«أوراق كاتب عدل» لـ صخر عرب: الحكايات اللزجة الطازجة

اوراق كاتب عدل

يلازم المدينة،مدينته صور،ولا يبرحها إلا فيما ندر. يرابط على بوابتهامنذ ما يقارب الأربعة عقود،وبعين البصير ِ يراقب، يسجل ويحكي ما يدور في مكتبه، مكتب الكاتب العدل في صور الأستاذ صخر عرب.يصطاد أبطال حكاياته من أحياء المدينة ومن بين العابرين إليها من الجوار.
ثقافته العامة، حسه الروائي،خبرته القانونية ،تمرّسه في شؤون مهنته وصلته بمختلف شرائح المجتمع شكلت الإطار الذي ينسج ضمنه قصصه وحكاياته وأمثولاته.
رواد مكتبه يسعون للبيع،للشراء، يبحثون عن إطار قانوني مناسب للإتفاقيات التي يبرمونها..وصخر يفتش عن حكاية ، عن عبرة،عن مفارقة. الجمّال بنية والجمل بنية (حتى نجاري صديقنا في أمثاله).يتجاوز كاتب العدل المتن ، وهو هنا المادة القانونية موضوع معاملة صاحب العلاقة، ويذهب إلى الهامش.ويصنع من هوامش لقاءاته مع رواد مكتبه مرآة لمدينته، مرآة لمجتمعها.
في أوروبا، وخاصة في فرنسا،البلد الأم لكتابة العدل المعاصرة،يعتبر أرشيف كاتب العدل ثروة ثقافية، يعود إليه الباحثون والمحققون .يستدلون من خلاله،من الصكوك والعقود والأسناد،عن الأشكال القانونية السائدة في حقبة معينة، عن اللغة القانونية، عن الفاعل الإقتصادي (الرجل، المرأة، الفرد، الجماعة..)
في هذا الإطار يندرج كتاب “أوراق كاتب عدل”. إذ لا يكتفي صديقنا بأرشيف دائرته الذي يضم مئات الآلاف من العقود والأسناد الرسمية ،والذي هو بحد ذاته إرث ثقافي وإنما يبحث في الظروف التي أحاطت بتنظيم هذه الأسناد.فإلى جانب طرطقة الختم التي تختتم المعاملة الرسمية،يفتح صخر حكاية صاحب المعاملة ،يخبرنا عن أحوال زبائنه “المنيح والوحيش” ويسلط الضوء على “المحتالين” و”الغشاشين” و”النصابين”و”أولاد الحرام”. فعلاقات الصداقة والجيرة وروابط القرابة المغلّفة في مجتمعنا بمساحيق المجاملة والمحاباة الكثيفة سرعان ما تتصدّع ويتكشّف عُريها أمام الكاتب العدل عندما يتعلق الأمر بتوزيع تركة ،بمال منقول أو غير منقول..

اقرأ أيضاً: كيف احتل الخليج مركز الثِّقل العربي المعاصر في كتاب عبد الخالق عبد الله

يكتب زميلنا صخر حكاياته كما يرويها، بعفوية ب”لغة حية خارج أي نمطيات معهودة” كما يقول رئيس مجلس الكتاب العدل الصديق جوزف بشارة في تقديمه للكتاب. لا يُخضِعُ صخر “أوراقه”لأي ضَبْطٍ، لا يراقبها، يتركها على سجيتها، يخاف أن تفقد عفويتها ،يريدها طازجة.تتدفق الأحاديث والحوارت في “الأوراق”كما يتدفق الكلام السلس من لسان صديقنا الذَرِبْ.
صحيح أن موضوعاً جامعاً يشد “الأوراق”إلى بعضها، موضوع المعاملات التي تجري في مكتب الكاتب العدل ،معاملات بيع وشراء وإفراز العقارات ،نقل التركات، وكالات بيع السيارات، إنشاء الشركات، التنازلات والإسقاطات والوكالات، عقود العمل وخاصة منها عقود العمال والعاملات الأجانب… حيث يقدم زميلنا، وبطريقة غير مباشرة، دروساً في طريقة التعامل مع الزبائن في طريقته في النصح والإرشاد في إفهامه مضمون الأسناد لأصحاب العلاقة وفي رفض المعاملات المخالفة للقانون… يحاول في كل ذلك أن يبين،وبحسب أسلوبه، الطريق القويم والطريق العوجا.

ولكن ما يحبه صخر، ما يهواه، هو الحكايات التي تدور على هامش هذه المواد القانونية الجافة “اللي بتضيّق الخلق”، الحكايات اللزجة الطازجة، هذه الحكايات التي لولاها لما كانت “أوراق كاتب عدل”.

السابق
الدستور هو الحل….
التالي
جعجع: محمد شطح ضمير القضيّة الذي حاولوا قتله