السيد محمد حسن الأمين: الفقر ليس السبب الأول للطلاق!

نشرت وسائل الاعلام قبل مدة احصاء مثيرا للجدل يكشف ان عدد معاملات الطلاق التي سجلت في المحاكم الشرعية عند المسلمين في لبنان وصل الى 8000 حالة منذ بداية العام الحالي لغاية الاول من الشهر العاشر، وهو رقم كبير لم يعهده بلدنا من قبل، فما هي الاسباب، وهل الفقر هو المسبب الاول للطلاق كما هو شائع؟

المفكر الاسلامي والقاضي الجعفري المتقاعد السيد محمد حسن الامين الذي يملك تجربة غنية لاكثر من أربعة عقود في المحاكم الشرعية يقول:

“لا بدّ من تكرار الكلمة المأثورة، إن أكره الحلال عند الله هو “الطلاق”. إذ نلاحظ أن الشرع أباح هذا النوع من الفراق بين الزوجين ولكنه جعل منه أمراً مكروهاً جداً، بحيث لا يوقعه الزوجان إلا في حالات قليلة وشاذة. ولكن من المؤسف أن عمليات الطلاق تحدث في هذه السنوات الأخيرة بصورة مبالغ بها، بحيث يمكن أن تصل نسبة الطلاق بين المتزوجين إلى 20% أو أكثر، كما يبدو ذلك من معاملات المحاكم الشرعية.

ونحن هنا لا نريد أن نؤكد على ضرورة تجنب الطلاق كحلّ للمشكلات بين الزوجين بقدر ما نريد البحث عن أسباب تزايد حالات الطلاق.

قبل الدخول في التعرّض للأسباب، لا بد أن نشير إلى نقطة هامة وهي أن عقد الزواج في الإسلام مثله كمثل باقي العقود يحتمل الشروط من قبل طرفي العقد، وأبرز مثال على ذلك هو اشتراط الزوجة عند العقد أن تكون وكيلة عن زوجها بطلاق نفسها عند إساءة المعاملة، أو لأسباب أخرى وهذا الشرط في رأينا يحد من حالات الطلاق حيث لا يعود الزوج يشعر بالسيطرة الكاملة على الحياة الزوجية، التي ينبغي أن تتحقق عليها الشراكة والمعاملة الحسنة المتبادلة بين الطرفين.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الانتصار للمنهج العقلي يجدد الإسلام ويدخلنا في العصر

ونستطرد فنرى ان المجتمع الإسلامي وحتى غير المسلم ما زال مجتمعاً ذكورياً، أي يعطي للذكورة اعتباراً دون النساء، مما يشجع البعض على استعمال حق الطلاق لأسباب قد تكون بسيطة، أو لمزاج متقلّب.

ونعود إلى أسباب الطلاق المباشرة ويمكننا القول ان السبب الأول للطلاق، هو “سوء الاختيار” من قبل الزوجين، أي الاختيار الذي ينقصه الوعي، فاذا كان لا بدّ من وجود الحبّ والرغبة العاطفية من ناحية، فانه بالمقابل لا بدّ من دراسة قابلية كل شريك وقدرته على تحمّل المسؤولية، اما السبب الثاني الذي لا يظهر الا بعد الزواج هو اختلاف البيئة أي عندما تكون الزوجة في بيئة ومحيط مختلف عن بيئة الزوج ومحيطه، فيظهر اختلاف السلوك بين الزوج والزوجة بعد مدة، وكذلك تختلف النظرة بينهما تجاه العديد من الأمور.

أما العامل الثالث قد يكون هو الوضع الاقتصادي حيث يقصّر الزوج عن النفقة على الزوجة، إما لسبب طبيعي كحال الفقر، أو لسبب الشحّ والبخل من قبل الزوج، وبالتالي فإن العامل الاقتصادي هو أحد عوامل الفراق بين الزوجين.

رابعا، تفتقر المحاكم والمؤسسات المختصة بالطلاق إلى الكثير من العوامل التي تساعد على التوثيق بين الزوجين المختلفين، فلا يكفي أن يطبّق الحكم الشرعي قبل أن تجري محاولات من قبل اختصاصيين في علم النفس وفي السلوك، أن يبذل جهد للمصالحة بين الطرفين لأننا نلاحظ عندما تعرض علينا دعوى طلاق، أننا غالباً ما نسطيع أن نوفق بين الطرفين ببذل الجهد في الاستماع إليهما، وفي تسهيل العقد والمشاكل بين الطرفين.

وعليه، فينبغي اختيار الأشخاص الكفوئين والذين يملكون معطيات اجتماعية وفكرية من قضاة الشرع، حتى يكون دور القاضي دوراً فاعلاً في التقليل من حالات الطلاق وعدم إيقاعه إلا لأسباب خاصة جداً، يستحيل معها استمرار الحياة بين الزوجين.

