بتعليقها الآتي: “بدا أيخمان في هذه اللحظات الأخيرة كأنه يُلخص الدرس الذي علّمنا إياه هذا الشوطُ الطويل من الخبث الإنساني، الدّرس المخيف الذي يتحدى الكلام والفكر: درس تفاهة الشرّ”.

السابق
«الجمعة البيضاء»… وأزمة أقرب الى الخيال
التالي
أرقام ضخمة وديون.. هذا ما تكبّدته واشنطن بالحرب على الإرهاب!