تجربتي مع العملاق الأزرق

طويت نهاية الشهر الفائت، سنوات عشر قضيتها نزيلا في كتاب الوجوه (facebook) مغلقا حسابي في العملاق الارزق بعد ان أصابتني الرتابة وملل.

عشر سنوات كان لي فيها نصيب من الحلو والمر، تعرفت خلالها على مجموعة واسعة جميلة من الأصدقاء الطيبين. لاشك ان فايسبوك محفز فعال على تضخيم دائرة المعارف وزيادة قائمة الارقام في كتاب الهاتف (phone book) وهذا اكثر ما في الموقع ايجابية، إلا انه ينطلي على مجموعة من السلبيات لا يمكن تخطيها او القفز عنها.

مؤخرا، امسى فايسبوك سجنا كبيرا. خورزمية مرقس جبل السكر (مارك زوكربيرغ) المقيتة تحاصرك من كل حدب وصوب، فتمنعك من بلوغ جُدُر الاصدقاء، فضلا عن سوقها البشر كلهم بعصا عمياء تساوي اللوذعي بالغبي، الهادىء بالأرعن، واللطيف بالفظّ.

الدراسات المتخصصة في هذا الشأن تقول ان كل ما نكتبه على فايسبوك لا يصل الا لما بين ١٢ و١٦ بالمئة من مجموع الأصدقاء (هذا بأحسن الأحوال) الا ان الواقع أسوأ من ذلك بكثير، ما يعني ان الآلاف الخمسة التي يسمح بها مرقس كعدد اصدقاء، لن يشاهد منهم ما تكتب الا المئات… وهم أنفسهم لا يتغيرون، يواظبون بين مليّك ومعلّق على متابعة كتاباتك باستمرار.

فمرقس يرفع شعار “يلي متلنا يجي لعنا”، يقربك ممن يشبهونك بتوجهاتك السياسية وذوقك وتطلعاتك ويُسبت (من سبات) كل من هم بخلاف ذلك، فلا تراهم ولا يرونك الا اذا تفاعلوا على كتاباتك بشكل متواصل… ليصبحوا هؤلاء المقربون (وانت معهم) سجناء داخل غرفة افتراضية زرقاء، يحدد هو حجمها وعدد نزلائها ويرسم لها النوفذ والابواب، ويضع جدولا بمواعيد فتحها واغلاقها.

مؤخرا لاحظت ان مشاركة روابط المقالات على صفحتي (وصفحات الآخرين ايضا) تنال اقل قدر ممكن من المشاهدة وبالتالي اقل قدر من الاعجابات، وهذا بسبب سياسة مرقس في الحد من الاخبار الكاذبة.

لجأ إلى محاصرة الـshare ككل لعدم قدرته على حذف الكاذب منها. كلنا سمعنا بحذف كتابات فيها مصطلحات كـ “إرهاب، عريّ، داعش، حزب الله”… الخ، بمعزل عن معرفة المضمون. سمح مرقس لنفسه ان يكون سلطة رقابية عمياء، نحن اصلا هربنا منها بعد ان وجدنا بموقعه ملاذا للتعبير.

هذا حقه وهو حرّ، يريده موقعا اكثر اجتماعية، بل اكثر عائلية ايضا: صور للزيارات والرحلات مع الأصدقاء والأهل، ريادة مطاعم ومقاهي ومنتجعات وتسوّق وسياحة… وهذا ليس من تطلعاتي.

إقرأ أيضاً: فيسبوك تعلن عن اختراق نحو 50 مليون حساب

لكل ما سبق ذكره تركت فايسبوك وتحولت الى المِغراد (Twitter) وهو الآخر ليس أفضل حال، الا انه فضاء مفتوح متخصص الى حد بعيد. مفتوح لناحية عدد الأصدقاء ومتخصص في تناول الاخبار وتبادلها بسرعة، ولا يتطلب الكثير من الجهد حيث تسمع وتقرأ فيه اكثر مما تلجّ وتُماحك… أبعد الله عنا اللجاجين المماحكين!

السابق
عشرة مصارف لبنانية في محكمة نيويورك وجمعية المصارف تثق بعدالة القضاء الاميركي
التالي
جنبلاط: يبدو ان ابواب تشكيل الوزارة مقفلة او ان الضوء الاخضر لم يأتي بعد