حزب الله يلجم طموحات باسيل الرئاسية ويستعد لمرحلة النفوذ الروسي

جبران باسيل
يحرص حزب الله على تعطيل مشروع باسيل الرئاسي الذي يتخذ من الموضوع الحكومي واجهة للعمل عليه، فحرمانه من امتلاك الثلث المعطل يقزّم طموحاته الرئاسية، وقد يدفع في ظل الظروف القائمة حاليا إلى منح طموحات سليمان فرنجية السوري الملامح زخما رئاسيا فاعلا وهو ما يريد حزب الله أن يمنح نفسه الوقت لترتيب كيفية التعاطي معه.

بعد أن كان حزب الله هو المعطل الأساسي للحكومة، نجحت الحركة الأخيرة لناحية طرح توزير جواد عدرا في قلب المعايير، فظهر وزير الخارجية جبران باسيل في ثوب المعطل، ولكن السؤال الذي يبدو ملحا بصدد كل التطورات المتسارعة التي أنتجها خروج اسم عدرا الى النور من اللامكان، هو هل كان باسيل يعتقد للحظة واحدة أن حزب الله سيسلمه مقاليد السيطرة على الثلث المعطل بما يضمنه من إمساك بمفاصل التاثير على القرار الحكومي، والقدرة على التمهيد السلس لمعركة الرئاسة بمجانية وسلاسة؟

ما كشفه ظهور جواد عدرا في ساحة التوزير وما رافقه من تقديم حزب الله لأسماء وزارئه، يعني بوضوح تام أن العقد الحكومية قد سلكت طريق الحل، وأن باسيل وما يسمى بمجموعة اللقاء التشاوري إذا ما أرادوا عرقلة الأمور فإنه سيتحتم عليهم مواجهة كل القوى السياسية اللبنانية والمناخ الدولي الضاغط في اتجاه تشكيل الحكومه، والذي برز مؤخرا لاعب فاعل في صفوفه، وهو اللاعب الروسي الذي لا تجيد القوى السياسية اللبنانية طرق إدارة شؤون اللعب معه.

تعلن كل المؤشرات المتوفرة ان اللعب مع الروسي ليس لعبا ناعما وهادئا، ولعل الإعلان عن الدخول الروسي على خط تشكيل الحكومة وما رافقه من مسارعة حزب الله إلى خلع عباءة اللقاء التشاوري الضيقة، يدل على أن مثل هذه المناورات لم تعد صالحة للاستعمال في ظل التطورات الكبرى والواسعة.

اقرأ أيضاً: جواد عدرا.. وفخّ السلطة؟!

تقول هذه التطورات إن روسيا باتت تعتبر لبنان جزءا أساسيا من دائرة تفوذها في المنطقة، بعد أن أخلى الأميركيون الساحة السورية لها ضمن شبكة تفاهمات وترتيبات معقدة، تنكشف معالمها شيئا فشيئا، ضمن دائرة دلالات تتصل بحاجتها إلى تمكين نفوذها في المنطقة، بشكل يختلف عن طبيعة مشروع إيران وحزب الله ويتناقض معهما.

كانت العناوين التعطيلية التي رفعها الحزب قبل تدبير فخ اللقاء التشاوري الهش تنطوي على نزعة إجبار الحريري على التطبيع مع النظام السوري، لأن الحزب يعتبر أن ذلك التطبيع يضمن له إدارة شؤون الحضور السوري في لبنان، بوصفه ينمو تحت جناح سيطرته ويشكل أحد معالمها، ما من شأنه أن يسمح له بمخاطبة التيار الدولي والعربي الميال الى شرعنة حضور الأسد من خلاله.

نسف واقع الدخول الروسي على خط الأزمات في المنطقة بوصفه صاحب النفوذ المعترف به أميركيا وإسرائيليا وعربيا هذا الطموح، ومنح الأولوية للنظام السوري من خلال ربط شرعنته وحضوره بالنفوذ الروسي باعتباره أبرز وجوهه.

من هنا كان التأثير الكبير على منطق إدارة ايران لابتزارها في الساحة اللبنانية، فبعد ان كان التنسيق مع النظام السوري مطلباً مباشرا للحزب تراجع هذا المطلب في صيغته السابقة، وعمل الحزب على إدارة الأمور بشكل آخر يحرص فيه على دعم شخصيات تدور في فلك النظام السوري، ولكنها تتمتع بحيثية خاصة تقترب من بنية الأنتلجنسيا وليس ثوب رجال المخابرات والأمنيين.

ترشيح عدرا كان واجهة ينصاع من خلالها حزب الله للتحولات المستجدة، والتي ستجعل نفوذه مرتبطا بالتنسيق مع روسيا ومع النظام السوري، ولكن من خلال مداخل لا يمتلك فيها الأولويات الحاسمة، لأنه ما أن تخرج معادلات القوة والغلبة من حدود لبنان فإن الحزب يصبح تفصيلا.

سارع حزب الله الى الدفع بعدرا إلى الواجهة لأن هذه الشخصية تؤمن سلسلة من العناوين التي تتلاءم مع المستجدات، فهو رجل اشتهر بأبحاثه ومقالاته ضد الفساد والمفسدين، وهي عدة شغل حزب الله في الآونة الاخيرة كما أن بروفايل عدرا ينسجم مع ضرورة مخاطبة العالم حاليا التي يسوقها الحريري والتي تؤمن لحزب الله إمكانية السير بمشروع دمج نفسه بالدولة والتوحد فيها، كما أنه يرتبط بصلات جيدة مع كل الأطراف على الرغم من عنوانه الممانع.

اقرأ أيضاً: هذا ما رست عليه البورصة الحكومية حالياً

لكن الأبرز من ذلك كله داخلياً هو تعطيل مشروع باسيل الرئاسي الذي يتخذ من الموضوع الحكومي واجهة للعمل عليه، فحرمانه من امتلاك الثلث المعطل يقزّم طموحاته الرئاسية، وقد يدفع في ظل الظروف القائمة حاليا الى منح طموحات سليمان فرنجية السوري الملامح زخما رئاسيا فاعلا وهو ما يريد حزب الله أن يمنح نفسه الوقت لترتيب كيفية التعاطي معه.

أمام النفوذ الروسي قد تكون غلبة حزب الله اللبنانية تفصيلا عابرا، بل ربما تتحول الى عبء ثقيل، يرجح أن يفرض على الحزب إعادة النظر في كل أولوياته وخصوصاً ما يتعلق بنزعة تفكيك الدولة، لأن روسيا تعتمد التعامل مع بنية الدول كآلية لتسيير حضورها.

هكذا فان مشروع الحزب الحالي يتمثل في الانتقال من وضعية ميليشيا تتسلط على الدولة إلى الميليشيا التي صارت دولة وتريد إقناع الجميع أن وجهها الميليشوي قد اختفى،من هنا فإنه سيكون محتاجا إلى سعد الحريري ونبيه بري لإنجاز عملية الماكياج الشاقة هذه بما يعنيه ذلك من تحول جماعة اللقاء التشاوري وطموحات جبران باسيل إلى غبار لا بد من نفضه.

السابق
السيد محمد حسن الأمين: الفقر ليس السبب الأول للطلاق!
التالي
تظاهرة مطلبية في وسط بيروت والمعيشة اولا