العراق: التحرش الإيراني وسياسة إدارة الظهر الأميركية

كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث "بحزن شديد" حيال الإجراءات الأمنية التي رافقت رحلته السرية إلى العراق أمس، التي تلاها بعد ساعات قليلة من انتهائها سقوط عدة قذائف في محيط السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء.

بعد مغادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب العراق مساء أمس الأربعاء، جرى الإعلان أنّ الرئيس الأمريكي وزوجته ميلانيا قاما بزيارة إلى القواعد العسكرية الأميركية في العراق استمرت حوالي ثلاث ساعات، لتهنئة الجنود بأعياد الميلاد.

وكشف موقع “إن بي سي نيوز” الأميركي أن ترامب غادر واشنطن في طائرة مطفأة الأضواء ومغلقة النوافذ، إلى جانب حماية جوية كبيرة، ما يشير إلى المخاوف الكبيرة التي رافقت هذه الزيارة، من دون أن يلتقي أيّ مسؤول عراقي لأسباب بروتوكولية كما أشار رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي في بيان صدر عنه، واكتُفي باتصال هاتفي بينهما.

لا شك أن توقيت إطلاق القذائف في محيط السفارة الأميركية، ليس عفوياً، فالرسالة إيرانية على الأرجح وهي تحرص على التأكيد على ما ذهب إليه الرئيس الأميركي، حيال استيائه من الإجراءات الأمنية المشددة لحمايته في بلد كلف واشنطن، آلاف المليارات من الدولارات، من دون أن ينجح رئيسها في زيارتها بشكل طبيعي.

اقرأ أيضاً: ديمقراطيون وجمهوريون ينتقدون قرار ترامب المتسرّع بالانسحاب من سوريا

وفي موازاة ذلك صدرت عدة مواقف لجهات عراقية سياسية وأمنية كالحشد الشعبي وعصائب أهل الحق وغيرهم، تستنكر طريقة زيارة الرئيس ترامب، التي لم تحترم الأصول الدبلوماسية.

وليس خافياً أن أزمة تشكيل الحكومة العراقية لا سيما عدم تعيين وزيري الداخلية والدفاع لم تزل عالقة، وهي تعكس أزمة إيرانية في الدرجة الأولى، فقيادة فيلق القدس التي تدير عملية توزيع الوزارات، تبدو مربكة حيال لا مبالاة واشنطن تجاه خيارات إيران الوزارية، ذلك أن قائد الفيلق الإيراني قاسم سليماني ما زال ينتظر أشهرا بلا ملل ولا كلل ملاحظات أو مطالب أميركية بتسمية شخصيات لتوزيرها وذلك من أجل محاولة ربط نزاع مع واشنطن في العراق، كما حدث في تشكيل حكومة حيدر العبادي السابقة التي نعمت بتوازن أميركي إيراني مريح، إضافة إلى هامش واسع من حرية واستقلالية في القرار السياسي الوطني العراقي أزعج الإيرانيين على مدى الأعوام الأربعة الماضية، ما دعا سليماني إلى العمل مع المتضررين وإزاحة العبادي وعدم التمديد له، والإتيان بعادل عبد المهدي ليشكل حكومة لون واحد يتصدرها أتباع إيران، على أمل المشاركة الأميركية بوزير أو وزيرين.

الانزعاج الإيراني هو من اللامبالاة الأميركية تجاه تشكيل الحكومة العراقية، أو عدم الاهتمام بمن يتولى هذه الوزارة أو تلك، فيما سليماني القادر على حسم ما تبقى من وزارات شاغرة، يتمهل مستجدياً أي إشارة أميركية اعتراضية، لبدء البحث المشترك حول البدائل أو الخيار المناسب.

اقرأ أيضاً: كيف تمكنت إيران من شيعة العراق؟

محاولات التحرش الإيراني بواشنطن مستمرة في العراق، ولكن من دون طائل حتى الآن، فيما شكل إعلان الانسحاب الأميركي من سوريا، إرباكا لإيران، لا سيما أن هذه الخطوة تعكس ترسيخ السياسة الأميركية التي تحاول التحكم والسيطرة من خلال سياسة الاحتواء، من دون التورط المباشر في التفاصيل الميدانية السياسية والأمنية. هذه السياسة تزعج إيران وتربكها، لأن الطرف المقابل في الساحة السورية أو العراقية لن يكون هذه المرة أميركيا، بل أطرافا إقليمية بديلة وجماعات سياسية ومجموعات مقاتلة.

إيران التي تستجدي الشراكة مع واشنطن في العراق، تبدو أمام معضلة رفض ترامب أي تعاون، وهذا مؤشر على فتح الباب أمام شركاء اخرين، أو تولي الوصاية الإيرانية كامل المسؤولية عن العراق سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وهذا أخطر ما يواجهه سليماني في ادارته للحكم العراقي. واشنطن وحدها من يمتلك إمكانية إعادة اعمار العراق في حال وافق العراقيون وتمنوا عليها ذلك، فيما طهران لن تحمل إليهم إلا المسيرات نحو الأعتاب المقدسة، ومزيدا من الفساد والدمار للدولة العراقية.

قذائف سليماني على محيط السفارة الأميركية، ليست سوى عملية تحرش إيرانية بواشنطن، تنطوي على رغبة جامحة بعقد اتفاق معها خلافا لنوايا ترامب واستمراره في فرض المزيد من العقوبات عليها.

السابق
الفجوة بين حزب الله والتيار العوني تتسع.. ماريو عون للأصدقاء في الحزب: عودوا إلى ضميركم!
التالي
الدستور هو الحل….