في الذكرى المئويّة… هل يبقى الوطن؟

لبنان
منذ يومين طوينا صفحات سنة 2018، وبدأ العام 2019. ليس عاما عاديا، فيه ينهي الكيان اللبناني عامه المئة من دون ان ينجح المقيمون على ارضه بالتحول الى شعب واحد، وان يبنوا مؤسسات دولة ترعاهم ولا ان يحظوا بحدود نهائية. بلد يحكمه مجموعة من زعماء الطوائف قد ارتضوا تقاسمه حصصا ومغانم يتنازعون فيما بينهم من اجل زيادة الحصص ويتحالفون في وجه من يريد حقه كمواطن.

يبدو أن لبنان يمرّ بأزمة هي الأقسى التي يواجهها منذ تأسيسه عام 1920. البعض يعتقد أنها أزمة كيانية تتعلق بعلاقته مع محيطه، والبعض الآخر يصفها بأنها أزمة نظامه الطائفي السياسي وانسداد الأفق أمامه وعجزه عن تقديم اية حلول لمشكلات المقيمين على ارضه . في حين يرى آخرون أنه يعيش أزمة كيان وأزمة نظام في آن واحد.

كنا صغاراً نحلم بتغيير العالم، نريد بناء دولة المساواة والعدل والمواطنة. اخطأنا باستخدام الوسائل، انكسرت أحلامنا، الآن أقصى ما نطمح إليه أن نبقى لا طائفيين نحمل قيم التسامح وقبول الآخر. وربما صار هذا الحلم أكبر من إمكاناتنا.

وُلد لبنان عام 1920،لكنه لم يكن وليد حركة نضالية جماهيرية تريد كياناً لشعب موحد، بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية. كنا مجموعات دينية، عائلية وعشائرية لكل منها تاريخها واساطيرها وابطالها. لبنان الجبل كان حلم الموارنة، أضافت إليه السلطات الانتدابية أربعة أقضية لتأمين يد عاملة وإنتاج زراعي ومرفأ لأصحاب الكيان الحلم.

الموارنة اتهموا الفرنسيين بخيانتهم عندما أضافوا إليهم شركاء، في حين كان الفرنسي يرمي إلى إبقاء بوابة العرب مفتوحة بوجه الموارنة لكن الفرنسي لم ينتبه للديموغرافيا او انه انتبه وتركها مبررا لاستمرار الحروب الاهلية المتناسلة من1840. والمسلمون، رفضوا الالتحاق بكيان نظروا إليه وكأنه خيانة لخيارهم بناء مملكة عربية موحدة.

اقرأ أيضاً: هل يشهد مطلع عام 2019 تحركات مطلبية واسعة؟

بين 1920 و1943 تبلورت صيغة تسوية بين زعماء المكونات الاجتماعية التي تتصف بالصيغة المذهبية وكان الميثاق الوطني بين الشريك الأساسي الماروني والشريك الصغير السنّي. وبقي الوضع يقوم على تجاور مجموعات يغلب على علاقاتها عوامل القسمة وليس الانصهار.

عام 1958، مع تبدل الأوضاع العربية انعكس ذلك على وضع المسلمين المطالبين بحصة أكبر في السلطة وكان لهم ما أرادوا، من دون أن يكون لأي من المجموعات المكونة رؤية لبناء وطن موحد يعيش فيه شعب واحد له أحلامه وتاريخه وأبطاله وأساطيره.

ما بين 1920 و1969، نصف قرن من المغالبة بين عناصر الفرقة وعناصر الوحدة، بين عناصر المواطنة وعناصر الرعايا الطوائفية، كان يبدو أن عنصري الوحدة والمواطنة هما المرجحان في التطور الديمقراطي، فأتت الحرب ودمرت كل المساحات المشتركة بين اللبنانيين، وانتهى الأمر باتفاق الطائف الذي أبدل الهيمنة المسيحية بهيمنة إسلامية. لكنه أعلن أن لبنان وطن نهائي لكل أبنائه في محاولة للخروج من أزمة الكيان وعلاقته بالمحيط، لكن بعض مكوناته وخصوصا بعد التطورات التي حصلت في الكيان السوري يدعوولو تحت الطاولة لتعديلات قد تطال الكيان لتعديل في نظام المحاصة وكان ذلك مخرج من ازمة النظام .

بعد عام 2007، الكيان في مهب الريح، مشروع إمارات إسلامية من جهة، والتحاق بالكيانية السورية من جهة أخرى، ربمالا ينتبه أحد أن الكيان اللبناني “المصطنع” نشأ عام 1920 في حين أن الكيان السوري أنشئ عام 1927.

ولبنان الكيان ومنذ تأسيسه ارتضى نظاماً سياسياً يقوم على المحاصصة بين زعاماته السياسية ذات المواقع الطائفية المؤثرة. وكل تاريخ البلد يقوم على النزاع للهيمنة بين مكوناته.

نظام طائفي يتعاطى مع الجمهور بصفتهم رعايا، لا مساواة بينهم، يجدد نفسه وفق تسويات سياسية تعدل كل فترة وأخرى بين موازين القوى الطائفية. تتقدم إحدى الطوائف لتحتل موقعاً كانت تحتله طائفة أخرى، ثم تعود للوراء لإفساح المجال أمام طائفة أخرى. كل الزعماء يرمون الفتات لرعاياهم لتأمين استمرارية الزعامات. وكل تطور سياسي يحصل، يستخدم لإنتاج آليات جديدة للاستزلام السياسي. وبعد الأزمات المديدة صار النظام الطائفي أمام طريق مسدود. النخب الطوائفية غير قادرة على إنتاج تسوية جديدة فيما بينها وتجربة تشكيل الحكومة مؤخرا خير مثال . البنى الداخلية اللبنانية عاجزة عن نسج قاعدة نظام سياسي جديد يخرج البلد من شرنقة المحاصصة الطوائفية نحو المواطنة الرصينة.

اقرأ أيضاً: المقاومة العربية وتخبط الحزب الشيوعي اللبناني

أزمة لبنان هي داخلية بامتياز، أما العوامل الخارجية فمؤثرة بمقدار لجوء قوى الداخل اليها، وهذا ما تفعله القوى السياسية اللبنانية كافة، تستعين بالخارج على الشريك الداخلي علها تحسن من مواقعها في السلطة.

لبنان في عين العاصفة، الكيان باق لأن لا توجّه إقليميا أو دوليا للتلاعب بمصيره حتى اللحظة، لكن النظام الطائفي القائم على المحاصصة يسير بالبلد نحو تحلل مؤسساته، وتحلل العلاقات بين مكوناته وإلغاء المساحات المشتركة بين المقيمين على أرضه.

يبدو أن النور الذي يظهر في نهاية النفق غير مرئي، ولا أمل في الخروج من المستنقع الطائفي في المستقبل المنظور، الا اذا بدأنا من نقطة الصفر. هل من يتقدم الصفوف؟

السابق
الاتحاد العمالي دعا للاضراب العام الجمعة كمبادرة احتجاج اولية ورفض كل ما يجري
التالي
بالفيديو: علي شمس الدين يفضح «الجهة الأمنية» التي أطلقت سراح «مهربي السلاح» الاتراك