أوراسيا عادت.. ونجح الأميركيون

زياد ضاهر

ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها الأميركيون انسحابهم من إحدى دول الشرق الأوسط التي دخلوها أكثر من مرّة. من أفغانستان إلى العراق والآن سوريا.

بين العامين 1979 و1989 في أفغانستان، خاضت أميركا «نزالاً» مع الاتحاد السوفياتي دام 10 سنوات وانتهى بانسحاب الاتحاد السوفياتي بتاريخ 15 شباط 1989، شكلت أميركا حلفاً داعماً «للمقاومة الأفغانية» وأنفقت المليارات. حينها اشتهر صاروخ «ستنغر» في المعارك ضد السوفيات وكان من ضمن الدعم الذي كرّس «لاستيلاد منظومة» مُحددة المهام، أنجزت المهمة ولكن!.. أصبح للمنظومة توحشها وفي يدها سلاح ولعقلها عقيدة دينية. في تلك المنظومة نشأ «تنظيم القاعدة» وضم إلى صفوفه «المجاهدين» من كل الجنسيات وبخاصة العرب.

الاستثمار الأميركي أنتج الآتي:

1- «هزيمة السوفيات»، وتعتبر خسارة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان سبباً من الأسباب التي أدت إلى انحلال الامبراطورية الشيوعية.

2- أطلق «منظومة التوحش» التي تمثلت بتنظيم «القاعدة».

ساهم الأميركيون في بناء «تنظيم القاعدة» الذي تأسس مع «عبدالله عزام» عام 1987. كان من المُفترض أن تنتهي المهمة في أفغانستان بالانسحاب السوفياتي وانتهاء دولتهم. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1992 انتهى عصر الثنائية القطبية وبدأت مرحلة الأحادية في إدارة شؤون العالم والعلاقات الدولية. لم تنقطع أميركا عن دعم «طالبان» التي اشتد ساعدها وأحكمت سيطرتها في أفغانستان، ما أثار خشية «إيران» من تمددها وتدعيم قوة تنظيم «جند الله» السني الذي يُمارس نشاطه داخل محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. وبالرغم من خشيتها فقد شكلت «إيران» ملاذاً آمناً لعوائل وقيادات القاعدة ومنهم أبناء بن لادن نفسه، الذي انتقل إلى السودان حيث أقام معسكرات تدريب لمجاهديه.

عاد «المجاهدون العرب الأفغان» إلى بلادهم إلا أنهم شكلوا فيها منصات انطلاق لتنظيم القاعدة. وقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن عدد من العمليات الإرهابية فى العديد من البلدان، مثل الجزائر، ومصر، والعراق واليمن، والصومال، والشيشان، والفيلبين، وإندونيسيا، والبلقان. البيئة المتوحشة التي بُنيت في أفغانستان صدّرت إلى العديد من البلدان وتعاظم دورها التدميري للمجتمعات التي كانت بنظر التنظيم «أرض جهاد» لإسقاط الحكومات الكافرة!.

وصلت غزوات هذا التنظيم إلى قلب أميركا وأسقطت برجي التجارة العالمي وضربت مبنى الكونغرس الأميركي، الأمر الذي رتب عودة السياسة الأميركية إلى إعلان الحرب على الإرهاب واعتماد سياسة الحرب الاستباقية في عهد جورج بوش الابن، ونقل المعركة إلى أرض العدو، بعد أن اتبعت سياسة التدخل الإنساني في عهد كلينتون. فدخلت أميركا الحرب بعتادها وجنودها إلى أفغانستان عام 2001 وأطاحت بنظام طالبان، وإلى العراق عام 2003 وأطاحت بنظام صدام حسين، وبقي التعامل مع إيران بسياسة الاحتواء ومحاولات التطويع وفرض عقوبات اقتصادية، على الرغم من أن الأدبيات الأكثر قساوة في الخطاب الأميركي استخدمت ضد إيران ومنها ما قاله ترامب في جلسة مجلس الأمن المنعقدة في أيلول 2018 «إن النظام الإيراني رأس حربة في نشر الإرهاب»، وهي الدولة الوحيدة التي أعلنت على الدوام «حرباً مفتوحة» على أميركا وقدم العون للقاعدة وأخواتها. في الوقت نفسه قدمت المساعدة للأميركيين خلال دخولها إلى أفغانستان من خلال معلومات استخباراتية تخدم هدف إسقاط طالبان. وخاضت مفاوضات مضنية حول الملف النووي تكلل بعقد اتفاق أدخلها إلى النادي النووي الدولي الذي عاد وانسحب منه ترامب فاتحاً الباب أمام جولات جديدة من التفاوض من سياسة «العصا والجزرة».

نجحت الولايات المتحدة في نقل المعركة إلى خارج حدودها وعادت الجغرافيا «الأوراسية» إلى الواجهة، ودخل لاعبون جدد في الأزمات المتنقلة من أوروبا إلى آسيا في ظل «الاستراتيجية المركبة» لمكافحة الإرهاب الجديدة التي اعتمدها الرئيس الأميركي ترامب التي جمعت بين الوسائل العسكرية وغير العسكرية واعتمدت «تقاسم الأعباء» مع حلفائها.

عاد الدور الروسي للعب أدوار أساسية في «أوراسيا» بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه شهدنا ولادة «داعش» النسخة الأكثر «تغولاً» من «القاعدة». وخلال الحرب على داعش في سوريا والعراق فرض الأميركيون تعاوناً بين الجميع في دوائر متقاطعة، فكان التنسيق بين روسيا وإيران وميليشياتها ونظام الأسد في دائرة، والتحالف الدولي الذي ضم أكثر من 10 دول في دائرة أخرى وتولى الروس التنسيق مع الإسرائيليين، والتقاطع بين الدوائر كان الدور الأميركي الروسي.

تعددت الاستراتيجيات الأميركية في مكافحة الإرهاب ولم يغيب الاستثمار السياسي «للمنظومة المسمومة» التي نشأت في أفغانستان حيث كانت الولادة الأولى وشعوب الدول العربية هم الضحية الثابتة. الآن تضج التحليلات عن قرار ترامب بالانسحاب من سوريا وهذا يستدعي أن نتذكر قرار الولايات المتحدة الأميركية الانسحاب من أفغانستان الذي تردد كثيراً خلال 16 عام من تواجدها هناك. في العراق أيضاً حُكي عن الانسحاب وما زالت القوات الأميركية متواجدة. مع كل حديث عن الانسحاب الأميركي تتصاعد الأصوات الراديكالية لتعلن الانتصار، فكلا الأمرين بعيد عن الواقع.

المتفاجئ من قرار الرئيس الأميركي ترامب بالانسحاب من سوريا خلال شهر أو أكثر عليه العودة إلى تاريخ طويل من الوجود الأميركي في شتى أصقاع المعمورة. والفيصل في قرارت أميركا هو المصلحة الأميركية ومصالح شعبها وريادة دورها العالمي. فهل سيتعلم العرب من دروس الاستراتيجيات الأميركية؟

 

إقرأ أيضاً: كيف يبدو مستقبل سوريا بعد رحيل أمريكا؟

السابق
جنرال: ضربات إسرائيل في سوريا بالآلاف
التالي
بلدية بيروت تعمل على رفع الخطر الواقع على جزء من جسر الرئيس الياس الهراوي