واصف شرارة: الزراعة تعاني من التهميش والزحف العمراني وتغييب مشروع الليطاني

الرئيس السابق للمصلحة الفنية للمشروع الأخضر، في لبنان، المهندس الزراعي واصف شرارة، وفي كتابه المتمحور حول "القطاع الزراعي في لبنان"، يلفت وينبّه، ومن خلال تشديده في القول، إلى أن "الزراعة هي الأساس لأي تنمية"، وبما أن الأمر كذلك، فإن الحديث عن الشأن الزراعي في الجنوب اللبناني.

هو حديث ذو شجون، لكنها شجون من نوع خاص، تُحيط بأوجه الزراعة كافة، في هذه المنطقة الحدودية من لبنان، الواقعة بين نارين: الإهمال الرسمي المزمن على الصعيد التنموي من جهة، والاعتداءات الصهيونية المزمنة، أيضاً عليها، من جهة أخرى، على صعيد مجاورة هذه المنطقة للأرض الفلسطينية المحتلة، ذلك لأن هذه الاعتداءات، تهدف إلى جعل أرض الجنوب اللبناني، أرضاً غير قابلة للحياة على الإطلاق.

وحول الزراعة، في لبنان، عموماً وجنوبه خصوصاً، أجرينا الحوار الآتي مع شرارة، الذي كان، أيضاً مدير مكتب وزير الزراعة (1991 – 1999)، ورئيس هيئة إنماء المنطقة الحدودية (1988 – 2010):

ماذا يمكن أن تقول اليوم، في شؤون وشجون الوضعين: الزراعي والتنموي في لبنان عموماً، وجنوبه خصوصاً؟
نحن بلد زراعي، بالرغم من المكابرة التي يحاول أركان النظام، أن يبتعدوا بها عن هذه الحقيقة. والإنماء هو الشرط الأساسي لتوفُّر وسائل الحياة على هذه الأرض. وفي حال غياب هذا الإنماء، فإننا شهدنا، وما زلنا نشهد، في أحزمة البؤس، التي تحيط بالمدن الرئيسية، وجود تلك الأعداد الهائلة من المواطنين، الذين هجروا قراهم، بحثاً عن لقمة العيش.

اقرأ أيضاً: المهندس داوود رعد: وضعنا الزراعي يسير نحو الهاوية

من هنا، نرى أهمية القطاع الزراعي، الذي يعاني تهميشاً، منذ فجر الاستقلال. وعندما تحدثوا في “اتفاق الطائف”، عن”الإنماء المتوازن” لم يلحظوا، أن هذا الإنماء الذي قصدوه، بين الطوائف والمناطق، يجب أن يكون بين القطاعات الاقتصادية المُنتجة، والتي يأتي القطاع الزراعيّ في سلّم أولوياتها.

وبنظرة سريعة إلى الاعتمادات المخصصة للقطاع الزراعي في لبنان، نرى أن هذا الإجحاف في الموازنة تجاه هذا القطاع، قد تدرَّج من (0.01)، إلى 4 أو 5 بالمئة، في أحسن الأحوال، علماً أن العاملين في هذا القطاع، ونسبة الأُسرِ التي تعتمد على الزراعة لجني مداخيلها، تفوق الـ25%.

إن الهجرة من الريف إلى المدينة، تشكل الخطر الأكبر، من الناحيتين: الاجتماعية والأمنية على الأمن الوطني لأن أي نظرة لتحسين أوضاع القطاع الزراعي، تبدأ بوضع السياسات الزراعية التي تعمل على إنشاء تنمية مستدامة في الريف، تحدُّ من الهجرة، من خلال إيجاد السُّبل للتطوير والنهوض بالريف.

ومن خلال تجربتي في الشأنين الزراعي والتنموي التي امتدت، إلى أكثر من أربعة وأربعين عاماً، فإني أؤكد على أن إجراءات تطوير الواقع الزراعي، وإزالة العقبات التي تقف في وجه تطوير هذا القطاع الحيوي، تهدف، في النهاية إلى تحقيق الإصلاح في المسيرة التنموية، وتحقيق أهداف التطوير الاقتصادي، والإصلاحات الاقتصادية، وزيادة معدّلات النمو الاقتصادي، وتحسين استخدامات الموارد الطبيعية، وتطوير آلية التسويق، وتحديث وسائل الإنتاج، وتشجيع الاستثمار في الحقل الزراعي، وتطوير نظام التسليف الزراعي، والتأمين على الإنتاج وحماية وصون حقوق العاملين في القطاع الزراعي وشمولهم في نظام الضمان الاجتماعي، إلى جانب تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي.

وبكلمة موجزة: إن زراعتنا في خطر، لأن لبنان لا ينتج سوى 20% من غذائه، ويستورد 80% من بقية الغذاء من الخارج وبالعملة الصعبة.

