بسام همدر: الزراعه هي الخاسر الأكبر وتشكّل 1% من موازنة الدولة!

يمُرّ القطاع الزراعي في لبنان، اليوم، في مرحلة تراجعية أخرى، تُعتبر استمراراً طبيعياً، أو استكمالاً "منطقياً"، لما مرّ به، سابقاً، من مراحل تراجعية، اقتصادية وتنموية، وعلى مستويات عدّة متنوعة ومختلفة، وهذا ربما ما يفسِّر لنا، حقيقة وضعية هذا القطاع، في مرحلته الحالية التي جعلته "الخاسر الأكبر، اليوم على الصعيد الاقتصادي اللبناني".

رئيس قسم الاقتصاد في “الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا” الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور بسام همدر، أكّد خسارات القطاع الزراعي في الحوار التالي، الذي أجرته معه “شؤون جنوبية”، والذي يدور حول الزراعة في لبنان، عموماً والجنوب خصوصاً:

ما هو تقييمكم للوضعية الحالية للقطاع الزراعي في لبنان عموماً، وجنوبه خصوصاً؟
إن القطاع الزراعي اللبناني، للأسف، هو الخاسر الأكبر، اليوم، على الصعيد الاقتصادي، وذلك من خلال مقارنته، وفي الوقت الحالي، ببقية القطاعات الاقتصادية اللبنانية الأخرى مجتمعة؛ وبالعودة إلى الوضعية الماضية التي كان عليها القطاع الزراعي اللبناني، نجد أن هذا القطاع، كان يشكل أكثر من عشرة بالمائة من الناتج المحلي، وأكثر من 15% من القوى العاملة اللبنانية. أما اليوم؟ فإن القطاع الزراعي في لبنان، يشكل 4%، فقط، من الناتج المحلي، و5% فقط من القوى العاملة. هذا، وإن المساحة الزراعية في لبنان، هي في حدود (330 ألف هكتار)، يُستخدم منها، فقط، 230 ألف هكتار، حيث تتوزع عليها، ما يبلغ مجموعه، مائة وسبعين ألف “حيِّزة زراعية”، تُعيل 150 ألف عائلة. وحسب إحصاءات “منظمة الفاو” (FAO) يستفيد من القطاع الزراعي اللبناني، حوالى مليون فردٍ بطريقة مباشرة وأيضاً، بطريقة غير مباشرة. وتضيف “الفاو”/ إن الصادرات الزراعية اللبنانية، تشكل حوالى 700 مليون دولار من كل الصادرات اللبنانية، أي ما يقارب الـ18%. وتُشكّل الواردات الزراعية اللبنانية حوالى 3 مليار دولار، أي ما يقارب الـ17% من كل الواردات الزراعية اللبنانية. وإن عدم اهتمام الدولة اللبنانية بهذا القطاع الحيويّ البشري، يبرز من خلال موازنة وزارة الزراعة، التي لا تتجاوز الواحد بالمائة، من موازنة الدولة العامّة؛ بينما تتجاوز هذه الموازنة الـ5 والـ6 والـ7 بالمائة، في دول الجوار (كسوريا، الأردن، تونس، المغرب، مصر، وغيرها).

اقرأ أيضاً: واصف شرارة: الزراعة تعاني من التهميش والزحف العمراني وتغييب مشروع الليطاني

