الانسحاب الأميركي من سوريا يثير قلق المسؤولين في العراق

الجيش الاميركي
اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من شمال شرق سوريا، كان مفاجئاً لمختلف الجهات سواء على مستوى الكونغرس ومجلس الشيوخ، أو على مستوى المنطقة سواء في العراق وسوريا وحتى إسرائيل التي بدت من خلال مواقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي اكد على أن إسرائيل تدرس الخيارات على صعيد التعامل مع هذه الخطوة الأميركية، رغم أن نتنياهو علم بالخطوة الأميركية قبل ثلاثة أيام، وهي دلالة إضافية على أن الانسحاب لم يكن مقررا، بل مفاجئاً حتى لإسرائيل.

بداية لا بد من الإشارة الى ان الرئيس ترامب، صاحب التغريدات التويترية المباغتة، يحكم تفكيره السياسي في الرئاسة الأميركية امرين أساسيين في صلب مواقفه هما، تقديم نفسه على أنه يلتزم بتنفيذ ما يعد به امام الناخبين الأميركيين، وهو على هذا الصعيد كان صرح قبل الانتخابات الرئاسية وخلال ولايته الحالية، أنه سيسحب الجنود الاميركيين من سوريا، وبالتالي فان “تغريدة الانسحاب من سوريا” كانت لتأكيد مصداقيته امام الناخبين في مرحلة الاستعداد لخوض معركة الولاية الثانية لرئاسته، لا سيما ان زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس نانسسي بيلوسي علقت على اعلان ترامب الانسحاب من سوريا بالقول ان “توقيت الإعلان تزامن مع تطورات جديدة في قضية مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، وقالت على جميع الأمريكيين أن يشعروا بالقلق من أن هذا “التصريح المتسرع”بالانسحاب من سوريا قد صدر في اليوم التالي بعد موافقة المحكمة على تأجيل موعد الحكم على فلين، الذي اعترف بأنه كان “عميلا أجنبيا مسجلا” لدولة لها مصالح واضحة في النزاع السوري. وهذا الموقف يعكس البعد الداخلي في قرار ترامب.

اقرأ أيضاً: هل سيغامر برهم صالح بتاريخه ويزور الأسد؟

المسالة الثانية التي تحكم تفكير ترامب، هي البعد البراغماتي الحاد في قراراته، فمن المألوف في مسلسل قراراته الرئاسية أن يتخذ ترامب قرارات مبنية على الربح السريع، بحيث يجب أن تظهر المنفعة المباشرة والسريعة لقراراته، هذا ما قرره بشأن العلاقات التجارية مع الصين وأوروبا، وحتى على صعيد بناء الجدار مع المكسيك، أو فرض الترتيبات الجمركية الجديدة مع الجار الكندي وغير ذلك من قرارات تنطوي على منفعة مباشرة، ولو أدى ذلك الى اصطدام مع المؤسسات الأميركية الحاكمة أو مايسمى الدولة العميقة.

انطلاقا من هذه المحددات للتفكير “الترامبي” يجب مقاربة اعلان الانسحاب الأميركي من سوريا، والتي أثارت قلقا عراقياً عبرت عنه لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التي اعتبرت توقيته جاء قبل الانتهاء من عملية القضاء على تنظيم داعش، وهذا يشير ربما الى قلق إيراني من هذه الخطوة، التي قد تنطوي على إعادة اشعال مواجهة مع مجموعات عسكرية على الأراضي السورية وداخل الأراضي العراقية الغربية مع تنظيم داعش.

في الجانب الاستراتيجي لا يمكن أن تتم الخطوة الأميركية في معزل عن اتفاقات ولو ضمنية مع اطراف إقليمية ودولية، فانقرة التي تستعيد الثقة الأميركية مع موافقة الكونغرس على صفقة صواريخ باتريوت مع تركيا بقيمة ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار، تبدو مرتاحة للخطوة الأميركية التي تفتح الطريق لها لانهاء سيطرة التنظيمات الكردية المعادية لها شمال سوريا، في ظل الحديث عن اتفاق لنشر قوات البشمركة العراقية على الحدود الشمالية الشرقية السورية. وعلى رغم عدم وضوح الدور الروسي حتى اليوم في هذا الشأن، فان الأوساط المتابعة تستبعد أن لا يكون هناك تنسيق ضمني مع روسيا على هذا الصعيد، واسطته تركيا على الأرجح.

اقرأ أيضاً: ديمقراطيون وجمهوريون ينتقدون قرار ترامب المتسرّع بالانسحاب من سوريا

الخطوة الأميركية ستفرض جملة تحديات إقليمية، فالفراغ الذي سيحدثه سيدفع إسرائيل بالضرورة نحو ترسيخ التعاون مع روسيا لضمان دور فاعل لها في المسرح السوري، كما سيوفر لتركيا مجالا رحبا لتثبيت دورها بغطاء أميركي وروسي، وفي ظل حاجة إيرانية لعلاقة متينة معها، والى حين تبلور خارطة السيطرة فان دورة عنف جديدة مرشحة للانطلاق في سوريا مع الانسحاب الأميركي سواء في شرق الفرات او في الجنوب السوري.

بهذا المعنى فان الخطوة الأميركية ستفتح الباب واسعا لاعادة رسم حدود النفوذ بين سوريا المفيدة التي تعود كعنصر ثابت في رسم مناطق النفوذ الإقليمي والدولي، وبين النطاق الإقليمي لإسرائيل وتركيا اللتين ستحاولان عبر العلاقة مع روسيا ابرام اتفاقيات تحفظ مصالحهما في بلاد الشام.

السابق
من هو جواد عدرا مرشّح «اللقاء التشاوري» في حكومة الحريري؟
التالي
دعوات إلى التظاهر في لبنان الأحد.. فما هي الأهداف والعناوين؟ ومن يقف وراءها؟