كيف احتل الخليج مركز الثِّقل العربي المعاصر في كتاب عبد الخالق عبد الله

كتاب
في القرن الواحد والعشرين برزت حالة خليجية جديدة لذلك، وبعد غياب طويل تستعيد منطقة الخليج العربي نفوذها العربي وتجاهر بحضورها العالمي الذي لا يمكن تجاهله أو التهوين من شواهده الكثيرة التي يمكن التعبير عنها والتعريف بها وإيجازها في مصطلح لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر. هذه هي لحظة الخليج الثانية بعد اللحظة الأولى التي انبثقت قبل 1500 سنة.

يتوقَّفُ الكتاب الصادر تحت عنوان “لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر” (أو “كيف أصبحت ستُّ دولٍ خليجية مركز الثِّقل العربي الجديد”)، عند نفوذ دول الخليج بتأثيرها وحضورها في المشهد العربي العام، على أصعدة عدة مختلفة. وهذا الكتاب الصادر، مؤخراً، عن (“دار الفارابي” في بيروت وفي طبعة أولى 2018)، هو كتاب جديد للكاتب الإماراتي الدكتور عبد الخالق عبد الله.

هدف هذا الكتاب، “هو التعريف بهذه اللحظة، والكشف عن وقائع وحقائق وشواهد على حالة خليجية جديدة برزت في بداية القرن الجديد”.

ويشرح الكاتب مضمون كتابه في مقدّمته التي تحمل عنوان: “بروز لحظة الخليج”، وذلك على الشكل التالي: مع بداية القرن الواحد والعشرين برزت حالة خليجية جديدة ودخلت المنطقة العربية لحظة تاريخية غير مسبوقة هي لحظة الخليج، حيث انتقل الثقل الاقتصادي العربي إلى الجزء الخليجي، وأصبح القرار السياسي العربي يصنع في الرياض وأبو ظبي وكذلك في الدوحة بعد أن كان حكراً على القاهرة ودمشق وبغداد، وتحولت مدن خليجية إلى مراكز مالية ودبلوماسية وإعلامية عالمية، وأخذ قادة الخليج الجدد يتصرفون بثقة ويتحدثون بمنطق القوة وبرغبة واضحة في قيادة الأمة العربية نحو مستقبل مختلف.

اقرأ أيضاً: سيرةُ حسين مروّة كما أرادها أن تُكتب

في القرن الواحد والعشرين برزت حالة خليجية جديدة لذلك، وبعد غياب طويل تستعيد منطقة الخليج العربي نفوذها العربي وتجاهر بحضورها العالمي الذي لا يمكن تجاهله أو التهوين من شواهده الكثيرة التي يمكن التعبير عنها والتعريف بها وإيجازها في مصطلح لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر. هذه هي لحظة الخليج الثانية بعد اللحظة الأولى التي انبثقت قبل 1500 سنة.

مصطلح لحظة الخليج هو جديد هذا الكتاب الذي يقدم شواهد على أن دول الخليج العربي تعيش لحظة استثنائية وحالة تنموية فريدة وتؤسس لمشروعها التنويري الرديف للمشروع النهضوي العربي الذي تعثر كثيراً وتعطل طويلاً، ويمكن بعثه من جديد من الخليج العربي. هذه ليست لحظة المغرب العربي، المشغول بهمومه الداخلية الكثيرة والتي دفعته إلى الابتعاد عن محيطه العربي. وهذه ليست لحظة المشرق العربي المنهمك بشدة في أزماته وحروبه العديدة، في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا. كما أن هذه ليست لحظة مصر التي تراجع دورها القيادي وانكفأت على نفسها علها تستعيد عافيتها بعد ثورة الربيع العربي. هذه لحظة الخليج العربي الذي يتميز باستقراره السياسي، ونموه الاقتصادي السريع وانفتاحه على النظام العالمي. مصطلح لحظة الخليج يعبر عن هذه الحالة الخليجية الجديدة، حيث تحولت منطقة صحراوية جرداء إلى واحة تنموية خضراء، وأصبحت دول خليجية صغيرة تتصرف كعملاق اقتصادي وسياسي ومعرفي تؤثر في الكل العربي أكثر من تأثير الكل العربي في الجزء الخليجي.

برز مصطلح لحظة الخليج في التاريخ العربي قبل نحو عشر سنوات في سياق الحديث عن تحولات تأسيسية تشهدها عدة مدن خليجية تسعى للقيام بأدوار تنويرية. فالدوحة ترغب في أن تكون عاصمة للتعليم، وأبو ظبي تود أن تكون عاصمة للدبلوماسية، والشارقة تخطط لتكون عاصمة للثقافة، ودبي تؤكد دورها كعاصمة للإعلام العربي، والرياض أصبحت مركز الثقل السياسي العربي خلال القرن الواحد والعشرين.