زراعات جديدة

ماذا إذاً عن وضع الزراعة في الجنوب اللبناني، حالياً، وعلى وجه التحديد؟
إن المساحة الحالية للأرض الزراعية في الجنوب اللبناني، تشكل 21% من مجمل المساحة الزراعية في لبنان، وهناك أكثر من 50 ألف “حيِّزة زراعية” في الجنوب، تشكّل مصدر عيش للمواطنين الجنوبيين. وإنّ أهم الزراعات الجنوبية، كانت، في الماضي، على الساحل، وكانت تتشكل من الحمضيات، على جميع أنواعها، ولذلك كان يُطلق على هذه المنطقة اللبنانية، وصف: “بستان الشرق”. وبعد ذلك، أتت زراعة الموز، لتأخذ مكان الحمضيات، فتقلّصت رقعة الحمضيات في الجنوب اللبناني، واستسلمت لزراعة الموز، على جميع أنواعه، حتى أن الجنوب اللبناني، في فترة من الفترات، كان المصدِّر الأساسي للموز، إلى سورية. أما، حالياً، فإن المُزارع الجنوبي غيّر المنهج الزراعي التقليدي برمته، بحيث أن، لا الحمضيات، ولا الموز، استطاعا أن يصمدا، أمام الزراعات الجديدة في الجنوب، ألا وهي: الأفوكادو، القشطة، المانغا، والنخيل، والقصعين والزعتر، وإلى ما هنالك، من زراعات جديدة؛ أضف إلى ذلك، الزراعات العضوية التي غدا بعض الأماكن في الجنوب مسرحاً أساسياً لها، كمنطقة مرجعيون – حاصبيا، ومنطقة شبعا، وبعض المساحات في منطقة النبطية. وبالنسبة لزراعة الأفوكادو، هناك حوالى 3200 مُزارع في الجنوب، يُنتجون 8500 طن من الأفوكادو سنوياً، فلقد أصبحت هذه النوعية من الزراعة المصدر الأساسي للدخل، لدى آلاف العائلات في الجنوب. كما أن هناك زراعة الزعتر البلدي، المهمة جداً، والتي يصل دخل المزارع الجنوبي منها، إلى أكثر من ثلاثة آلاف دولار لمحصول الدُّنُم الواحد. حيث أن هناك موسمين اثنين لقطاف الزعتر، واحد في الربيع وواحد في الصيف. وتتركز هذه الزراعة (أي زراعة الزعتر البلدي) في الأماكن الجنوبية التالية: الزوطرين: الشرقية والغربية، وصير الغربية، ويحمر الشقيف، وقعقعية الجسر، وغيرها من الأماكن هناك. أما الزراعة العضوية (وهي الزراعة التي تعتمد على السمادات العضوية، أي السمادات الخالية من أي مادة كيميائية)، فإن إنتاجية الزراعة العضوية في الجنوب هي، بشكل عام، أدنى بخمسين في المائة من إنتاجية الزراعة التي تعتمد على المواد الكيمياوية. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أننا نجد – وعلى سبيل المثال – أن الـ كلغ الواحد من “الخيار العضوي” يبلغ سعره (3000 ليرة لبنانية)؛ بينما نجد أن سعر الـكلغ الواحد من “الخيار غير العضوي” هو، فقط، ألف ليرة لبنانية. لذا فإن هذه الزراعة العضوية، على أهميتها ونقاوتها، هي متعثرة، في ظل هذا الوضع الاقتصاديّ الصعب.

شؤون جنوبية 169

وبما أننا نركز حديثنا هنا عن الزراعة العضوية في الجنوب، فلا بد هنا من لفتة من قبل الدولة اللبنانية لتنظيم هذه الزراعة ودعمها، في هذه المنطقة الجنوبية، حتى تصبح منطقة الجنوب، رائدة، في هذا المجال، مما يرفد الاقتصاد اللبناني بشكل عام، والجنوبي بشكل خاص، بمردود لائق من شأنه تشجيع المُزارع الجنوبي، على البقاء في أرضه وصموده في وجه التحديات.

اقرأ أيضاً: المزارع أحمد الصوص: تحوّلنا الى زراعة الموز بسبب كساد الحمضيات

عن زراعة التبغ جنوباً

ماذا يمكن أن تقوله عن زراعة التبغ جنوباً؟
إن زراعة التبغ في الجنوب اللبناني، تبلغ مساحتها 50 ألف دُونم، ويستفيد منها حوالى 16 ألف عائلة جنوبية،وتُنتج حوالى ستّة ملايين كلغ من التبغ الجيد النوعية، بمتوسط سعر 12 ألف وخمسمائة (12.500) ليرة لبنانية للـ كلغ الواحد. وهذا يُعتبر مصدر رزق مهم جداً وأساسي، لآلاف العائلات الجنوبية، ولا سيما في منطقة “الشريط الحدودي”، حيث بقاء المُزارع في أرضه، هو شكل من أشكال الصمود، في مواجهة الاحتلال الصهيوني وأطماعه.

لإقرار سياسة زراعية مستدامة

وفي الختام تمنى الدكتور همدر أن تُشكل الحكومة اللبنانية، في أقرب وقت ممكن، وأن تُقِرّ، في أولى جلساتها، وضع سياسة زراعية مستدامة متكاملة في لبنان، وذلك من أجل النهوض بالقطاع الزراعي اللبناني، كونه القطاع الحيويّ المتّصف بأنه – ودون أدنى شك في ذلك – هو أحد الأعمدة الأساسية، للاقتصاد اللبناني ككلّ.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 169 خريف 2018)

السابق
تقرير أميركي يدعو للضغط على الحكومة المقبلة بسبب هيمنة حزب الله
التالي
جواد عدرا.. وفخّ السلطة؟!