لا دور لإيران في منظومة تقاسم النفوذ الأميركي الروسي التركي

شادي علاء الدين

مع الإعلان عن الانسحاب الأميركي من سوريا اعتقد الكثيرون أن المنطقة تشهد بداية انكفاء أميركي كامل عن المنطقة، يخلي الساحة أمام النفوذ الروسي الذي تربط إيران به علاقات تحالف وتعاون، وتالياً فإن حضور إيران في المنطقة عموما سينتعش وسينعكس ذلك على كل البلاد التي تحتفظ فيها بودائع ملغومة وخصوصا في لبنان.

سرعان ما ظهر أن الانسحاب الأميركي ما هو إلا إعادة تموضع يخلي سوريا لصالح مشروع تقاسم نفوذ استراتيجي واسع تتجلى ملامحه في الزيارة المفاجئة للرئيس الأميركي إلى العراق والتي كشفت عن رغبة في تمكين القواعد الأميركية العسكرية وإنشاء قواعد جديدة تحاذي سوريا وتشرف عليها وعلى المنطقة بشكل عام، وتشكل مركز انطلاق لأي تدخل ممكن وفق ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب بنفسه، ولكن الأهم أنها ترسم خطوطا حمر أمام الوجود الإيراني في المناطق الحدودية، وتفكك مشروع إيران الهادف إلى وصل سوريا بالعراق.

كذلك لا بد من الإشارة إلى أن أميركا لم توقف العمل في مشروع سفارتها الضخم في لبنان والذي كانت السفيرة الأميركية في لبنان إليزابيت ريتشاردز قد وضعت حجر الأساس فيه عام 2017، ولعل ضخامة المشروع الذي يمتد على مساحة 174 ألف متر مربع بكلفة مليار دولار وبفترة عمل تمتد إلى العام 2023 تشير إلى أن فكرة الانكفاء الأميركي التام عن المنطقة ليست سوى أوهام.

اقرأ أيضاً: قرار الانفتاح العربي على دمشق يسبق «المستجد التركي» وتعويم الأسد له شروطه!

ترتّب أميركا مع روسيا شؤون تقاسم النفوذ الميداني في المنطقة وفي العالم وفق سياق يستجيب لمصالح الدول الفاعلة والمؤثرة وطبيعة التحولات التي تجري فيها، حيث يتم توزيع الأدوار ضمن سياقات تلحظ بشكل خاص طبيعة أشكال الحكم المتغيرة في المنطقة والميالة عموما إلى ارتداء صيغة الأنظمة مع الحفاظ على شكل الدولة.

من هنا فإن النظام التركي الذي يقف على رأسه الرئيس أردوغان يعتبر أن مصالحه ترتبط بالقضاء على النفوذ الكردي ومنع قيام دويلة كردية على حدود تركيا، ولعل الانسحاب الأميركي بشكله الذي اعتبر خيانة لقوات سوريا الديمقراطية دفعتهم إلى ارتكاب خطيئة التهديد بإطلاق سراح عناصر وقيادات تنظيم داعش المتطرف الذين تحتجزهم، كان يتضمن استجابة لطموحات تركيا التي لا تريد من حضورها في سوريا سوى أن يكون تمكينا لنظامها الأردوغاني الذي يحظى بعلاقات جيدة مع جل أطراف اللعبة الدولية والإقليمية.

يضاف إلى ذلك أن الحضور الميداني التركي الذي بات الحضور الأكثر قوة وفاعلية على الأرض، أمّن معادلات ضبط تنسجم مع مآلات المشروع الأميركي الروسي، وتؤدي من ناحية أخرى دور لجم بشكل الطموحات الإيرانية وتأمين البديل الدولي الموضوعي عنها والذي يمكن أن يستبدل الحضور الإيراني المتشتت الملامح والميليشوي الطابع.