تنبيه… ومُطالبة

ما هو مفهومك لإنماء القطاع الزراعي؟
عندما وضعت عنوان كتابي: “القطاع الزراعي/ إنماء مفيد، دعم زهيد وتراجع أكيد”. فإني كنت أنبِّه إلى خطر تدهور حال القطاع الزراعي في لبنان، ورفعت الصوت، عالياً، إلى جانب العديد من أصحاب الشأن والاختصاص، للتنبه إلى مخاطر إهمال هذا القطاع، لأن معدل النمو السكاني، الذي هو في حدود الـ3% سنوياً، يرتب زيادة في استهلاك الغذاء بمعدل 5%؛ بينما الإنتاج الغذائي، لا ينمو إلا بنسبة 2%. ولقد طالبت بضرورة الانتقال إلى زراعات أكثر اقتصادية، وأقل احتياجاً للمياه في ظل ندرة المياه وازدياد الطلب عليها، بعد أن أصبح الماء أعز موجود وأغلى مفقود. وبالرغم من مرور عقد من الزمن على إصدار هذا الكتاب، فإن المشاكل الزراعية قد ازدادت تفاقماً، في الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون عن “الزراعات البديلة”، التي لم تجد حلولاً، وكانت تجربتها فاشلة، نتيجة الهدر والفساد، وعدم وجود أي خطة زراعية قابلة للتنفيذ.

مشكلة وطنية عامة

هل من خصوصية للقطاع الزراعي في الجنوب؟
إذا كنا نودّ الحديث عن الجنوب اللبناني، فإن المشاكل الزراعية، لا يمكن فصلها أو تجزئتها، عن باقي المناطق اللبنانية، مع خصوصية الافتقار الحاد إلى المياه في الجنوب، بالرغم من الحديث عن المشاريع المائية كمشروع الليطاني الذي لا يزال حبراً على ورق، وجدلاً عقيماً حول منسوب 800 متر. لأن المشكلة الزراعية الأساسية الموجودة في الجنوب، هي متمثلة في عدم وجود زراعات منتجة، مما يُبقي المزارع الجنوبي تحت رحمة “الزراعة المُرَّة” (أي زراعة التبغ) التي لا يكاد دخلها يفي بالتعب المبذول إزاءها، على مدى ثلاثة عشر شهرٍ متواصلة (وليس عاماً واحداً فحسب)، للحصول على ثمن الإنتاج.

مقارنة تحزّ في النفس

وماذا عن تربة أرض الجنوب اللبناني؟
في حديثي عن تربة الجنوب اللبناني لا بد لي من القول: إن ما يحزّ في النفس، تجده وأنت تعبر الطريق الفاصل بين لبنان، والأرض الفلسطينية المحتلة، وذلك عندما ترى المشاريع الزراعية، على طول الشريط الفاصل، في الأرض المحتلة وترى مقابلها، وعلى امتداد محاذاتها، الأرض الجرداء في لبنان. علماً بأن طبيعة تربة الأرض الفلسطينية، هي نفسها طبيعة تربة الأرض اللبنانية، ومناخهما واحد.

أما على صعيد المساعدة الزراعية والإنمائية لأرض الجنوب اللبناني، فإن مطالبنا بشأنها، فلقد ضمّناها دراسات وضعناها كهيئة إنماء منطقة حدودية جنوبية، وتقدّمنا بهذه الدراسات إلى المسؤولين في بعض الجهات المموِّلة، من أجل استصلاح وزراعة الأرض اللبنانية، المحاذية لفلسطين المحتلة، وتحويلها إلى بساتين خضراء، لكن أحداً لم يتجاوب معنا في هذا المجال.

ولقد قام المشروع الأخضر بإنشاء عدد من البرك المائية في بلدات وقرى: مارون الراس وشبعا وعيتا الشعب ورميش وعيترون؛ ويجري العمل الآن على وضع دراسات، لاستكمال إنشاء بحيرات جبلية في بلدات: الطيري وبنت جبيل والهبارية، لأن هذه البُرك الجبلية، سيكون لها تأثير واضح على زراعات حديثة ومنتجة، في ظل زراعة مستديمة، تحقِّق الإنماء المستدام.

مطالب ملحة… ومشكلة كبرى وخطيرة

وماذا عن تناقص مساحات الأراضي الزراعية؟
طالما أن المساحة الزراعية القابلة للاستخدام، هي محدودة وتتناقص باستمرار، في ظل الزحف العمراني، الذي طاول أكثر الأراضي الزراعية المنتجة، فإننا نطالب بالتوجه للتعويض عن تلك المساحات المفقودة، باستصلاح المزيد من الأراضي الهامشية (أي الأراضي غير المستصلحة)، لإدخالها في ضمن الأراضي الزراعية المنتجة.

