نبيل خليفة يقرأ المشهد السوري: اسرائيل أولاً…وإيران تتحضر للخروج

الباحث نبيل خليفة
بدأت ملامح تقسيم الجبنة السورية تتضح أكثر، وبات من المعلوم أن روسيا ليست فقط ستحتفظ بالحصة الأكبر، لا بل ستقوم بتوزيع باقي الحصص كما ترغب، هذه المعادلة تسوّق في إعلام النظام السوري على أنها انتصار لسورية الأسد، فهل فعلاً انتصر بشار الأسد؟

في قراءة عامة لما جرى وسيجري في سورية والمنطقة، رأى الخبير الجيو-استراتيجي نبيل خليفة في حوار مع جنوبية، أن السؤال عن انتصار الأسد هو آخر ما يسأل في الموضوع السوري والإقليمي، والإعلام يحاول الإبتعاد عن الأهداف الأساسية للحرب السورية، فالمعركة في العالم اليوم والتي تجسد في الشرق الأوسط هي معركة الديموغرافيا، لأن الديموغرافيا هي من تصنع تاريخ الشعوب.

وذهب خليفة للتركيز على الهدف الإسرائيلي في المنطقة، فبعد أن أصبحت اسرائيل خامس قوة نووية في العالم، يتجنب أي أحد المواجهة العسكرية معها، وتالياً ستكون المواجهة ديموغرافية، فإسرائيل تشكل جزيرة يهودية صغيرة في عالم عربي اسلامي بأغلبية سنية، ولمواجهة هذا المدّ السني بدأت اسرائيل ببناء حيطان حولها، ومن ثم أتت بدونالد ترامب رئيساً لأميركا.

فالمعركة اليوم هي معركة الوجود الإسرائيلي كجسم غريب في المنطقة، والوجود الروسي في سورية يقوم على أساس حماية اسرائيل وضمان أمنها ووجودها، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أول رئيس روسي ذهب الى اسرائيل، وهو أول رئيس روسي أطلق صاروخ اسرائيلي باتجاه العرب، وكان الأمن الإسرائيلي أساسيا عند الدخول الى سورية عام 2015.

ويرى خليفة أن اسرائيل تأتي بحكام العالم، والعالم المسيحي “خزمتشية” لدى اسرائيل، فمن روسيا الأورثوذوكسية مروراً بأوروبا الكاتوليكية، وصولاً الى أميركا البروتستانتية يعملون تحت أمر اسرائيل، ويظهر ذلك جلياً عندما نرى اتصالات تنسيق بين الروس والإسرائيليين قبيل ضرب أي صاروخ على سورية.

اقرا ايضا: قوات عربية إلى سورية وإيران تحت ضغط مباشر

ونتيجة ذلك، فبدل من أن تصبح اسرائيل جزءاً من المنطقة، تسعى هي وأصدقائها في العالم لأن تحول المنطقة الى أجزاء شبيهة بها، ويتم ذلك عبر تحويل الدول الى دويلات.

تباين روسي أميركي في سورية

على الرغم من أن الأساس هو دور اسرائيل وأمنها، إلا أن التباين بين روسيا وأميركا في سورية موجود، ويرى خليفة أن التباين يقع في موضوع توزيع الحصص، إلا أن أكثر ما يهم أميركا هو العراق وليس سورية، فأميركا مستعدة لتدمير العالم إذا ما تهدّد وجودها في العراق، وتالياً، تسمح أميركا لأن تنعم روسيا بسورية، مقابل ابتعادها عن العراق.

وفي لمحة تاريخية، عاد خليفة لأسباب اسقاط نظام صدام حسين في العراق، وقال أن أهم أسباب ذلك كان لضرب النفوذ السني في المنطقة، ويأتي ذلك أيضاً ربطا بالحرب العراقية الكويتية، التي هدفت للأمر عينه، وهو ضرب القوة السنية في ما بينها.