هذه الرغبات المحقة تشير بوضوح إلى أن دول الخليج الصغيرة والغنية والطموحة ترغب الآن في ممارسة أدوار قيادية والتأثير في محيطها العربي بوعي وإصرار وثقة. خلال العشر سنوات منذ أول حديث عابر عن لحظة الخليج في التاريخ العربي تطورت الحالة الخليجية كثيراً، وبرزت بوضوح أكبر وبلغ نفوذ الخليج وتحكّمه في محيطه العربي درجات عالية، وبرزت موازين قوى عربية مختلفة عما كان سائداً في القرن العشرين، وهي تشير إلى أن الجزء الخليجي أكثر تحكماً في محيطه العربي من تحكم المحيط العربي في الخليج العربي. هذا التحكم الخليجي شامل لجميع الجوانب الحياتية والمؤشرات الحيوية ما يعني أن لحظة الخليج ليست لحظة واحدة، بل هي مجموعة متكاملة ومتداخلة من اللحظات. لحظة الخليج في التاريخ العربي هي لحظة اقتصادية ومالية، ولحظة سياسية ودبلوماسية، ولحظة اجتماعية ومجتمعية، ولحظة ثقافية ومعرفية، كما هي لحظة إعلامية بامتياز.

لا تأتي لحظة الخليج من فراغ، بل تنمو وتنضج يوماً بعد يوم في رحم حالة خليجية جديدة، ومن وحي تطورات تاريخية زالزالية في المنطقة العربية. وحان وقت التعريف والتعرف عن قرب وعن كثب إلى هذه اللحظة الصاعدة في المشهد العربي. وهذا ما يسعى إليه هذا الكتاب. فالفصل الأول يقدم التأصيل التاريخي والنظري الضروري والسياق العالمي لبروز لحظة الخليج. ويتناول الفصل الثاني لحظة الخليج في بعده الاقتصادي والمالي الأكثر وضوحاً من بقية أبعاد هذه اللحظة، ويركز الفصل الثالث على البعد السياسي والدبلوماسي للحظة الخليج الذي برز بقوة خلال مرحلة ثورات الربيع العربي التي أفسحت المجال واسعاً لتنامي نفوذ الخليج في المحيط العربي.

ويحاول الفصل الرابع جمع شواهد على لحظة الخليج في تجلياتها الاجتماعية والمجتمعية التي ما زالت بعيدة عن الأضواء. ويخوض الفصل الخامس في الجانب الثقافي والمعرفي والإبداعي للحظة الخليج المثير للجدل ويخضع دوماً للشك وحتى التشكيك. ويرصد الفصل السادس من فصول هذا الكتاب انتقال مركز الثقل الإعلامي العربي إلى الجزء الخليجي بعيداً عن المراكز الإعلامية التقليدية في مصر ولبنان. ويستعرض الفصل السابع والأخير التحديات التي تواجه لحظة الخليج، ويجيب عن السؤال: إلى أين تتجه لحظة الخليج؟ وهل جاءت لتبقى وتستمر؟ وهل فعلاً سيكون القرن الواحد والعشرون قرن الخليج في التاريخ العربي المعاصر؟

اقرأ أيضاً: «حكاية الرّجل الذي أحبَّ الكناري» للراحل بسام حجّار

ينقل هذا الكتاب روح لحظة الخليج، ويرصد أبرز معالمها وشواهدها، وتقدم فصوله خارطة حالة خليجية جديدة فرضت استخدام مصطلح لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر. لا تتفق الحالة الخليجية الجديدة مع التصورات التقليدية السائدة بأن مجتمعات الخليج العربي هي مجتمعات تقليدية واستهلاكية، واقتصاداته ما زالت اقتصادات نفطية لا تستطيع أن تعيش من دون عوائد النفط، وأن دوله دول صغيرة وهشة لا تستطيع أن تعيش سوى من خلال حماية أجنبية، وأن الخليج يعيش على هامش المشهد الإبداعي والمعرفي العربي. لحظة الخليج تقدم صورة مختلفة عن هذه الصورة التقليدية التي لا تناسب وقائع خليج القرن الواحد والعشرين باقتصاداته المزدهرة ومجتمعاته المنفتحة ودوله الراغبة في القيام بأدوار إقليمية وعالمية.

أخيراً، لا بد من التذكير أن تركيز الكتاب على لحظة الخليج ورصد بروز الجزء الخليجي كمركز الثقل العربي الجديد لا ينم عن أي شعور بالاستعلاء تجاه محيطه العربي. فالخليج لا يود أن يخترع لنفسه ريادة لا تناسبه، وليس في وارد المواطن الخليجي أن يتقمص هوية غير هويته العربية. فالخليج العربي جزء لا يتجزأ من أمته العربية وفخور بانتمائه الحضاري والثقافي العربي. لا يمكن لدول الخليج مهما علا شأنها وتصاعد نفوذها أن تعيش من دون عمقها العربي الراسخ في القلوب. كذلك من المهم الإشارة إلى أن الحالة الخليجية الجديدة هي حالة قيد التشكل، وفيها من نقاط الضعف بقدر ما فيها من نقاط القوة، وتواجه تحديات من الداخل ومخاطر من الخارج، لكنها أكثر ثقة بنفسها وبمواردها وبمساراتها المستقبلية من أي وقت آخر.

السابق
ترامب ومؤسسات الدولة العميقة
التالي
ماذا يريد حزب الله؟