إسمع يا دولة الرئيس (48): ماذا تعني الدعوة للدولة المدنية؟

الشيخ محمد علي الحاج
لا يمكنني أن أمر مرور الكرام عند دعوة الرئيس نبيه بري للدولة المدنية؛ فقد ترددتُ كثيراً سابقاً في الإفصاح عن رأيي خلال هذه الرسائل.. علماً أنني جاهرتُ بذلك مرات عدة.

دولة الرئيس؛
لا يخفى عليكم موقف كبار علماء الطائفة في هذا المضمار، وسأشير لبعض مواقفهم في العراق، وسوريا، ولبنان.
– في العراق اعترض الإمام السيد علي السيستاني على “القانون الجعفري للأحوال الشخصية” الذي طرحه حزب الفضيلة، ولله الحمد فإن القانون لم يقر، وما زال القانون المدني الرسمي في العراق معمولا به، رغم كل الحضور الذي يتمتع به مراجع حوزة النجف الأشرف، ورغم النفوذ الذي تحظى به الحركات الإسلامية الشيعية، ومع ذلك فما زال القانون مدنياً في العراق، ولا تطالب المرجعيات الدينية في النجف بغير القانون المدني!

– في سوريا، خلال فترة الانتداب الفرنسي الذي دفع باتجاه تأسيس المحاكم المذهبية في لبنان وسوريا، فقد تصدى كبير علماء الشيعة في سوريا وقتذاك الإمام السيد محسن الأمين لطرح استحداث محاكم جعفرية للشيعة.. وتاليا فلم تتكشل هذه المحاكم على غرار ما حصل في لبنان.

– أما في لبنان، فإن الشيعة لم يسعوا لتأسيس المحاكم الجعفرية، ولا الإفتاء الجعفري، بل تم التأسيس بضغط وطلب واصرار من غير الشيعة، وأكثر من ذلك فإن كبير علماء الشيعة في لبنان حينها المقدس الشيخ حسين مغنية رفض تولي موقع رئاسة محكمة التمييز الجعفرية العليا، بعدما أرسل إليه رئيس الجمهورية اللبنانية شارل دباس وقتذاك مرسوما بتعيينه على رأس القضاء الجعفري، في العام 1926، فرفض..
وباختصار فقد جاء تأسيس هذه المحاكم بفعل غير الشيعة، وحتى إن “قانون تنظيم القضاء الجعفري” الصادر سنة 1962 ورد في سياق قانون القضاء السني، وكذلك تأسس الإفتاء الجعفري على ضفاف الإفتاء السني..

أستاذ نبيه؛
دعوتكم هذه، للدولة المدنية، ليست الأولى في سياقها، وما زلنا نذكر موافقتكم على طرح الزواج المدني منذ عشرين عاما، ونتمنى أن لا يكون طرحكم اليوم على غرار طرح الرئيس الياس الهراوي في أواخر أيامه لمجرد الاستهلاك السياسي..

وأخيرا؛
وبالرغم من أنني انصرفت للمطالبة بإصلاح المؤسسات الدينية الشيعية الرسمية؛ ولكنني لم أخفِ يوما رؤيتي بضرورة إلغائها من أساسها، ولتكن المؤسسة الدينية الشيعية كما المرجعية الشيعية في النجف، وكما البطريركية المارونية في لبنان، لا ترتبط إداريا وماليا بالسلطة الرسمية.. حفاظا على الدين نقيا صافيا، بل وعلى الدولة أيضا، فلا يمكننا تصور قيام دولة – بكل ما للكلمة من معنى – من دون فك ارتباطها الإداري بالسلطات الدينية..!

اقرأ أيضاً: إسمع يا دولة الرئيس (47): حسنات الثنائي

وحينها فليبق الدين في مساحته الروحية الرحبة، في العلاقة بين العبد وخالقه حصرا، مع ما يستلزم ذلك.. من دون توسيع دائرة الدين لكي يُستغَل في المآرب السياسية!

وأما ترددي في تكرار نشر هذا الرأي كي لا يستغله تجار الدين، بعض معممي عصرنا، بل معظمهم، الذين يصورون من يود المحافظة على الدين، وتحصينه من الاستغلال، يصورونه أنه عديم التدين، وفاسد عقائديا.. في حين أن هدف هذه الدعوة العكس تماماً.

وحسبي قول رسول الله: “إنّ الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء” قالوا: يا رسول الله وما الغرباء؟ فقال صلى الله عليه وآله: “الذين يصلحون عند فساد الدين”.

السابق
هذا هو الرئيس العربي الثاني الذي سيلتقي بالأسد قريباً
التالي
«الصوت العالي» في لقاء قصر بعبدا مع مسؤول «حزب الله»؟