شؤون جنوبية 169

ومطالبنا في هذا المجال تتلخص بزيادة الاعتمادات المخصصة للمشروع الأخضر، لزيادة وتفعيل عمله في منطقة الجنوب وسواها من المناطق اللبنانية، والابتعاد عن الروتين الإداري الذي يترك المُزارع اللبناني، رهينة على مدى سنوات عديدة، للحصول على حقه في التعويض عن الأعمال التي قام بها لاستصلاح عقاره؛ كما يتوجب البحث عن مصادر تمويل إضافية: كالبنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، والمنظمات العربية والإسلامية، والجهات المانحة، عن طريق الهبات، والقروض، بغية استكمال العمل لتحقيق الأهداف المنشودة.

وبالنظر إلى المساحة الزراعية الجنوبية، فهي بحدود 360 ألف هكتار، يستغلُّ منها 245 ألف هكتار؛ بينما الأراضي الجنوبية المهملة، والممكن استصلاحها، تبلغ مساحتها مائة ألف هكتار، وهنا يكمن عمل المشروع الأخضر، في زيادة مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة، ضمن خطة تقضي باستصلاح خمسة آلاف دونم سنوياً. كما أن القنابل العنقودية التي تركها العدو الإسرائيلي في اعتداءاته المتكررة على الجنوب اللبناني، لا تزال مشكلة كبرى وخطيرة، تنتظر الحل. فعشرات الآلاف من الألغام والقنابل العنقودية، لا تزال مزروعة في أرض الجنوب، بالرغم من استمرار أعمال نزع الألغام والقنابل العنقودية، من هذه الأرض، وعلى مدى سنوات طويلة. ذلك لأن الفرق التي تولت أعمال نزع الألغام والقنابل العنقودية من أرض الجنوب اللبناني، (وهي الفِرق التي تراجع عددها من 111 فريقاً، إلى أقل من 40 فريقاً، بسبب ضعف التمويل)، قد استطاعت نزع ما يقارب الـ250.000 قنبلة عنقودية فقط، من أصل أربعة ملايين قنبلة، كان العدو الإسرائيلي قد اعترف بإلقائها في الجنوب. إن هذه القنابل – وبطبيعة الحال – تمنع المزارعين الجنوبيين من ولوج أرزاقهم، والاعتناء بمزروعاتهم، وتحرمهم من دخل يفترض أن يساهم بتنمية ريفية، وهذا ما يحدث خللاً بنيوياً في الزراعة جنوباً، يؤدي إلى هجرة الأرض وتصحُّرها.

ونريد الإشارة هنا، إلى أن مفعول هذه القنابل العنقودية يبقى لأكثر من ثلاثين عاماً.

الدور التنموي للمرأة

لماذا تطالب دوماً في كتاباتك بتعزيز دور المرأة الريفية؟
إن تحقيق التنمية في أي مجتمع، لا يمكن الوصول إليه، إلا عبر إشراك المرأة في التنمية. وهذا الأمر لا بد لنا من أن ننظر إليه، في إطار التنمية الشاملة، بكل أبعادها: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، لتفسير المدى الذي تستطيع المرأة أن تُشارك وتساهم فيه بفعالية في التنمية، ويمكن ذلك من خلال عمل المرأة في التصنيع الزراعي المحلي، والترويج له، عبر جمعيات نسائية ريفية.

اقرأ أيضاً: المزارع أحمد الصوص: تحوّلنا الى زراعة الموز بسبب كساد الحمضيات

مشروع… ومشروع

ما هو رأيك بمشروع الليطاني؟ وهل كان هناك تعاون ما بينه وبين المشروع الأخضر؟
إن هذا المشروع الحيوي لم ير النور منذ سنوات طويلة جداً، وهذا أمر مؤسف حقاً، إذ إن مشروع الليطاني، هو حاجة ماسة، للمنطقة الجنوبية المحاذية للأرض المحتلة، خاصة في منطقة القطاع الأوسط، حيث أن الاستراتيجية المائية التي اعتمدتها الدولة اللبنانية تعتمد على خريطة طريق تُراهن على إنشاء السدود والبحيرات المكشوفة والسطحية، بشكل رئيسي، لتأمين الكمية الأكبر من المياه، لكننا نرى – وهذا ما يجب الالتفات، بل الانتباه إليه – أن هناك إمكانيات وبدائل أخرى، غير تقليدية، ويمكن الاستفادة منها، عبر تنفيذ مشروع الليطاني، هذا المشروع الذي وُعد به الجنوب اللبناني، ولايزال موعوداً به، منذ نصف قرن أو يزيد.

أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فلم يجر أي تعاون على الصعيد الزراعي في الجنوب، ما بين مشروع الليطاني والمشروع الأخضر، وهنا أريد أن أطالب بإقامة تنسيق، وخطط عمل ما بين هذين المشروعين والمؤسسات التي تُعنى بالتنمية بشكل عام.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 169 خريف 2018)

السابق
شاكيري يتألّق ويسجّل هدفي التقدّم لليفربول في مرمى مانشتر يونايتد
التالي
ماذا يقول العلاّمة الأمين بمشاركة رجل الدين بالانتخابات