وربما كان من أسباب الطلاق هو إما الزواج الثاني وإما الخيانات الزوجية، والحق أن الإسلام أباح الزواج الثاني والثالث والرابع، ولكن كما هو ملاحظ مع التشديد على طلب العدالة بين الأزواج، ومن وجهة نظرنا، فإن تعدد الزوجات هو أمر مباح للضرورة القصوى، وفي حال عدم الضرورة القصوى فإننا نراه يؤدي إلى تخريب كثير من البيوت والعائلات.

وفي الأساس، فإنه مكروه في الإسلام لصعوبة أو استحالة العدالة بين الزوجتين كما تشير الآية القرآنية، “ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم …”

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الديموقراطية تقتضي انبثاق وعي اسلامي جديد

وإننا في هذا المجال نلفت النظر إلى حالة بارزة وهي المطالب الكثيرة التي لا يتحملها عدد من الرجال لإتمام الزواج وتهيئة مستلزماته، فيما البيئة الاجتماعية مع الأسف تفرض المهور العالية وشروط السكن الصعبة، وتوفير الحاجات الكمالية، ولو اتبعنا دعوة الإسلام إلى تسهيل الزواج وكذلك لو اتبعنا عادات وتقاليد أبائنا وأجدادنا في سهولة الزواج وعدم فرض المتطلبات الكمالية المرهقة، لكان من الممكن أن تقل نسبة العزوبة بين الشباب والفتيات، ولأمكن زواجهما بالبساطة التي كان عليها الزواج سابقاً، فمثلاً كانت الأسرة تزوج ابنها ويسكن معها في الدار نفسه على نحو يسهل أداء متطلبات كبيرة مما يتطلبه الزواج الآن في الفترة الراهنة، أي على الفتيات أن يكن أكثر قناعة وواقعية، وعدم التعنّت في الشروط المادية التي يتطلبها أسوة بغيرها، وهذا الأمر يتطلب توجهاً اجتماعياً بحت يكون المجتمع عاملاً فاعلاً في تسهيل عملية الزواج، لأننا لهذا السبب نجد أن مجتمعنا يكثر فيه عدد العوانس من الرجال والنساء، وهذا ما يتنافى مع القيم النفسية والزوجية والدينية، وتزداد الخطورة في علاقات بين الجنسين في مثل هذه الحالة، بحيث تقع علاقات غير شرعية، خاصة مع وجود وسائل التواصل الحديثة وأجهزة الاتصالات، وهذا قد يؤدي إلى نتائج خطيرة على أخلاق الجيل، كما أن هذه العلاقات خارج إطار الزواج تغدو شيئاً فشيئاً كأنها أمر طبيعي، ولا يخفى أن أهم أسباب الزواج هو الإنجاب، فهل نريد أن يصبح المجتمع بحت شيوخ كباراً في السن ونخس عنصر الشباب بسبب قلة الزواج والاعتياد على العلاقات خارج إطار الزواج؟ هذا ما يحصل في بعض الدول التي أصبحت تشكو من تناقص عدد السكان. ولعل الانفلات السلوكي بما يدعى الخيانة الزوجية المسببة حالياً للطلاق في كثير من الحالات، تؤثر على تماسك الأسرة وخطر ذلك على المجتمع كله.

لذلك نقترح أن يكون موضوع الزواج هماً من هموم الدولة، بحيث تشجع الزواج وحتى الزواج المبكر، وذلك بتهيئة الأسباب المطلوبة وتقديم المساعدات التي يتشجع على إتمام علاقات زوجية صحية، مثل هذا الأمر ليس أقل خطورة من سائر اهتمامات الدولة.

وهنا أود أن أشير أنه في تاريخنا الإسلامي ومراحل ازدهاره كانت الدولة تموّل المحتاجين إلى زواج ولا يملكون المال المطلوب، أي أن الشاب يعطى من بيت مال المسلمين ما يؤهله للزواج وللسعي في سبيل حياة فاضلة، وأعتقد أنه في مثل هذه الحال سوف تقلّ حالات الطلاق، بل تصبح نادرة جداً، خصوصاً إذا أضيف إلى ذلك ثقافة دينية تمكن الزوجين من الحياة المشتركة السعيدة، وتحد من غلبة الذكورة التي هي سمة واضحة للمجتمع. فالمساواة بين الجنسين عامل أساسي لحياة مستقلة وسعيدة”.

السابق
وفاة والد الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز
التالي
حزب الله يلجم طموحات باسيل الرئاسية ويستعد لمرحلة النفوذ الروسي