تمثيل اللقاء التشاوري… إعلان عودة سوريا

العقدة السنية

سجّلت مفاوضات السلام في ستوكهولم بين الحوثيين وممثّلي الشرعيّة في اليمن تقدّماً نوعياً، كان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قد أكدّه بإصرار في وقت سابق. الإتفاق الذي أكدّه الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، يتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار في محافظة الحديدة بأكملها، وانسحاباً عسكرياً لكافة القوات من المدينة والميناء خلال 14 يوماً، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحليّة بأداء وظائفها. اتفاق ستوكهولم الذي يجسّد إطاراً من الترتيبات السياسية والأمنية في إحدى الساحات العربية المخترقة بميليشيات إيرانية أو تحظى فيها ميليشيات مذهبية بدعم من إيران، قد لا يكون صالحاً للتعميم، ولكنّه يجسّد جزءاً من المشهد العام الذي ستؤول إليه ساحات النفوذ الإيراني في كلّ من العراق ولبنان وسوريا.

اقرأ أيضاً: ما مصير المنطقة مع تقاطع المصالح الأميركية الروسية؟

لبنان الذي يتفرّد عن سواه من الساحات بعدم إبداء أيّة مناعة تجاه الاستباحة الإيرانية، ويعاني من استفحال الفساد في كل مفاصل الإدارة الحكومية وعجز قضائه عن حماية المواطنين وحياتهم اليومية (آخرها مهزلة معمل ميموزا حين تدخّل السياسيون المنادون بالإصلاح لإطلاق سراح مدير المعمل أحد المتسببين الرئيسيين بتلوث نهر الليطاني)، ويمر اقتصاده بأزمة خانقة، يواجه انكشافات ثلاث أمام المجتمع الدولي:
أولاً: انكشاف دبلوماسي: يستعد لبنان غداً الأربعاء لمواجهة مجلس الأمن، الذي توجّهت إليه إسرائيل في سياق حملة دبلوماسية وإعلامية مدعومة من الولايات المتّحدة الأميركية، لمناقشة ملف أنفاق حزب الله بعد تأكيد قوات اليونيفيل اكتشاف ثلاثة منها. الاجتماع الذي طلبته الإدارة الأميركية وستشارك فيه بعثة لبنان الدبلوماسية يهدف لوضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤولياتها وتحميلها تبعات قيام «حزب الله» بحفر الأنفاق واقتراح تفعيل الإجراءات لتطبيق القرار 1701. لبنان الذي اختبأ عند اكتشاف الأنفاق خلف القرار المذكور وأكّد التمسّك به على لسان كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، لم يكن مسؤولوه على مستوى التّحدي المطلوب إذ لم يقمّ أي منهم بأي نشاط دبلوماسي لدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لحماية لبنان بل اقتصر نشاط وزير خارجيته على المشاركة في لقاء اقتصادي لا يعنيه، وإضاءة شجرة الميلاد في بعض القرى الجنوبية، هذا بالإضافة أنّه سيعرض على مجلس الأمن مشروع قرار تقدّمت به واشنطن وتل ابيب يصنّف حزب الله منظّمة إرهابية.
ثانياً: انكشاف أمني: يؤكده الفشل الدائم للخطط الأمنية في منطقة بعلبك الهرمل. التطور اللافت في الأحداث الداميّة هو التصريحات العلنيّة التي يجاهر بها مجموعة من المواطنين تربطهم عصبية عشائرية، بعدائهم للدولة، ويترجم ذلك بمهاجمة مراكز الجيش وإحراقها في حي الشراونة. ويتزامن ذلك مع تعرّض مركز تابع للجيش في بلدة القصر - الهرمل لإطلاق نار من الداخل السوري. هذا في الوقت الذي انتقل فيه عدد من المتهمين بمهاجمة مراكز الجيش الى المنطقة السورية المحاذيّة للحدود اللبنانية الخارجة أساساً عن سلطة الدولة، وانخرطوا في ما يسمّى «حزب درع الوطن السوري». المجتمع الدولي الذي قدّم الهبات للمؤسسات الأمنية ينظر الى فشل السلطة اللبنانية وعدم قدرتها على اتّخاذ القرار باستعادة سيطرتها على حدودها ومرافقها وهو بات مقتنعاً بإنّ هذه الدولة بحاجة الى وصي من خارج الحدود. في حين لا زالت الحكومة تنظر الى خروج تجمّع عشائري أو جزء منه عن سلطة الدولة في منطقة حدوديّة، كانت ولا تزال مسرحاً لعمليات تهريب ونقل وانتقال أسلحة ومقاتلين الى دولة أخرى، على أنّه مسألة أمنية تقع على عاتق الجيش اللبناني فقط!
ثالثاً: فشل في تكوين السلطة: وقد عبّرت عنه العقبات التي وضعها كل من تكتل رئيس الجمهورية وحزب الله أمام الرئيس المكلّف لوضع موقع رئاسة الحكومة تحت السيطرة وتكريس أعراف خارجة عن الدستور. اللقاء التشاوري الذي لا يخفى على أحد نكهته الأسديّة كان آخر الابتكارات المرشّحة للتوظيف في أكثر من اتّجاه، إضعاف رئيس الحكومة أمام حكومته وداخل طائفته وتجريد رئيس الجمهورية من الثلث المعطّل. تخريج التسوية الحكومية بقبول الرئيس بتمثيل اللقاء التشاوري من حصته، وباجتماع يضمّ نواب اللقاء الى اللواء عباس ابراهيم لتسليمه إسمين لمرشحين من خارج اللقاء خلافاً لكل التعنّت السابق، وابتعاد حزب الله عن التعليق، ليست سوى مؤشرات أكيدة على دخول دمشق على خط التأليف بشكل واضح. بدت فكرة اللقاء التشاوري فكرة أسديّة بامتياز كلّف حزب الله بوضعها في التداول لإحراج الحلفاء والخصوم وليسحب بعدها النظام السوري فتيل الأزمة في الوقت الذي يئس العالم من قدرة المكوّنات اللبنانية على تكوين السلطة.
تقدّم سوريا نفسها للمجتمع الدولي المعني بلبنان على أنّها القادرة على السيطرة وفرض الاستقرار السياسي بالرغم من كلّ المعادلات القائمة وحجم القوى السياسية اللبنانية ومنها حزب الله. إعادة ترسيم النفوذ الإيراني في المنطقة، أو لنقل تطبيق الجزء اللبناني من المشهد الأميركي بعد المشهد اليمني بحاجة الى من يفرضه، وقد يكون إنقاذ الوضع الحكومي أحد أوراق الاعتماد السورية لدى واشنطن وإحدى مقدّمات فك العزلة الدوليّة عن النظام السوري وعودته الى لبنان؟

السابق
حزب الله يفرج عن الحكومة.. فما هي الدوافع التي أجبرته على التراجع؟
التالي
توزير حسن مراد يقرب موعد تشكيل الحكومة