عون وحزب الله: صفقة غير متكافئة

ميشال عون
منذ تفاهم مار مخايل الشهير وصولا إلى انتخاب الرئيس ميشال عون، بعد تعطيل الانتخابات الرئاسية لأكثر من عامين، حقق حزب الله للجنرال حلمه، وبات على الرئيس أن يقوم بما عليه لتحقيق مشروع حزب الله.

الصفقة التي عقدها حزب الله مع الجنرال ميشال عون لم تكن صفقة متكافئة، فمشروع التيار الوطني الحر أو العونيين، هو ميشال عون، فيما المشروع المقابل أي مشروع حزب الله هو مشروع ابتلاع البلد. لقد حقق حزب الله للتيار الوطني الحر ما يشتهيه أي الوصول إلى مقعد الرئاسة في قصر بعبدا، والتي بدت للجنرال آنذاك هدفاً بذاتها، لا باعتبارها منطلقا أو محطة في مشروع يتجاوز فكرة الوصول إلى الرئاسة التي كانت حلما مدمرا في العام 1990 ثم أمكن تحقيقه بعد أكثر من ربع قرن.

الوصول إلى الرئاسة الأولى، واستحواذ حلم الوصول لعقول العونيين بمجملهم، شهد في طريقه على امتداد عشر سنوات تجاوزا للدستور وفرض أعراف، وابتداع تفاسير للميثاقية ولتشكيل الحكومات كانت في مجملها وسائل أراد من خلالها حزب الله فرض إدارته وسطوته على الدولة، فيما كان حلم الوصول إلى الرئاسة للجنرال كفيل بأن يجعل العونيين مستعدين لتغطية كل التجاوزات الدستورية والقانونية طالما تشق طريق الزعيم إلى بعبدا.

اقرأ أيضاً: ماذا بعد أن أصبح الصراع مكشوفاً بين حزب الله والتيار العوني؟

منذ تفاهم مار مخايل الشهير وصولا إلى انتخاب الرئيس ميشال عون، بعد تعطيل الانتخابات الرئاسية لأكثر من عامين، حقق حزب الله للجنرال حلمه، وبات على الرئيس أن يقوم بما عليه لتحقيق مشروع حزب الله، فطالما أن الصفقة كما كرر قادة حزب الله دوما هي إيصال عون الى الرئاسة فقط، وهذا ما يكشف أن الوصول إلى بعبدا هو البند الأول والأخير وغير المدون في تفاهم مار مخايل والمطلوب من حزب الله تجاه الجنرال عون.

المهمة المقابلة والمستمرة، الملقاة على عاتق التيار الوطني الحر، هو تغطية عملية استحواذ حزب الله على الدولة، أي تعزيز وتشريع نفوذ ودور السلطة غير الشرعية المتمثلة بسلاحه ونفوذه، على حساب شرعية المؤسسات الدستورية والقانونية. ومن الملاحظ أنه مع وصول العماد الى الرئاسة الأولى، لم يعد حزب الله مكتفياً بالوصاية على الطائفة الشيعية، وبدأ عملية اختراق الطوائف الأخرى وصوغ التمثيلات في داخلها، وعمل من خلال إقرار قانون الانتخاب في صيغته النسبية، على توفير شروط الاختراق في البيئة السنية بمعاونة ودعم من الرئيس، ونجح في إحداث هذا الاختراق كخطوة أولى عبر عدد من النواب، تمهيدا للتمدد لاحقاً.

الساحة السنية هي هدف حزب الله اليوم، باعتبارها مدخل نفوذ وتأثير القوى الإقليمية والدولية المناهضة لحزب الله، وتزداد أهميتها بالنسبة لحزب الله، بعدما نجح إلى حدّ كبير في تهميش الدور المسيحي في الحسابات الأوروبية والعربية وحتى الأميركية، بحيث بدا التنوع الظاهر في الساحة المسيحية شكليا، وعنصر تناقض بين مكوناتها. وإلى حدّ كبير استطاع حزب الله الاستفراد بالساحة السنية، مستفيدا من غياب الحاضنة الإقليمية لهذه الساحة، أو في الحدّ الأدنى سوء الأداء العربي والسعودي تجاه لبنان، ومستفيداً أيضا من التردد والتخبط الأوروبي والأميركي تجاه لبنان.

هذا المسار الذي نشهد فيه تمثلات تمدد حزب الله في بقية الطوائف، هو ما دفع نائب أمين عام حزب الله أن يقول من طهران، إن “حزب الله هو حزب عابر للطوائف في لبنان” وأن نشهد تمثلات المديونية التي تمنع الرئيس عون من أن يكون الرئيس القوي، فحزب الله يقول للرئيس كل يوم “نحن القوة المقررة” ومقتضى سداد الدين، يؤدي الى عدم مغامرة الرئيس بخوض أي مواجهة مع حزب الله يدرك أنها ستكون خاسرة، لكن ربما ما يزعج الرئيس هذه الأيام، ليس سداد الدين بل دفعاته المرتفعة والمرفقة بسبب الفوائد العالية التي باتت تثقل كاهل “الحليف”.

في إشارة الرئيس إلى خلق أعراف جديدة وتعبيره عن الانزعاج منها أمام سيد بكركي في عيد الميلاد قبل أيام، ما يشير إلى أن رئيس الجمهورية، انتبه أخيراً إلى هذه الأعراف، ويمكن أن يقول في سره اليوم، “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، فالأعراف التي تفرض في تشكيل الحكومات و تبرير السلاح وفي المحاصصة وفي تفسير الميثاقية، هي من الارتكابات التي كان التيار الوطني الحر مساهما في إنتاجها وشرعنتها، وهي اليوم تستخدم لفرض المزيد من تهميش الدولة والدستور، وإذا كان البعض من المحيطين بالرئيس يظنون أن وصوله سيعيد الصلاحيات الرئاسية إلى ما كانت عليه قبل الطائف، فإن هذا الوهم اصطدم بالسلطة الفعلية التي يمثلها حزب الله، ولن تسمح بأن تعطي مقاليد النفوذ والسلطان لعداها.

اقرأ أيضاً: رسالة مفتوحة إلى الرئيس عون وسائر القيادة

ما يريده حزب الله هو أن يهدأ الرئيس وانصاره ومريديه، وأن يتأقلموا مع الحقيقة والواقع، الحساب الإقليمي هو الذي يحدد أولويات حزب الله وسياساته في الداخل والخارج.

عقل ومنظومة الأولويات لديه إيرانية ولو كان هؤلاء لديهم هويات لبنانية، لذا فإن إعادة ترتيب الوضع اللبناني جارية ضمن الحسابات الإيرانية لناحية ترتيب المشهد الجديد في لبنان كتعويض عن المشهد السوري، وإحكام القبضة الإيرانية على لبنان كبديل عن تراخي القبضة الايرانية المتوقع في سوريا.

ربما يدرك اللبنانيون اليوم على اختلافهم أن المسألة لم تعد تتعلق بوزير أو وزيرين، بل إن ما يجري هو أن الدولة اللبنانية تتلاشى وتفقد حضورها.

السابق
اشتباك بين وئام وهاب وزياد الرحباني
التالي
مقربون من القصر: العاهل السعودي يحيط ولي العهد بمستشارين مخضرمين