هل تقع سورية تحت الإنتداب الروسي؟

لا يذهب خليفة لتسمية الوجود الروسي في سورية بالإنتداب، بل يصوب نحو ماهية الإستراتيجية الروسية في المنطقة، فاستراتيجية بوتين الكبرى تكمن في التوجه الى التوسع، تعويضاً على ما خسرته روسيا الإتحادية بعد انهيار الإتحاد السوفياتي الذي كان يشكل قوة مواجهة للقوة الأميركية.

ومن جهة أخرى يستند بوتين أيدولوجياً على الكنيسة الأورثوذكسية، وذلك لافتقاده لأيديولوجية خاصة به، بالإضافة لكونه أكبر قوة نووية في العالم بحيث يمتلك 4600 قنبلة نووية، مقابل 2600 قنبلة لأميركا، إلا أن لدى أميركا القدرة على اطلاقها من 15 نقطة، في حين أن لروسيا القدرة على اطلاقهم من 5 نقاط فقط.

يقول خليفة أن المدخول الفردي السنوي في روسيا ضعيف، بحيث لا يتعدى ال5000$ للفرد سنويا، ونتيجة ذلك نرى التوافق الروسي العربي، ولعل المصافحة الحميمة بين بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة دليل على ذلك، وترتبط المغازلة الروسية للعرب والسعودية تحديداً بالنفط، فإذا ذهبت السعودية باتجاه تخفيض الإنتاج فسينعكس ذلك ايجابا على المدخول الروسي.

اسرائيل وسورية والهدف الواحد

يعتبر خليفة أن لإسرائيل هدفاً معروفاً بترسيخ الدولة اليهودية، ولبشار الأسد هدفاً بانشاء دولة علوية، وهناك قول لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسنجر وهو: “مصالح اسرائيل وسوريا تلتقيان بشكل موضوعي”، فهنا تكمن أساس “اللعبة”، وتشكل الدولة العلوية التي يسعى الأسد لترسيخها مركز انطلاق لإسرائيل في مشروعها، فتكتيكياً نرى نزاع سوري اسرائيلي، ولكن استراتيجياً للمشروعين عدو واحد، وهو النفوذ العربي الإسلامي السني لأنهم الأكثرية.

عودة النازحين لن تحدث

وتعليقاً على التهجير الذي طال حوالي نصف الشعب السوري، قال خليفة ضاحكاً “من يعتقد أنهم سيعودون لا يعرف شيئاً”. وأضاف: “هناك مهجرون يهجرون كنتيجة للحرب، وهناك مهجرون يهجرون كسبب للحرب”.

فالمصلحة مشتركة هنا، النظام العلوي لا يرغب بسيطرة سنية في سورية والمنطقة، واسرائيل لها مصلحة، وإيران أيضاً، وذلك لتنفيذ مشروعها المتجسد بالهلال الشيعي الذي يمر عبر سورية، ولكن ما يوقف هذا المشروع أو يعرقله اليوم، هو المشروع الإسرائيلي اليهودي.

ويؤكد خليفة على عدم رغبة بوتين بتقوية العلوية السياسية، وذلك لتأثره بمصير السنة، فهو لديه 25 مليون سنيا في روسيا، وهو لا يريد ان يضرّ ويستفزّ هذا المكون، وبالوقت عينه لا يريد الحاق الضرر بالمشروع العلوي الموازي للمشروع الإسرائيلي، وكذلك لا يريد تحدي أميركا.

ومن أهداف اسرائيل التي تسعى روسيا لتنفيذها خصوصاً في سورية، هو عدم وجود إيران فيها مستقبلا وابتعادها عنها، وهو ما نراه اليوم يبدأ بالتنفيذ.

السابق
تشييع رسمي وشعبي لعميد المجلس الشيعي محمد رضا الحاج في الوردانية
التالي
الحلّ في سوريا يبقي الأسد ضعيفا ويُخرج إيران