وإذا أضفنا إلى هذا الحضور وجود عشرات الآلاف من عناصر قوات المعارضة السورية الذين ساهمت تركيا في تدريبهم تحت إشراف أميركي، تتضح معالم شبكة معالم الحضور الميداني التركي الواسع والذي أُنجز الانسحاب الاميركي تحت ظلال ما يمكن أن تنسجه من ضوابط تستجيب لمعطيات المرحلة القادمة وتشارك في إنجاحها.

لا تستطيع إيران على الرغم من حضورها الذي لا ينكر في الميدان السوري أن تقدم معادلات تؤثر على المشهد العام، أو أن تقدم صيغة لشراء نفوذ ما تستجيب لمصالح الدول الكبرى، وحتى أن بقاءها في سوريا بات متضاربا مع مصالح حليفها بشار الأسد الذي دخلت الميدان كي تؤمن له الاستمرار، ولكنها لم تنجح في ذلك بل أخرت سقوطه وحسب، في حين أنه كان للتدخل الروسي التأثير الحاسم في بقائه واستعادته لمناطق واسعة كان قد خسرها.

كذلك ليس لدى إيران ما تبيعه في الشأن الإسرائيلي، ولعل أبرز دليل على ذلك تلك الرسالة الصاروخية الحادة التي وجهتها إسرائيل إليها بعد الإعلان عن الانسحاب الأميركي، في لحظة اعتقد الجميع فيها أن روسيا ستعمد إلى تغيير قواعد الاشتباك حفاظا على علاقتها مع إيران، ولكن الضربة الأخيرة كشفت عن ارتفاع وتيرة التنسيق الروسي الإسرائيلي بعد الانسحاب الأميركي ما يدل على وجود ترتيبات مسبقة بهذا الشأن.

وكذلك فإن المنظومة التي يطلق عليها تسمية صفقة القرن المعقودة بين السعودية وإدارة ترامب، تتضمن بعدا واضحا تعلن فيه السعودية ودول الخليج عن عدم ممانعتها كسر المحرمات التاريخية فيما يخص العلاقات مع إسرائيل، والشروع في إنجاز تطبيع معها مقابل تحجيم النفوذ الإيراني والحفاظ على سلامة واستمرار الأنظمة.

يسلب هذا التوجه من إيران القدرة على صناعة صفقة مع إسرائيل وهي التي يشهد تاريخها منذ لحظة عام 1979 على استعمال إسرائيل كمخرج عام لها من مآزقها الداخلية والخارجية.

هكذا لم يعد أمام ايران المكبلة بثلاثي تقاسم النفوذ الأميركي الروسي والتركي وعنوان الحفاظ على أمن اسرائيل، إضافة إلى حربها المفتوحة مع السعودية ودول الخليج سوى أن تمارس اللعب القذر في لبنان عبر تعطيل تشكيل الحكومة، بغية الدفع بحزب الله إلى السيطرة على كل مرافق الدولة، والتحول الى الدولة نفسها في محاولة لانتزاع الشرعيات التي تمنح للدول.

بيّنت إدارة إيران لهذا الملف أنها لا تجيد اللعب من خلال فكرة الدولة حتى ولو كانت مشروعا يهدف الى تحويل الميليشيا إلى دولة لأن الأصل الميليشوي يغلب دائما، ولذا فان مشروع تحويل حزب الله إلى الدولة بالابتزاز وخنق الحلفاء والخصوم على حد سواء ووجه دوليا بمناخ يعتبر الدولة اللبنانية ككل مسؤولة عن سلوكيات حزب الله، وبذلك بات على إيران أن تلجم مشروعها اللبناني بنفسها إذا ما شاءت أن تتخاطب مع المجتمع الدولي.

السابق
قرار الانفتاح العربي على دمشق يسبق «المستجد التركي» وتعويم الأسد له شروطه!
التالي
أربعة أوهام طائفية تسوق لبنان للعنترة المشبوهة والفشل